للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

(فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ) إلَى إعْطَائِهِمْ مَالًا كَأَنْ خِفْنَا مِنْهُمْ الِاصْطِلَامَ لِإِحَاطَتِهِمْ بِنَا أَوْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ أَسْرَانَا (وَجَبَ إعْطَاؤُهُمْ) ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّيَرِ مِنْ نَدْبِ فَكِّ الْأَسْرَى وَأُجِيبُ بِحَمْلِ نَدْبِ مَا هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ تَعْذِيبِ الْأَسْرَى أَوْ خَوْفِ اصْطِلَامِهِمْ وَهَلْ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحِيحٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عِبَارَةُ كَثِيرٍ تُفْهِمُ صِحَّتَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ (وَلَمْ يَمْلِكُوهُ) أَيْ مَا أُعْطِيَ لَهُمْ لِأَخْذِهِمْ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ) فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ (عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَأَذِنَ فِي الْهُدْنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِقَوْلِهِ {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: ٢] قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَقْوَى مَا كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ مِنْ تَبُوكَ وَرُوِيَ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا» (وَعَلَى عَشْرِ سِنِينَ إنْ كَانَ) بِالْمُسْلِمِينَ (ضَعْفٌ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْعَشْرِ عَقَدَ عَلَى عَشْرٍ ثُمَّ عَشْرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأُولَى جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَلَا يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ (وَمَتَى زَادَ) الْعَاقِدُ (عَلَى الْجَائِزِ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا أَوْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا (بَطَلَ الزَّائِدُ) أَيْ الْعَقْدُ فِيهِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَهُ فِي الْمَزِيدِ عَلَيْهِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْفُسِهِمْ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لَهَا مُؤَبَّدًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ مِنْ الْمُدَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (فَإِنْ انْقَضَتْ) أَيْ الْعَشْرُ (وَالضَّعْفُ) بِنَا (مُسْتَمِرٌّ اُسْتُؤْنِفَ عَقْدٌ) جَدِيدٌ (وَتَتِمُّ الْمُدَّةُ إنْ اسْتَقْوَيْنَا) فِيهَا عَمَلًا بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ (فَلَوْ هَادَنَ مُطْلَقًا) عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ (بَطَلَ الْعَقْدُ) وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (أَوْ قَالَ) هَادَنْتُكُمْ (مَا شَاءَ فُلَانٌ) مُثِيرُ (الْعَدْل مِنَّا ذِي رَأْيٍ صَحَّ) الْعَقْدُ فَإِذَا نَقَضَهَا انْتَقَضَتْ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشَاءَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَلَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا (لَا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْنَا وَلَا لِفَاسِقٍ وَلَا لِمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ (فَإِنْ قَالَ) هَادَنْتُكُمْ (مَا شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنْتُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ؛ فَلِأَنَّهُ يُعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ دُونَ غَيْرِهِ (وَلَوْ دَخَلَ) إلَيْنَا (بِأَمَانٍ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ فَاسْتَمَعَ فِي مَجَالِسَ يَحْصُلُ فِيهَا الْبَيَانُ) التَّامُّ (بَلَغَ الْمَأْمَنَ وَلَا يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) لِحُصُولِ غَرَضِهِ

(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهَا فَبِالْعَقْدِ)

الْفَاسِدِ لَهَا (نُبَلِّغُهُمْ الْمَأْمَنَ) وَنُنْذِرُهُمْ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا وَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا بِدَارِهِمْ جَازَ قِتَالُهُمْ بِلَا إنْذَارٍ (وَبِالصَّحِيحِ يُكَفُّ عَنْهُمْ) الْأَذَى مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ) إلَى أَنْ (يَنْقُضُوهَا) أَيْ الْهُدْنَةَ بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي الِانْتِقَاضَ قَالَ تَعَالَى {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: ٤] وَقَالَ {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: ٧] (وَلَا يَلْزَمُنَا دَفْعُ الْحَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ وَلَا) مَنْعُ (بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهُدْنَةِ الْكَفُّ لَا الْحِفْظُ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ (فَإِنْ أَخَذَ الْحَرْبِيُّونَ مَالَهُمْ) بِغَيْرِ حَقٍّ (وَظَفِرْنَا بِهِ رَدَدْنَاهُ) إلَيْهِمْ لُزُومًا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْنَا اسْتِنْقَاذُهُ كَمَا نَرُدُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ

(وَلَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَعَزْلِهِ) فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ بَعْدَهُ إمْضَاؤُهُ

(وَلَا) يُنْتَقَضُ (بِتَبَيُّنِ فَسَادِهَا) أَيْ الْهُدْنَةِ (بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ)

(وَيَنْبَغِي) لِلْإِمَامِ إذَا عَقَدَ الْهُدْنَةَ (أَنْ يَكْتُبَ بِهَا) كِتَابًا (وَيُشْهِدَ عَلَيْهَا) فِيهِ لِيَعْمَلَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي شُرُوطِهَا (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ) فِيهَا (لَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) (وَذِمَّتِي)

(فَإِنْ أَخَذُوا مَالًا أَوْ سَبُّوا) اللَّهَ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ (رَسُولَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا وَأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآحَادِ وَالْكَلَامُ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ وَلِهَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ هُنَا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ذَلِكَ أَوْ يَجُوزُ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَدْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْقِيَامُ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْآحَادِ.

(قَوْلُهُ أَوْ خَوْفِ) عُطِفَ عَلَى تَعْذِيبِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ إلَخْ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: هَلْ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ تَكُونَ صِحَاحًا أَمْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى عَشَرِ سِنِينَ إنْ كَانَ ضَعْفٌ) فِي مَعْنَى الضَّعْفِ شِدَّةُ الْمَشَقَّةِ وَكَتَبَ أَيْضًا فَعِنْدَ الضَّعْفِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى عَشَرِ سِنِينَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِدُونِ الْعَشَرِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الصُّلْحِ بِدَلِيلِ آيَةِ الْقِتَالِ وَقَدْ وَرَدَ التَّحْدِيدُ بِالْعَشَرِ فَتَبْقَى الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لَهَا مُؤَبَّدًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الذُّرِّيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا دَامُوا صِغَارًا وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ إلَخْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ هَادَنَ مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ بَطَلَ الْعَقْدُ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَهَلْ تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ اهـ كَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ عِنْدَ ضَعْفِنَا) أَيْ أَوْ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ

[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةُ]

(قَوْلُهُ بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي الِانْتِقَاضَ) كَقِتَالِنَا بِلَا شُبْهَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُنَا دَفْعُ الْحَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ) لَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ بِطَرَفِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْنَا دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ وَلَوْ أَمْكَنَ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ

(قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ) هُوَ الْأَصَحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>