قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ صَدْرُ الْمُدَرِّسِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (كِتَابُ الْبُيُوعِ)
جَمْعُ بَيْعٍ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَجَمَعَهُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى بَيْعِ عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَيُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا قَسِيمِ الشِّرَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْهُ لِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ لَفْظُ الْبَائِعِ وَحْدُهُ نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالشِّرَاءُ قَبُولُ ذَلِكَ عَلَى لَفْظِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْت بِمَعْنَى اشْتَرَيْت وَبِالْعَكْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: ٢٠] وَقَالَ {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: ١٠٢] وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَائِعٌ وَبَيِّعٌ وَمُشْتَرٍ وَشَارٍ الثَّانِي الْعَقْدِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهَذَا مُرَادُهُمْ بِالتَّرْجَمَةِ وَهُوَ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَقَوْلُهُ {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ فَقَالَ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ لَا غِشَّ فِيهِ وَلَا خِيَانَةَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرُ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا شُرُوطٌ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْت دَلِيلَهُ وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[كِتَابُ الْبُيُوعِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ الْبُيُوعِ) (قَوْلُهُ لَفْظُ الْبَائِعِ) بِالْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا شُرُوطٌ) قَالَ لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ بَيْعٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلَا صِيغَةَ وَلِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِتَدْخُلَ صُورَةُ الْبَيْعِ فِي الْوُجُودِ فَلْيَعُدَّ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَرْكَانًا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِهَا لِيَتَصَوَّرَ الْبَيْعَ فَلْيَخْرُجْ الْعَاقِدُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذْ الْبَيْعُ فِعْلٌ وَمَوْرِدُ الْفِعْلِ وَفَاعِلُهُ لَا يَدْخُلَانِ فِي حَقِيقَتِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَعُدَّ الْمُصَلِّي وَالْحَاجَّ رُكْنَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُسْتَثْنًى عَلَى أَنَّ إيرَادَهُ لَازِمٌ بِتَقْدِيرِ جَعْلِ الثَّلَاثَةِ شُرُوطًا أَيْضًا وَعَنْ الثَّانِي بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَعُدَّ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَنَحْوَهُمَا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِالْبَيْعِ وَبِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَلَا يُرَادُ بِالرُّكْنِ مَا تَرَكَّبَ حَقِيقَةُ الشَّيْءِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مَوْرِدُ الْفِعْلِ وَفَاعِلُهُ دَاخِلَيْنِ فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا لَا بُدَّ لِلشَّيْءِ مِنْهُ فِي وُجُودِ صُورَتِهِ عَقْلًا إمَّا لِدُخُولِهِ فِي حَقِيقَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِهِ فَخَرَجَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُجُودِ صُورَتِهِ شَرْعًا وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَنَحْوَهُمَا لِمَا مَرَّ وَأَمَّا الْمُصَلِّي وَالْحَاجُّ فَالْكَلَامُ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُنْدَرِجٌ فِي الْكَلَامِ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِمَا فِي الْمَاهِيَّةِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي مُطْلَقِ ذِكْرِهِمَا بَلْ فِي ذِكْرِهِمَا رُكْنَيْنِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا ذُكِرَ وَيُجَابُ بِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا رُكْنَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِشَيْءٍ وَأَجَابَ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ الْغَزَالِيَّ بَنَى هَذَا عَلَى أَصْلٍ قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِي الْبِيَاعَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدِهِمَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَالثَّانِي مَا لَا يَقْتَضِيهِ وَجَعَلَ الضَّابِطَ أَنَّ مَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ بِسَبَبِ مَفْسَدَةٍ نَشَأَتْ مِنْ أَحَدِ أَرْكَانِ الْعَقْدِ فَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ الدَّاعِيَةَ إلَى النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الْعَاقِدِ وَفِي الثَّانِي إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي الثَّالِثِ إلَى الصِّيغَةِ وَمَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لِهَذِهِ الْحَيْثِيَّاتِ خَارِجٍ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ جَعَلَ الْعَاقِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute