للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَائِعٍ لَا بِأَنْ لَا يَبْقَى لِلطَّعَامِ مَسَاغٌ، فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَغَيْرُهُمَا وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْتِي فِي غَيْرِ خَوْفِ الْهَلَاكِ مِمَّا ذُكِرَ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ السَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ أَيْ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ.

(وَلَهُ التَّزَوُّدُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (وَلَوْ رَجَا الْحَلَالَ) أَيْ الْوُصُولَ إلَيْهِ (وَيَبْدَأُ) وُجُوبًا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا (بِلُقْمَةِ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا) فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا حَتَّى يَأْكُلَ اللُّقْمَةَ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ.

(فَصْلٌ وَلِلْمُضْطَرِّ قَتْلُ حَرْبِيٍّ) كَامِلٍ (وَمُرْتَدٍّ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ لِيَأْكُلَهُ، وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ نَادِبًا مَعَهُ وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهِ رِعَايَةُ أَدَبٍ (وَ) كَذَا (نِسَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانُهُمْ) وَمَجَانِينُهُمْ وَأَرِقَّاؤُهُمْ وَخَنَاثَاهُمْ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ وَامْتِنَاعُ قَتْلِهِمْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِعِصْمَتِهِمْ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِمْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ.

(لَا الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ) فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ

(وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُسْلِمُ إلَّا الذِّمِّيَّ، وَإِلَّا مَيِّتًا مُسْلِمًا غَيْرَ نَبِيٍّ حَلَّ) أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ مَيِّتٌ وَخَافَ أَهْلُهَا الْغَرَقَ كَانَ لَهُمْ طَرْحُهُ فِي الْبَحْرِ دُونَ الْحَيِّ، وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَمَّا الذِّمِّيُّ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ أَمَانٌ فَلَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ لِكَمَالِ شَرَفِ الْإِسْلَامِ وَخَرَجَ بِغَيْرِ نَبِيٍّ النَّبِيُّ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْأَكْلُ مِنْهُ لِكَمَالِ حُرْمَتِهِ وَمَزِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَعُلِمَ مِنْ حَصْرِهِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ مَيْتَةً، وَلَحْمَ آدَمِيٍّ مُسْلِمٍ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا الطَّعَامَ أَوْ الْمَيْتَةَ، وَإِنْ كَانَتْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمُسْلِمٍ رِعَايَةً لِمَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِمَعْصُومٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ، وَإِنْ فُهِمَ حُكْمُ الْمَعْصُومِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ بِالْأَوْلَى (وَلَا يَطْبُخُهُ) أَيْ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ بَلْ الْمَيِّتُ الْمُحْتَرَمُ، (وَلَا يَشْوِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ مَعَ انْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِدُونِهِ وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ) بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا أَوْ مَشْوِيًّا.

(وَيَأْكُلُ الْمُحْرِمُ) الْوَاجِدَ صَيْدًا وَمَيِّتًا مُسْلِمًا (الصَّيْدَ لَا الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ) لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَصْفُهُ الْمَيِّتَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ أَبَد لَهُ بِالْمُحْتَرَمِ كَانَ أَوْلَى (وَلَهُ أَكْلُ فِلْذَةً) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي نُسْخَةٍ قُدْرَةً بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ قِطْعَةً (مِنْ جِسْمِ نَفْسِهِ) بِأَنْ يَقْطَعَهَا مِنْهُ لِيَأْكُلَهَا (إنْ رَجَا) أَيْ ظَنَّ (السَّلَامَةَ) بِأَنْ كَانَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهَا أَقَلَّ مِنْهُ فِي تَرْكِهَا، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضٍ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ، وَلَا يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلَمِ وَالْمَشَقَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخَوْفُ فِيهِ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ حُرْمَةِ قَطْعِهَا عِنْدَ التَّسَاوِي وَجَوَازِهِ حِينَئِذٍ فِي السِّلْعَةِ أَنَّ السِّلْعَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْبَدَنِ انْضَمَّ إلَيْهَا الشَّيْنُ وَدَوَامُ الْأَلَمِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ جِسْمِ نَفْسِهِ قَطْعُهَا لَهُ مِنْ جِسْمِ غَيْرِهِ الْمَعْصُومِ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ (وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا لِغَيْرِهِ) إذْ لَيْسَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إعْدَامِهَا نَعَمْ إنْ كَانَ نَبِيًّا فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْقَطْعِ لَهُ بَلْ وُجُوبُهُ.

(وَشُرْبُ الْخَمْرِ) أَيْ تَنَاوُلُهَا (لِلْعَطَشِ وَلِلتَّدَاوِي حَرَامٌ) ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ شُرْبِهَا؛ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يَدْعُو إلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّ شُرْبَهَا لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ بَلْ يَزِيدُهُ، وَإِنْ سَكَّنَهُ فِي الْحَالِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا «سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ: إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا عِنْدَمَا حَرَّمَهَا، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ سَلِمَ بَقَاؤُهَا فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا مَظْنُونٌ فَلَا يَقْوَى عَلَى إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ، ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَلَاكِ، وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ شُرْبُهَا كَمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَمَحَلُّ مَنْعِ التَّدَاوِي بِهَا إذَا كَانَتْ خَالِصَةً بِخِلَافِ الْمَعْجُونِ بِهَا كَالتِّرْيَاقِ لِاسْتِهْلَاكِهَا فِيهِ وَكَالْخَمْرَةِ فِي ذَلِكَ سَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ الْمَائِعَةِ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ شُرْبُهَا لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ فَيُبَاحُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ) هُوَ الْمَشْهُورُ

[فَصْلٌ وَلِلْمُضْطَرِّ قَتْلُ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ لِيَأْكُلَهُ وَكَذَا تَارِكَ الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ) إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي طَرَفِهِ فَيَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ وَأَكْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَوْ وَجَدَ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ أَكَلَ الْبَالِغُ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ، وَقَضِيَّتُهُ إيجَابٌ، فَلْتُسْتَثْنَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ جَوَازَ قَتْلِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ) أَيْ لِلَّهِ بِخِلَافِ مَنْ يُسْتَحَقُّ دَمُهُ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ وَيَأْكُلُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ) مَا ذَكَرَهُ فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ يَجْرِي أَيْضًا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ قَطَعَهَا لَهُ مِنْ جِسْمِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْصُومِ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ لِيَأْكُلَهُ الْمُضْطَرُّ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ مِنْ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ بِهِ وَفِي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ مِمَّنْ يَجِبُ قَتْلُهُ مِنْ رِدَّةٍ أَوْ حِرَابَةٌ أَوْ زِنًا جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُضْطَرُّ مِنْ لَحْمِهِ لَكِنْ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَلَا يَأْكُلُ لَحْمَهُ فِي حَيَاتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ فَإِنْ أَكَلَ لَحْمَهُ حَيًّا كَانَ مُسِيئًا إنْ قَدَرَ عَلَى قَتْلِهِ وَمَعْذُورًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بَلْ وُجُوبُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>