للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِزِيَادَةٍ مِمَّا مَرَّ فِي أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ فِي فَصْلِ أَنْهَشَهُ حَيَّةً، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْبَالِغِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّبِيَّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ.

(وَلَوْ تَبِعَ رَجُلًا بِالسَّيْفِ، وَكَذَا صَبِيًّا مُمَيِّزًا) فَوَلَّى هَارِبًا (فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي مُهْلَكٍ) كَنَارٍ أَوْ مَاءٍ (عَالِمًا) بِهِ (لَا جَاهِلًا) فَهَلَكَ (أَوْ لَقِيَهُ سَبُعٌ) فِي طَرِيقِهِ (فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يُلْجِئْهُ إلَيْهِ بِمَضِيقٍ لَمْ يَضْمَنْ) هـ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى بَاشَرَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ قَصْدًا، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيمَا كَانَ يَحْذَرُ مِنْ تَابِعِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فَقَتَلَهَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ التَّابِعِ إهْلَاكٌ، وَمُبَاشَرَةُ السَّبُعِ الْعَارِضَةُ كَعُرُوضِ الْقَتْلِ عَلَى إمْسَاكِ الْمُمْسِكِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمُلْقِي نَفْسَهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ جَاهِلًا بِالْمُهْلِكِ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ تَغْطِيَةِ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ أَلْجَأَهُ إلَى السَّبُعِ بِمَضِيقٍ (ضَمِنَ) هـ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَ نَفْسِهِ، وَقَدْ أَلْجَأَهُ التَّابِعُ إلَى الْهَرَبِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مُمَيِّزًا مِنْ زِيَادَتِهِ.

(وَإِنْ انْخَسَفَ السَّقْفُ بِالْهَارِبِ لَا الْمُلْقِي) أَيْ لَا بِالْمُلْقِي (نَفْسَهُ) عَلَيْهِ مِنْ عُلُوٍّ (ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْهَرَبِ، وَأَلْجَأَهُ إلَيْهِ مُفْضِيًا إلَى الْهَلَاكِ مَعَ جَهْلِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ بِبِئْرٍ مُغَطَّاةٍ بِخِلَافِ الْمُلْقِي نَفْسَهُ عَلَيْهِ إذَا انْخَسَفَ بِثِقَلِهِ لَا بِضَعْفِ السَّقْفِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ.

(وَلَوْ عَلَّمَ وَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (صَبِيًّا) ، وَلَوْ مُرَاهِقًا (السِّبَاحَةَ) أَيْ الْعَوْمَ (أَوْ الْفِرَاسَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَةً فِي الْفُرُوسَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ كَمَا مَرَّ (فَهَلَكَ فَشِبْهُ عَمْدٍ) فَتَلْزَمُهُ دِيَتُهُ (كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ تَأْدِيبًا) إذَا هَلَكَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ هَلَكَ بِإِهْمَالِهِ قَالَ فِي الْوَسِيطِ: وَلَوْ قَالَ لَهُ اُدْخُلْ الْمَاءَ فَدَخَلَ مُخْتَارًا فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذْ لَا يَضْمَنُ الْحُرُّ بِالْيَدِ وَالصَّبِيُّ مُخْتَارٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْحِفْظِ. انْتَهَى. (وَإِنْ أَدْخَلَهُ الْمَاءَ لِيَعْبُرَ بِهِ فَكَمَا لَوْ خَتَنَهُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ.

(وَإِنْ سَلَّمَ الْبَالِغُ) الْعَاقِلُ (نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ) لِيُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ فَغَرِقَ (هَدَرٌ) لِاسْتِقْلَالِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَغْتَرَّ بِقَوْلِ السَّبَّاحِ.

(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا وَغَيْرِهِ

(حَفْرُ الْبِئْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ) فِي (مُشْتَرَكٍ) فِيهِ بَيْنَ الْحَافِرِ وَغَيْرِهِ (بِلَا إذْنٍ عُدْوَانٌ) فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ لِتَعَدِّي الْحَافِرِ بِخِلَافِ حَفْرِهَا بِالْإِذْنِ، وَحَفْرُهَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ (وَرِضَاهُ بِاسْتِبْقَائِهَا) أَيْ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ عُدْوَانًا (كَالْإِذْنِ فِي حَفْرِهَا) فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ (وَلَا يُفِيدُهُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِالْإِذْنِ) أَيْ فِيهِ (بَعْدَ التَّرَدِّي) فَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ حَفَرَ بِإِذْنِي لَمْ يُصَدَّقْ وَاحْتَاجَ الْحَافِرُ إلَى بَيِّنَةٍ بِإِذْنِهِ.

