الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَخَطَّطْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَلَا دَفْنُهُ.
وَمَا رُدَّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجِهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّطْفَةِ بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْحَامِلِ قَوَدٌ وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَى وَضْعِهِ، وَإِنْ ظَنَنَّا عَدَمَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ مَرْدُودٌ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حَمْلِ الْحَيَاةِ وَفِي حَمْلِ الْمَيِّتَةِ فَلَمْ يُرَاعُوا حُرْمَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا لَوْ يُرَاعُوهَا فِي التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ (وَحَكَى عَنْ النَّصِّ أَنَّ أَهْلَ دِينِهَا يَتَوَلَّوْنَ غُسْلَهَا وَدَفْنَهَا) ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ
(فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ) نَدْبًا (بِنَحْوِ لَبِنَةٍ) طَاهِرَةٍ كَكَوْمِ تُرَابٍ (وَيُفْضَى بِخَدِّهِ) الْأَيْمَنِ (مَكْشُوفًا إلَيْهَا) الْأَوْلَى إلَيْهِ أَيْ إلَى نَحْوِ اللَّبِنَةِ (أَوْلَى التُّرَابُ) مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِكَانَةِ وَالِامْتِهَانِ رَجَاءَ الرَّحْمَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ مَكْشُوفًا إيضَاحٌ (وَيُكْرَهُ) أَنْ يُوضَعَ تَحْتَهُ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَفُرُشٌ) قَالُوا؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَأَجَابُوا عَمَّا فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِرِضَا جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا عِلْمِهِمْ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرَاهَةَ أَنْ تُلْبَسَ بَعْدَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ ثَوْبٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ بِقَبْرِهِ مَعَ أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الِاسْتِيعَابِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ وَكِيعٌ هَذَا خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَ) يُكْرَهُ (صُنْدُوقٌ) أَيْ جَعْلُ الْمَيِّتِ فِيهِ (وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّته بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَقَوْلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ بِهِ (فَإِنْ اُحْتِيجَ الصُّنْدُوقُ) أَيْ إلَيْهِ (لِنَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا) كَرَخَاوَةٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ وَصَّى بِهِ (نَفَذَتْ) وَصِيَّتُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ فِي تَهْرِيَةٍ بِحَرِيقٍ أَوْ لَدْغٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الصُّنْدُوقُ قَالَ وَيُسْتَثْنَى امْرَأَةٌ لَا مَحْرَمٌ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ قُلْت فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُسَبَّعَةُ بِحَيْثُ لَا يَصُونُهُ مِنْ نَبْشِهَا إلَّا الصُّنْدُوقُ (وَهُوَ) أَيْ الصُّنْدُوقُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) كَالْكَفَنِ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ (فَرْعٌ ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا مَرَّ (يُبْنَى اللَّحْدُ) نَدْبًا (بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ) أَوْ نَحْوِهِمَا لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نَصْبًا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي صِيَانَةِ الْمَيِّتِ عَنْ النَّبْشِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ «اللَّبِنَاتِ الَّتِي وُضِعَتْ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعٌ» (وَتَسُدُّ فُرَجُهُ) أَيْ اللَّحْدِ بِكَسْرِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْنَعُ التُّرَابَ وَالْهَوَامَّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ بَدَلَ الْإِذْخِرِ الْآجُرُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ بَلْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِكَرَاهَةٍ قُلْت وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ قَالَ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَضْعُ شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ فِي الْقَبْرِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي إسْنَادِ ظَهْرِهِ وَرَفْعِ رَأْسِهِ وَبِنَاءِ لَحْدِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ يُنْصَبُ اللَّبِنُ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِقَطْعِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُحْثِي) نَدْبًا (كُلُّ مَنْ دَنَا) عِبَارَةُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ (ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) مِنْ تُرَابِهِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَلِيَكُنْ قِبَلَ رَأْسِهِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْفَرْضِ يُقَالُ حَثَى يُحْثِي حَثْيًا وَحَثَيَاتٍ وَحَتَّى يَحْثُوَ حَثْوًا وَحَثْوَاتٍ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ (وَيَقُولُ نَدْبًا فِي الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: ٥٥] وَفِي الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: ٥٥] وَفِي الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ (ثُمَّ يُدْفَنُ بِالْمَسَاحِي) إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَثْيِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ وُقُوعِ اللَّبِنَاتِ وَعَنْ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ بِالْغُبَارِ وَالْمَسَاحِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعِ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُمْسَحُ بِهَا الْأَرْضُ وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ هُنَا هِيَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا
(فَرْعٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ) الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لِئَلَّا يُعَظِّمَ شَخْصُهُ (وَأَنْ يُرْفَعَ قَدْرَ شِبْرٍ) تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ كَقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُزَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ كَأَنْ سَفَّتْهُ الرِّيحُ قَبْلَ إتْمَامِ حَفْرِهِ أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ قَلِيلَةَ التُّرَابِ لِكَثْرَةِ الْحِجَارَةِ (وَتَسْطِيحُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ دَخَلْت عَلَى
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأَوْلَى مِنْ هَاتَيْنِ) أَيْ حُكْمُهَا مَمْنُوعٌ
[فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ نَدْبًا بِنَحْوِ لَبِنَةٍ طَاهِرَةٍ وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ مَكْشُوفًا إلَيْهَا]
(قَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ) قَالَ شَيْخُنَا مَا لَمْ يُوصَ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ دَنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْبَعِيدَ وَالْقَرِيبَ وَقَوْلُهُ لِمَنْ حَضَرَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ]
(قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُزَادُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute