للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنْفَاذَ مَا كَانَ مِنْ وَصَايَاهُ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقُرَشِيِّ إلَى آخِرِهِ.

(وَإِنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِرَجُلٍ) لَمْ يَذْكُرْهُ (وَقَالَ: قَدْ سَمَّيْتُهُ لِوَصِيِّ فَسَمَّاهُ) وَصِيُّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ (فَلِلْوَرَثَةِ تَكْذِيبُهُ فَلَوْ شَهِدَ لَهُ الْوَصِيُّ) بِذَلِكَ (وَحَلَفَ) مَعَهُ (اسْتَحَقَّ) الْمُوصَى بِهِ بِشَرْطِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ سَمَّاهُ) الْمُوصِي (لِوَصِيَّيْنِ) لَهُ (أَعْطَى مَنْ عَيَّنَّاهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّعْيِينِ هَلْ تَبْطُلُ) الْوَصِيَّةُ (أَمْ يَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْ الْمُعَيَّنِينَ (مَعَ شَاهِدِهِ قَوْلَانِ) فَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا جَعَلَهَا لِوَاحِدٍ فَقِسْمَتُهَا بَيْنَهُمَا خِلَافُ قَوْلِهِ وَقَوْلُ الْوَصِيَّيْنِ وَقَوْلُ الْمُوصَى لَهُ قَالَ: وَقَضِيَّةُ مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى تَرْجِيحُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

(وَإِنْ خَافَ الْوَصِيُّ عَلَى الْمَالِ) مِنْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ (فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ) وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ هَذَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا لِقَاضِي سُوءٍ لَانْتَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ خَوَنَتِهِ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الظَّالِمُ، وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ إذَا نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي بَذْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرَائِنَ عَلَيْهِ قَالَ: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ تَعْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ لِحِفْظِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ: فَلَوْ نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِهَذَا الْغَرَضِ فَهَلْ يُصَدَّقُ؟ يَنْظُرُ إنْ دَلَّتْ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالَهُ آنِفًا فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهُ غَالِبًا.

(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ (بِعْ أَرْضِي) الْفُلَانِيَّةِ (وَأَعْتِقْ عَنِّي رَقَبَةً مِنْ ثَمَنِهَا وَحَجَّ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَحُجَّ (عَنِّي) مِنْهُ فَبَاعَهَا (وَزَّعَ) الثَّمَنَ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى قِيمَةِ الرَّقَبَةِ وَأُجْرَةِ الْحَجِّ (فَإِنْ عَجَزَ) الثَّمَنُ عَنْهُمَا (وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ (فِي وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (بِعَيْنِهِ نَفَذَهَا فِيهِ وَرَدَّ الْفَاضِلَ لِلْوَرَثَةِ) كَمَا لَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِعَشْرَةٍ وَكَانَ ثُلُثُهُ عَشْرَةً فَرَدَّ أَحَدُهُمَا دَفِعَتِ الْعَشَرَةُ إلَى الْآخَرِ (أَوْ) أَمْكَنَ تَنْفِيذُهَا فِي (كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (عَلَى انْفِرَادِهِ كَأَنْ قَالَ أَحِجُّوا) عَنِّي (وَاعْتِقُوا) عَنِّي (عَبْدًا مِنْ ثُلُثِي) وَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مِائَةٍ مَثَلًا (وَلَمْ يَفِ) الثُّلُثُ (إلَّا بِأَحَدِهِمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) وَلَا يُوَزِّعُ إذْ لَوْ وَزَّعَ لَمْ يَحْصُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. .

[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

تُقَالَ عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ يَدَعُ إذَا سَكَنَ؛ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدُ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ فِي دَعَةٍ أَيْ رَاحَةٍ؛ لِأَنَّهَا فِي رَاحَةٍ الْمُودَعِ وَمُرَاعَاتِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَقَوْلُهُ {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَخَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ

وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً بَلْ ضَرُورَةً إلَيْهَا

(وَهِيَ تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ لِمَمْلُوكٍ أَوْ مُخْتَصِّ) .

(وَقَبُولُهَا مُسْتَحَبٌّ لِلْأَمِينِ الْقَادِرِ عَلَى حِفْظِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْد عَدَمِ غَيْرِهِ) كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ (بِالْأُجْرَةِ) فَالْوَاجِبُ أَصْلُ الْقَبُولِ دُونَ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ بِلَا عِوَضٍ وَقَضَيْتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ كَمَا يَأْخُذُ أُجْرَةَ الْحِرْزِ، وَمَنَعَهُ الْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا فِي سَقْيِ اللُّبَا (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ؟ يَقْبَلْ (عَصَى) لَتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ (وَلَمْ يَضْمَنْ) إنْ تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا.

(أَوْ أُكْرِهَ) عَلَى قَبُولِهَا (فَفَعَلَ وَتَلِفَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْهُ (لَمْ يَضْمَنْ) كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مُخْتَارًا وَأَوْلَى (وَ) قَبُولُهَا أَيْ أَخْذُهَا (حَرَامٌ عَلَى الْعَاجِزِ) عَنْ حِفْظِهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُهَا لِلتَّلَفِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا إمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ) هُوَ الْأَصَحُّ.

(قَوْلُهُ: فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ) قَالَ الْأَزْرَقُ: وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَعْيَانَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا أَدَّى عَدَمُ ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ الْمَنَافِعِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلَهُ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(فَرْعٌ) لَوْ جَعَلَ الْمُوصِي لِلْوَصِيِّ أَوْ الْمُشْرِفُ عَلَيْهِ جُعْلًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ بِمُتَبَرِّعٍ بِالْعَمَلِ.

(فَرْعٌ) لَوْ قَالَ الْمُوصِي: فَرِّقْ ثُلُثِي لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلَا أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَلَا مَنْ يَخَافُ مِنْهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ وَإِنْ قَالَ لَهُ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ وَلَا لِعَبْدِهِ وَلَهُ إعْطَاءُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ

(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) .

(قَوْلُهُ: مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إلَخْ) مَادَّةُ وَدَعْ تَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ اسْتَقَرَّ وَتَرَكَ وَتَرَفَّهَ وَالْكُلُّ مَوْجُودٌ هُنَا لِاسْتِقْرَارِهَا عِنْدَ الْمُودَع وَتَرْكِهَا عِنْدَهُ وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: وَهِيَ تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيدَاعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ هُنَاكَ وَكَذَا يَمْتَنِعُ اسْتِيدَاعُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْكَافِرِ ر وَقَوْلُهُ: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ) وَخَافَ إنْ لَمْ يَقْبَلْ هَلَكَتْ (قَوْلُهُ: كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) الْمُتَّجَهُ أَنْ قَبُولَهَا مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ كَقَبُولِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ عر وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي نَظِيرهِ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّي التَّوَاكُلُ إلَى ضَيَاعِهَا غ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَحَرَامٌ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ حِفْظِهَا) يَشْمَلُ مَنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا فَلَوْ أَخَذَهَا وَأَحْرَزَهَا فَهَلْ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَتَغْرِيرِهِ أَوْ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ كَغَيْرِهِ. فِيهِ نَظَرٌ وَعَدَمُ الضَّمَانِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) وَابْنُ يُونُسَ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ) لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>