للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّاخِلَ دَارَنَا بِهُدْنَةٍ أَوْ أَمَانٍ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ مَعَ أَنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ آكَدُ مِنْهُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا وَبِالِانْتِقَاضِ زَالَ الْتِزَامُهُ لَهَا بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لَهَا وَقَضِيَّةُ الْأَمَانِ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ

(وَ) إذَا انْتَقَضَ أَمَانُ رَجُلٍ (لَمْ يُنْتَقَضْ أَمَانُ نِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ الْأَمَانُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ نَاقِضَةٌ فَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلَا إرْقَاقُهُمْ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ فِي دَارِنَا (فَإِنْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ بَلَغْنَ) أَيْ النِّسَاءُ مَأْمَنَهُنَّ (دُونَ الصِّبْيَانِ حَتَّى يَبْلُغُوا أَوْ يَطْلُبَهُمْ مُسْتَحِقُّ الْحَضَانَةِ) إذْ لَا حُكْمَ لِاخْتِيَارِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِصَدَدِ أَنْ تُعْقَدَ لَهُمْ الْجِزْيَةُ فَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ عَلَيْنَا فَإِنْ بَلَغُوا وَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ فَذَاكَ وَإِلَّا أَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَكَالنِّسَاءِ الْخُنَاثَى وَكَالصِّبْيَانِ الْمَجَانِينُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ

(وَلَوْ نَبَذَ ذِمِّيٌّ) إلَيْنَا (الْعَهْدَ وَسَأَلَ إبْلَاغَهُ الْمَأْمَنَ أَجَبْنَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْدُ مِنْهُ خِيَانَةٌ (وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ) بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ (اسْمَ مَنْ عَقَدَ لَهُ وَدِينَهُ وَحِلْيَتَهُ) قَالَ فِي الْأَصْلِ فَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ أَهُوَ شَيْخٌ أَمْ شَابٌّ (وَيَصِفُ أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ) مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ وَجَبْهَتِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأَنْفِهِ وَأَسْنَانِهِ وَآثَارِ وَجْهِهِ إنْ كَانَ فِيهِ آثَارٌ (وَلَوْنَهُ) مِنْ سُمْرَةٍ وَشُقْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا (وَيَجْعَلُ لِكُلٍّ) مِنْ طَوَائِفِهِمْ (عَرِيفًا مُسْلِمًا يَضْبِطُهُمْ وَيُعَرِّفُ) الْإِمَامَ الْأَوْلَى لِيَعْرِفَ (بِمَنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ) أَوْ بَلَغَ مِنْهُمْ (أَوْ دَخَلَ فِيهِمْ، وَأَمَّا مَنْ يَحْضُرُهُمْ لِأَدَائِهَا) أَيْ لِيُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ (أَوْ لِيَشْتَكِيَ إلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ (مِمَّنْ تَعَدَّى) عَلَيْهِمْ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ (فَيَجُوزُ) جَعْلُهُ عَرِيفًا لِذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ (كَافِرًا) ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ فِي الْغَرَضِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ

[كِتَابُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ]

(كِتَابُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ) (وَتُسَمَّى الْمُوَادَعَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ) وَالْمُسَالَمَةُ وَالْمُهَادَنَةُ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ وَشَرْعًا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهُدُونِ، وَهُوَ السُّكُونُ تَقُولُ هَدَّنْتُ الرَّجُلَ وَأَهْدَنْتُهُ إذَا سَكَّنْته وَهَدَنَ هُوَ سَكَنَ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ١] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] الْآيَةَ «وَمُهَادَنَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ

(وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهَا فَيُشْتَرَطُ) لَهَا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ (أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) إنْ كَانَتْ لِلْكُفَّارِ مُطْلَقًا أَوْ لِأَهْلِ إقْلِيمٍ كَالْهِنْدِ وَالرُّومِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ فِي جِهَةٍ وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْأَخْطَارِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ مَصْلَحَتِنَا فَاللَّائِقُ تَفْوِيضُهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (وَلِلْوَالِي) بِإِقْلِيمٍ (مُهَادَنَةُ بَعْضِ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ) لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ (فَإِنْ عَقَدَ) هَا (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَنْ ذَكَرَ فَدَخَلَ قَوْمٌ مِمَّنْ هَادَنَهُمْ دَارَنَا لَمْ قَدِرَتْ لَكِنْ (بَلَغُوا الْمَأْمَنَ) ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ أَمَانِهِ (وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ) كَقِلَّتِهِمْ أَوْ قِلَّةِ مَالِهِمْ أَوْ تَوَقُّعِ إسْلَامِهِمْ بِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ أَوْ الطَّمَعِ فِي قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ بِلَا قِتَالٍ، وَإِنْفَاقِ مَالٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لَمْ يُهَادِنُوا بَلْ يُقَاتِلُوا إلَى أَنْ يَسْلَمُوا أَوْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا قَالَ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] .

