للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ وَيُقْطَعُ أَيْضًا بِمَالِ ذِمِّيٍّ (وَكَذَا يُحَدُّ إنْ زَنَى) وَلَوْ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ) بِحُكْمِنَا فِي الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْنَا (إنْ أَلْزَمْنَا) نَحْنُ (حَاكِمَنَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ) وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُسْلِمَةِ، وَالرَّاجِحُ فِي غَيْرِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ (بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ) الشَّامِلِ لِلْمُسْتَأْمَنِ مَنْ إذَا زَنَى لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ كَالْحَرْبِيِّ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا يُقْطَعُ مُعَاهَدٌ وَ) لَا (مُسْتَأْمَنٌ) بِسَرِقَةِ مَالِ غَيْرِهِمَا وَإِنْ شُرِطَ قَطْعُهُمَا بِهَا (وَلَا يُقْطَعُ لَهُمَا) بِسَرِقَةِ مَالِهِمَا لِذَلِكَ (وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِالسَّرِقَةِ إلَّا أَنْ شُرِطَ) عَلَيْهِ انْتِقَاضُ عَهْدِهِ بِهَا، وَالتَّرْجِيحُ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي أَوْ أَخَّرَ الْجِزْيَةَ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ: وَفِي انْتِقَاضِ عَهْدِ الْمُعَاهَدِ بِالسَّرِقَةِ أَوْجُهٌ ثَالِثُهَا إنْ شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْرِقَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا

(الْبَابُ الثَّانِي) (فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ) (وَمِثْلُهَا الْمُحَارَبَةُ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ مَا يَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ أُمُورٌ (ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ يَمِينُ الرَّدِّ، فَلَوْ نَكَلَ السَّارِقُ) عَنْ الْيَمِينِ (وَحَلَفَ الْمُدَّعِي) يَمِينُ الرَّدِّ (قُطِعَ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقْطَعُ بِهِ وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي الدَّعَاوَى وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ كَمَا لَوْ قَالَ أَكْرَهَ فُلَانُ أَمَتِي عَلَى الزِّنَا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَهْرُ دُونَ حَدِّ الزِّنَا وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُقْطَعُ وَهَذَا قَدْ أَنْكَرَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ قَطْعُ السَّارِقِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَوْ إقْرَارِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ

(الثَّانِي الْإِقْرَارُ فَيُقْطَعُ بِهِ) الْمُقِرُّ بِالسَّرِقَةِ لِخَبَرِ «مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» هَذَا (إنْ بَيَّنَ السَّرِقَةَ، وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ) وَقَدْرَ الْمَسْرُوقَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ (وَالْحِرْزَ بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ) لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الشُّهُودِ (وَسَقَطَ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ عَنْ السَّرِقَةِ، وَالْمُحَارَبَةِ) أَيْ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِمَا (وَلَوْ) كَانَ الرُّجُوعُ (فِي أَثْنَاءِ الْقَطْعِ) كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا بِالرُّجُوعِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ مَا إخَالُكَ سَرَقْت قَالَ بَلَى سَرَقْت فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» وَلَوْلَا أَنَّ الرُّجُوعَ مَقْبُولٌ لَمَا كَانَ لِلْحَثِّ عَلَيْهِ مَعْنًى (فَلَوْ بَقِيَ) مِنْ الْقَطْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ (مَا يَضُرُّ إبْقَاؤُهُ قَطَعَ) هُوَ (لِنَفْسِهِ) لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَطْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَدَاوٍ وَخَرَجَ بِالْقَطْعِ الْمَالُ فَلَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ

(فَرْعَانِ) لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِمَا ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ الْقَاضِي سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِالْإِقْرَارِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الزِّنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُقِرِّينَ) بِالسَّرِقَةِ عَنْ إقْرَارِهِ دُونَ الْآخَرِ (قُطِعَ الْآخَرُ) فَقَطْ (فَلَوْ أَقَرَّ) وَاحِدٌ (بِإِكْرَاهِ أَمَةٍ عَلَى الزِّنَا) أَوْ بِالزِّنَا بِهَا بِلَا إكْرَاهٍ (حُدَّ وَإِنْ غَابَ سَيِّدُهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ) مِنْ غَيْبَتِهِ (وَقَالَ كُنْت مَلَّكْته إيَّاهَا) بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَأَنْكَرَ) هـ الْمُقِرُّ (لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ) إذْ لَوْ سَقَطَ لَمْ يُسْتَوْفَ فِي غَيْبَتِهِ (وَكَذَا) لَا يَسْقُطُ (إنْ قَالَ أَبَحْتهَا) لَهُ (وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاحُ لِلْوَطْءِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ سَرِقَةِ مَالِ الْغَائِبِ الْآتِيَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ) يَجُوزُ فِي الْمُعَاهَدِ فَتْحُ الْهَاءِ وَكَسْرُهَا

[الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ]

(قَوْلُهُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ) السَّيِّدُ بِعِلْمِهِ يَقْضِي عَلَى عَبْدِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الزِّنَا (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَلَ السَّارِقُ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي قُطِعَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ لَمْ يُقْطَعْ وَهُوَ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ تِلْمِيذُهُ الْفَتَى وَهُوَ الرَّاجِحُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى وَيَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُهَا الْأَيْمَانُ فِي إثْبَاتٍ وَلَا إنْكَارٍ فَصَارَتْ الْيَمِينُ مَقْصُورَةً عَلَى الْغُرْمِ دُونَ الْقَطْعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنَا أَعْجَبُ مِنْ نَقْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَمُتَابَعَةِ الْغَزَالِيِّ لَهُ، وَقَدْ أَشَارَا جَمِيعًا إلَى اسْتِشْكَالِهِ وَظَنَّاهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِهِ وَقْفَةٌ، فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ شَاذٌّ نَقْلًا وَمَعْنًى وَلَعَلَّهُ مُنْتَزَعٌ مِنْ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الدَّائِرِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ تَتَعَدَّى إلَى ثَالِثٍ عَلَى أَنَّ فِي انْتِزَاعِهِ مِنْهُ نَظَرًا أَيْضًا، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ وَقَدْ وَافَقَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزِّنَا بِأَمَةِ الْغَيْرِ وَأَنَّهَا كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ) أَيْ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَخْ حَيْثُ قَالَ لَا يُقَامُ عَلَى سَارِقٍ وَلَا مُحَارِبٍ حَدٌّ إلَّا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا شَاهِدَانِ وَإِمَّا الِاعْتِرَافُ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ) أَيْ وَالصَّوَابُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْجَانِيَ إذَا أَنْكَرَ حَيَاةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَالَ الْجِنَايَةِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ عَلَى الصَّحِيحِ لِلشُّبْهَةِ مَعَ أَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَحَقُّ اللَّهِ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَثْبُتَ بِالْيَمِينِ (تَنْبِيهٌ)

لَا يَقْطَعُ السَّارِقَ الْحُرَّ أَوْ الْمُبَعَّضَ أَوْ الْمُكَاتَبَ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِحِفْظِ مَالِهِ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِمَامُ هُوَ النَّائِبُ فِيهِ وَلَمْ يُقَمْ حَدٌّ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ التَّفْصِيلُ مِنْ الْمُقِرِّ الْعَالِمِ الْمُوَافِقِ لِلْقَاضِي فِي الْمَذْهَبِ

[فَرْع أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ]

(قَوْلُهُ حُدَّ وَإِنْ غَابَ سَيِّدُهَا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُقِرَّ لَوْ كَانَ مِنْ وَرَثَةِ السَّيِّدِ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ الْحَدُّ إلَى الْعِلْمِ بِحَيَاتِهِ حَالَ الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ قَدْ وَطِئَ مِلْكَهُ لَا سِيَّمَا إذَا طَالَتْ الْغَيْبَةُ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>