(وَلَوْ تَعَدَّى بِدُخُولِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَهَلَكَ يَضْمَنُهُ الْحَافِرُ) لِتَعَدِّيهِ أَوَّلًا لِتَعَدِّي الْوَاقِعِ فِيهَا بِالدُّخُولِ (وَجْهَانِ) صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِيَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي دُخُولِهَا فَإِنْ عَرَّفَهُ بِالْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا فَهَلْ يَضْمَنُ الْحَافِرُ أَوْ الْمَالِكُ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَعَلَى الْحَافِرِ.

(فَرْعٌ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَقَوْلُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ ظُلْمَةٍ) أَيْ ظُلْمَةِ الْمَكَانِ أَوْ اللَّيْلِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قَصْدًا أَرَدْنَا بِهِ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا بُنِيَ عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ أَمْ خَطَأٌ إنْ قُلْنَا خَطَأٌ ضَمِنَهُمَا الْمُتَّبِعُ كَمَا لَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ جَاهِلًا، وَإِلَّا فَلَا كَذَا أَطْلَقَاهُ هُنَا، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ فِيمَنْ لَهُ تَمْيِيزٌ مِنْهُمَا أَمَّا مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَصْلًا فَلَا عَمْدَ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ الْحَقُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَجْنُونِ كُلُّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّمَ وَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ صَبِيًّا السِّبَاحَةَ) وَكَالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ آنِفًا ش أَمَّا لَوْ سَلَّمَهُ الْأَجْنَبِيُّ فَهُمَا شَرِيكَانِ وَكَتَبَ أَيْضًا إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا، وَإِلْقَائِهِ فِي الْمَسْبَعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْخَطَرَ فِيهِ أَكْثَرُ، وَهُنَا الْخَطَرُ قَلِيلٌ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ؟ . قِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُهْلِكٌ بِالتَّفْرِيطِ مِنْ السَّبَّاحِ، وَلَيْسَتْ الْمَسْبَعَةُ نَفْسُهَا مُهْلِكَةً لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ (قَوْلُهُ: فَشِبْهُ عَمْدٍ) مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ السَّبَّاحِ تَقْصِيرٌ فَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ عَمْدًا فَغَرِقَ وَجَبَ الْقِصَاصُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْحِفْظِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْخَلَهُ الْمَاءَ لِيَعْبُرَ بِهِ فَكَمَا لَوْ خَتَنَهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا يَتَّضِحُ التَّشْبِيهُ إذَا كَانَ فِي إدْخَالِهِ الْمَاءَ لِيَعْبُرَ بِهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ لَا إنْ كَانَ عَبَثًا وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي إرْكَابِ الْوَلِيِّ الصَّبِيَّ الدَّابَّةَ، وَمُصَادَمَتِهِ مَا يَقْتَضِي تَفْصِيلًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَلَّمَ الْبَالِغُ نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ هَدَرٌ) حَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ السَّبَّاحُ كَمَا قَالَ فِي الصَّبِيِّ قَالَ فَأَمَّا لَوْ رَفَعَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُغْرِقِ عَمْدًا فَغَرِقَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ بَلْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَغْرَقَهُ، وَقَوْلُهُ حَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا وَغَيْرِهِ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: حَفْرُ الْبِئْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إلَخْ) لَوْ حَفَرَ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْعُمْقِ فَعَمَّقَهَا غَيْرُهُ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِمَا بِالسَّوِيَّةِ كَالْجِرَاحَاتِ (قَوْلُهُ: فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِهِ) لَوْ كَانَ الْحَافِرُ عَبْدًا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَوْضِعَ التَّضْمِينِ فِي التَّعَدِّي مَا إذَا تَجَدَّدَ التَّرَدِّي لِلْهَلَاكِ فَلَوْ تَرَدَّتْ بَهِيمَةٌ، وَلَمْ تَتَأَثَّرْ بِالصَّدْمَةِ ثُمَّ مَاتَتْ جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ لِحُدُوثِ سَبَبٍ آخَرَ كَمَا لَوْ حَبَا سَبُعٌ فَافْتَرَسَهَا مِنْ الْبِئْرِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الطَّرَفِ الرَّابِعِ. (قَوْلُهُ: وَرِضَاهُ بِاسْتِيفَائِهَا) كَأَنْ مَنَعَهُ مِنْ طَمِّهَا (قَوْلُهُ: كَالْإِذْنِ فِي حَفْرِهَا) وَكَذَا لَوْ مَلَكَ تِلْكَ الْبُقْعَةَ.

(قَوْلُهُ: وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ فَإِنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ عَمِيَ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا وَبَصِيرًا فَلَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ: صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِيَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ) قَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ مُعْتَمَدٌ فِي الْأُولَى دُونَ هَذِهِ إذْ الْأَرْجَحُ فِيهَا ضَمَانُ الْحَافِرِ لَا الْمَالِكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>