للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ الْعِتْقِ)

بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَهُوَ إزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الْآدَمِيِّ (الْعِتْقُ) مِنْ الْمُسْلِمِ (قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] أَيْ بِالْإِسْلَامِ {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] أَيْ بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» .

وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ مُعْتِقٌ وَعَتِيقٌ وَصِيغَةٌ كَمَا يُعْرَفُ اعْتِبَارُهَا مِنْ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مَالِكٍ) لَمْ يُصَادِفْ إعْتَاقُهُ مُتَعَلِّقَ حَقٍّ لَازِمٍ لِغَيْرِهِ (مُطْلَقٍ) لِلتَّصَرُّفِ (أَوْ وَكِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ فِي كَفَّارَةٍ) لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْكَفَّارَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَيَصِحُّ مِنْ) سَكْرَانَ وَمِنْ (كَافِرٍ) وَلَوْ حَرْبِيًّا (وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى) عَتِيقِهِ (الْمُسْلِمِ) سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ (وَلَا يُعْتَقُ مَوْقُوفٌ) أَيْ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ.

(وَصَرِيحُهُ الْعِتْقُ) بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ (وَالتَّحْرِيرُ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ) لِوُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ وَاشْتِهَارِهَا، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَصَرِيحُهُ مَا تَصَرَّفَ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالتَّحْرِيرِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ كَأَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ أَعْتَقَتْك أَوْ حُرٌّ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ أَوْ فَكَّيْتُهَا أَوْ فَكَكْتهَا فَلَوْ قَالَ أَنْتَ إعْتَاقٌ أَوْ تَحْرِيرٌ أَوْ فَكُّ رَقَبَةٍ كَانَ كِنَايَةً كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ (فَلَا يَحْتَاجُ) ذَلِكَ (نِيَّةً) أَيْ إلَيْهَا كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جَدٌّ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (وَلَا يَضُرُّ تَذْكِيرٌ وَ) لَا (تَأْنِيثٌ لِغَيْرِ) أَيْ لِغَيْرِ الْمُذَكَّرِ وَغَيْرِ الْمُؤَنَّثِ كَأَنْ يَقُولَ لِلْعَبْدِ أَنْتَ حُرَّةٌ وَلِلْأَمَةِ أَنْتَ حُرٌّ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ عَلَى الْعِبَارَةِ

(وَالْكِنَايَةُ كَلَا سُلْطَانَ أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا يَدَ أَوْ لَا خِدْمَةَ) لِي عَلَيْك (أَوْ أَزَلْت حُكْمِي) أَوْ مِلْكِي (عَنْك وَأَنْتِ سَائِبَةٌ وَحَرَامٌ وَمَوْلَايَ وَسَيِّدِي وَكَذَا الظِّهَارُ) أَيْ صَرَائِحُهُ وَكِنَايَتُهُ (وَصَرَائِحُ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتُهُ) لِاقْتِضَائِهَا التَّحْرِيمَ كَحَرَّمْتُك، وَقِيلَ أَنْتَ سَيِّدِي لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤْدَدِ وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَالتَّرْجِيحُ فِيهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَكِنْ اخْتَارَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ أَوْ خِطَابُ تَلَطُّفٍ وَلَا إشْعَارَ لَهُ بِالْعِتْقِ (لَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ) أَوْ مُظَاهِرٌ أَوْ نَحْوُهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا حَرَّمْتُك، وَكَذَا لَفْظُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِاسْتِحَالَتِهِمَا فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ لَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ (وَمِنْهَا) أَيْ الْكِنَايَةِ (تَمْلِيكُهُ نَفْسَهُ) كَمَلَّكْتُك أَوْ وَهَبْتُك نَفْسَك كَمَا فِي الطَّلَاقِ

(وَإِنْ كَانَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

لِلْيَهُودِيَّةِ مَنْ يَعْرِفُ وَلَدَهَا وَلَا أَبَاهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَافَةُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا يُوقَفَانِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَافَةٍ أَوْ يَبْلُغَا فَيَنْتَسِبَا انْتِسَابًا مُخْتَلِفًا وَأَطَالَ فِي تَفْرِيعِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَتَاوِيهِ

[كِتَابُ الْعِتْقِ]

(كِتَابُ الْعِتْقِ) (قَوْلُهُ الْعِتْقُ قُرْبَةٌ) أَيْ سَوَاءٌ أَحَصَلَ بِتَنْجِيزٍ أَمْ بِتَعْلِيقٍ مِنْ الْمُسْلِمِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَقْفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ صَارَ الْعَتِيقُ لِلَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قُرْبَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ إلَخْ) وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكًا لَهُ مِنْ النَّارِ» وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ الذَّكَرِ فَلَوْ أَعْتَقَ جَمَاعَةٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هَذَا الثَّوَابُ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَة أَنْ يُعِينَ فِي ثَمَنِهَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

(قَوْلُهُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ) أَيْ مُخْتَارٍ أَهْلٍ لِلْوَلَاءِ لِيُخْرِجَ الْمُبَعَّضَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ السَّفِيهِ بِمُبَاشَرَتِهِ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا إذَا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي إعْتَاقِ عَبْدِهِ عَنْ اللَّازِمِ لَهُ قَبْلَ حَجْرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ إذَا وَكَّلَهُ إنْسَانٌ بِأَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ فِي تَوَكُّلِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ جَوَازُهُ. الثَّالِثَةِ قَالَ السَّفِيهُ لِإِنْسَانٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي مَجَّانًا، فَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَنْ يَصِحَّ

لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ

، وَقَوْلُهُ إحْدَاهَا إذَا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ إلَخْ هَذَا لَا يَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ فَإِنَّ السَّفِيهَ لَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْعَبْدِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَكَتَبَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ أَوْ وَلِيٌّ فِي كَفَّارَةٍ) أَيْ لِلْقَتْلِ لَا لِغَيْرِهِ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ يَدْخُلُ فِي الْوِلَايَةِ إعْتَاقُ عَبْدِ بَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْفَرْعَ فِي كِتَابِ الْهُدْنَةِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي جَاءَنَا بَعْدَمَا أَسْلَمَ عِنْدَهُمْ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ وَالْحَالُ حَالُ هُدْنَةٍ فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ لَا يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُهُ الْإِمَامُ إلَى سَيِّدِهِ بَلْ يُبَاعُ لِمُسْلِمٍ أَوْ يَشْتَرِيهِ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُعْتِقُهُ عَنْهُمْ وَوَلَاؤُهُ لَهُمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَصَرِيحُهُ الْعِتْقُ إلَخْ) وَابْنِي إنْ أَمْكَنَ هَذَا إذَا قَالَ أَنْتَ ابْنِي، أَمَّا إذَا قَالَ لَهُ يَا ابْنِي عَلَى صِيغَةِ النِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَةِ لِلْمُلَاطَفَةِ، وَمِمَّنْ جَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ كَبْنٍ فِي نُكَتِهِ وَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالنِّدَاءِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْمُلَاطَفَةَ وَقَدْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا بِنْتِي عَدَمَ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ نِيَّةً) بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ وَإِنْ احْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ أَوْ اشْتَهَرَتْ لِلْعِتْقِ فِي نَاحِيَةٍ (فَرْعٌ) فِي الْكَافِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ أَنْت حُرٌّ عَتَقَ وَسَيَأْتِي

(قَوْلُهُ وَالْكِنَايَةُ كَلَا سُلْطَانَ إلَخْ) وَضَابِطُهَا كُلُّ مَا لَا يَنْتَظِمُ إلَّا بِتَقْدِيرِ اسْتِعَارَةٍ أَوْ إضْمَارٍ (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ لَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ) أَلْحَقَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مَا لَوْ قَالَ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَالْخِنْزِيرِ لَا أَنْ يُرِيدَ خِدْمَتَك عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ كِنَايَةً، وَاسْتَثْنَى أَيْضًا قَوْلَهُ تَجَرَّعِي وَذُوقِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَا يَجْرِي فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ إلَّا إذَا كَانَ مُرَادُهُمَا دَوَامَ الْمِلْكِ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ كِنَايَةً (قَوْلُهُ كَمَلَكْتُكِ أَوْ وَهَبْتُك نَفْسَك) لَا عَلَى طَرِيقِ التَّمْلِيكِ بَلْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ فَيُعْتَقُ بِلَا قَبُولٍ

١ -

(تَنْبِيهٌ) فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>