للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَائِبُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَقْدَمَنِيهَا سَالِمًا مُعَافًى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا عَلَى تَيْسِيرِهِ وَحُسْنِ بَلَاغِهِ اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وَأَمْنُك فَحَرِّمْ لَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَحْبَابِك وَأَهْلِ طَاعَتِك اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك وَالْبَلَدُ بَلَدُك وَالْحَرَمُ حَرَمُكَ وَالْأَمْنُ أَمْنُك جِئْت هَارِبًا عَنْ الذُّنُوبِ مُقْلِعًا وَلِفَضْلِكَ رَاجِيًا وَلِرَحْمَتِك طَالِبًا وَلِفَرَائِضِك مُؤَدِّيًا وَلِرِضَاكَ مُبْتَغِيًا وَلِعَفْوِك سَائِلًا فَلَا تَرُدُّنِي خَائِبًا وَأَدْخِلْنِي فِي رَحْمَتِك الْوَاسِعَةِ وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ وَشَرِّ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

(فَرْعٌ وَيُسْتَحَبُّ حِينَ يَرَى الْبَيْتَ) أَيْ الْكَعْبَةَ أَوْ يَصِلَ مَحَلَّ رُؤْيَتِهِ، وَلَمْ يَرَهُ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ (أَنْ يَدْعُوَ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ) أَيْ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، وَهُوَ «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا» وَالْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ (رَافِعًا يَدَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (وَ) أَنْ يَدْعُوَ (بِمَا أَحَبَّ) مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ وَأَنْ يَدْعُوَ وَاقِفًا (وَالدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ) الْعُلْيَا (يَرَاهُ) أَيْ الْبَيْتَ (مِنْ) رَأْسِ (الرَّدْمِ) قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَيَقِفُ وَيَدْعُو كَمَا قُلْنَا (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الدُّعَاءِ (يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرُوِيَ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا» وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ إلَى الْمَدِينَةِ» ، وَهَذَا بِخِلَافِ الدُّخُولِ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ لِتَرَدُّدِهِمْ فِي أَنَّ دُخُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا كَانَ قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا؛ وَلِأَنَّ الدَّوَرَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لَا يَشُقُّ بِخِلَافِهِ حَوْلَ الْبَلَدِ، وَلِأَنَّ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ مِنْ جِهَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ إذَا خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ لِلرَّاوِيَةِ السَّابِقَةِ وَيُسَمَّى الْيَوْمَ بَابُ الْعُمْرَةِ.

(وَيَبْدَأُ) نَدْبًا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ (قَبْلَ تَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَاكْتِرَاءِ مَنْزِلِهِ) وَنَحْوِهِمَا (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) إنْ لَمْ يَعْتَمِرْ (أَوْ) بِطَوَافِ (الْعُمْرَةِ إنْ اعْتَمَرَ) رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ فَبَدَأَ بِهِ (هَذَا إنْ لَمْ تَقُمْ جَمَاعَةُ الْفَرِيضَةِ، وَلَمْ يَضِقْ وَقْتُ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ) أَوْ رَاتِبَةٍ أَوْ فَرِيضَةٍ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدَّمَهُ عَلَى الطَّوَافِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفُوتُ وَالطَّوَافُ لَا يَفُوتُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ قَدَّمَهَا عَلَى الطَّوَافِ أَيْضًا، وَلَوْ دَخَلَ، وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الطَّوَافُ عَلَيْهَا فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إتْيَانِ الْمَسْجِدِ الْبَيْتُ وَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ وَلِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْهِ غَالِبًا وَذِكْرُ ابْتِدَاءِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَوَّلَ قُدُومِهِ فَلَوْ أَخَّرَهُ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ كَمَا تَفُوتُ بِهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ نَعَمْ يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَيُحْتَمَلُ فَوَاتُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (، وَلَا طَوَافَ لِلْقُدُومِ) عَلَى الْحَاجِّ (بَعْدَ الْوُقُوفِ) ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَمِرِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمَا قَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ وَخُوطِبَا بِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ أَدَائِهِ أَنْ يَتَطَوَّعَا بِطَوَافٍ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا نَحْنُ فِيهِ الصَّلَاةَ حَيْثُ أُمِرَ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ فَطَوَافُ الْقُدُومِ مُخْتَصٌّ بِحَلَالٍ دَخَلَ مَكَّةَ وَبِحَاجٍّ دَخَلَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَيُسَمَّى طَوَافُ الْقَادِمِ وَطَوَافُ الْوُرُودِ وَالْوَارِدِ وَطَوَافُ التَّحِيَّةِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَيُجْزِئُ طَوَافُ الْعُمْرَةِ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ أَيْ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ قُدُومٍ كَالْحَاجِّ الَّذِي دَخَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَمَا عُرِفَ (وَذَوَاتُ الْهَيْئَةِ) مِنْ النِّسْوَةِ لِجَمَالٍ أَوْ شَرَفٍ (يُؤَخِّرْنَهُ) أَيْ الطَّوَافَ (إلَى اللَّيْلِ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ يُسْتَحَبّ حين يَرَى الْبَيْت أَوْ يُصَلِّ مَحِلّ رُؤْيَته أَنْ يَدْعُوَا بِالدُّعَاءِ المأثور]

قَوْلُهُ أَوْ يُصَلِّ مَحَلَّ رُؤْيَتِهِ، وَلَمْ يَرَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ هَلْ مُرَادُهُمْ بِرُؤْيَةِ الْبَيْتِ الْمُعَايَنَةُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُونُ عِلْمُ الْأَعْمَى وَالْأَعْشَى وَمَنْ جَاءَ فِي ظُلْمَةٍ كَرُؤْيَةِ الْبَصِيرِ نَهَارًا، وَلَا مَانِعَ وَكَذَلِكَ لَوْ اُتُّخِذَتْ أَبْنِيَةٌ مَنَعَتْ الرُّؤْيَةَ وَحَالَتْ دُونَ الْبَيْتِ لَا عِبْرَةَ بِهَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ إلَخْ) الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ فِي جِهَةِ ذَلِكَ الْبَابِ، وَالْبُيُوتُ تُؤْتَى مِنْ أَبْوَابِهَا وَأَيْضًا فَلِأَنَّ جِهَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ فَكَانَ الدُّخُولُ مِنْ الْبَابِ الَّذِي يُشَاهِدُ بِهِ تِلْكَ الْجِهَةَ أَوْلَى وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ فِي مُسْنَدِهِ «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَمَنْ قَصَدَ مَلِكًا أَتَى بَابَهُ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى» .

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْهِ غَالِبًا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْعُبَابِ، وَلَا يَبْدَأُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذْ تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الطَّوَافُ لِنَحْوِ زِحَامٍ صَلَّى التَّحِيَّةَ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ لِمُقِيمٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْمُقِيمِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فِي أَنَّهُ يَكْثُرُ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ، وَلَا يَطُوفُ.

(قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَكْفِي التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ عَدَمِ فَوَاتِ التَّحِيَّةِ بِمُطْلَقِ التَّأْخِيرِ إذْ لَا يَلْزَمُ إعْطَاءُ الْمُشَبَّهِ حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ سَائِرِ أَوْجُهِهِ (قَوْلُهُ، وَلَا طَوَافَ لِلْقُدُومِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَمِرِ) نَعَمْ يَحْصُلُ لَهُمَا ثَوَابُهُ بِطَوَافِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُثِيبَ مُصَلِّي الْفَرِيضَةِ عَلَى التَّحِيَّةِ مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ الْبُقْعَةِ بِالْعِبَادَةِ فَبِالْأَوْلَى هَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمَا إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْحَاجَّ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ وَلِحَاجٍّ دَخَلَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) شَمَلَ الْمُفْرِدَ وَالْقَارِنَ (قَوْلُهُ وَذَوَاتُ الْهَيْئَةِ يُؤَخِّرْنَهُ إلَى اللَّيْلِ) قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَمِنَتْ الْحَيْضَ الَّذِي يَطُولُ زَمَنُهُ، وَهُوَ حَسَنٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>