(وَلَوْ طَلَبُوهَا لَمْ تَلْزَمْنَا إجَابَتُهُمْ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ) وُجُوبًا (فِي الْأَصْلَحِ) مِنْ الْإِجَابَةِ وَالتَّرْكِ (وَأَنْ يَخْلُوَا) عَقْدُ الْهُدْنَةِ (عَنْ كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَذَلِكَ (كَالْعَقْدِ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ لَهُمْ) الْعَاقِدُ (مُسْلِمًا) أَسِيرًا (أَوْ مَالَهُ أَوْ يَرُدَّ) إلَيْهِمْ (مَنْ جَاءَتْ) إلَيْنَا مِنْهُمْ (مُسْلِمَةً) وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَشِيرَةٌ (أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطُوا جِزْيَةً أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ) أَنْ (يُعْطِيَهُمْ مَالًا) وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِيمُوا بِالْحِجَازِ أَوْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ أَوْ يُظْهِرُوا الْخُمُورَ فِي دَارِنَا قَالَ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا} [محمد: ٣٥] الْآيَةَ وَفِي ذَلِكَ إهَانَةٌ يَنْبُو عَنْهَا الْإِسْلَامُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ «أَنَّهُ جَاءَتْ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] فَامْتَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَدِّهِنَّ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَ الْمُسْلِمَةَ زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تَزَوَّجَ كَافِرًا وَسَوَاءٌ أَجَاءَتْ مُسْلِمَةً أَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَا جَاءَتْ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ وَمَالِهِ الْكَافِرُ وَمَالُهُ فَيَجُوزُ شَرْطُ تَرْكِهِمَا وَبِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمُ فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِمَا -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ ثَبَتَ فِي مُقَابَلَةِ الِانْقِيَادِ وَلَمْ يُوجَدْ فَانْتَفَى بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْأَمَانِ فَإِنَّا الْتَزَمْنَاهُ لَا فِي مُقَابَلَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ بِهِ وَأَيْضًا فَفِي تَبْلِيغِهِ الْمَأْمَنَ مَعَ نَقْضِ الْعَهْدِ تَرْغِيبٌ لَهُ فِي دُخُولِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ فِيهِ تَرْغِيبٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فِي دُخُولِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْإِقَامَةِ بِهَا وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى عَقْدِ الْجِزْيَةِ الَّذِي بِهِ يُرْجَى إسْلَامُهُمْ

(كِتَابُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ)

[الطَّرَفُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الْهُدْنَةُ]

(قَوْلُهُ وَلِلْوَالِي مُهَادَنَةُ بَعْضِ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي إقْلِيمِهِ وَلَكِنْ مُجَاوِرَةً لَهُ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ فِي الْهُدْنَةِ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ إقْلِيمِهِ وَقَالَ أَيْضًا يَنْبَغِي عَلَى مُقْتَضَى مَا قَالُوهُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِوَالِي إقْلِيمٍ بَلْ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْقِيَامَ بِمَصَالِحِ بَلْدَةٍ مُجَاوِرَةٍ لِلْعَدُوِّ جَازَتْ لَهُ الْهُدْنَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ مَصْلَحَةَ بَلَدِهِ، وَهَذَا مِنْهَا (قَوْلُهُ لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ) ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ) ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ش بَلْ الْأَصَحُّ إذْ عَلَتْهُ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ (قَوْلُهُ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأَصْلَحِ) قَالَ الْإِمَامُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِهِ لَا يُعَدُّ وَاجِبًا، وَإِنْ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ (قَوْلُهُ أَوْ مَالَهُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَحِقَ بِهِ مَالُ أَهْلِ ذِمَّتِنَا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ تَرْكَ مَا اُسْتُوْلُوا عَلَيْهِ لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا كَانَ فَاسِدًا كَتَرْكِ مَالِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>