للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَلَا) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فِي الشِّقَّيْنِ لَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا فِي الْجِهَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا كَالْغَنِيِّ الْمُهْدَى إلَيْهِ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةَ وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ صَرْفِهَا فِيمَا عُيِّنَتْ لَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَالشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ كَالثَّانِي (وَكَذَا لَوْ طَلَبَ الشَّاهِدُ) مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ (مَرْكُوبًا) لِيَرْكَبَهُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (فَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ) أَيْ الْمَرْكُوبِ فَيَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ، وَالْأَصْلُ حَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ: أَحَدُهُمَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِيمَا ذُكِرَ، وَثَانِيهِمَا لَهُ صَرْفُهَا فِي جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ.

الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ الشَّاهِدَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمَرْكُوبِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ، وَالْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَالْبِرِّ فَرُوعِيَ فِيهِ غَرَضُ الدَّافِعِ (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ دِرْهَمًا بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ خُبْزًا فَيَأْكُلَهُ لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ لَهُ التَّصَرُّفَ (قَالَهُ الْقَاضِي) وَيُفَارِقُ: اشْتَرِ لَك بِهَذَا عِمَامَةً بِأَنَّهُ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ عُقِّبَ بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ وُضِعَ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ (وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفَنًا لِأَبِيهِ فَكَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ) لَهُ (إنْ كَانَ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِأَبِيهِ) لِفِقْهٍ، أَوْ وَرَعٍ قَالَ السُّبْكِيُّ: أَوْ قَصَدَ الْقِيَامَ بِفَرْضِ التَّكْفِينِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَلَى الْوَارِثِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا عُلِمَ قَصْدُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي " اشْتَرِ لَك بِهَذَا عِمَامَةً " (وَمَا يُحَصِّلُ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ لَهُمْ) مِنْ السُّوقِ وَغَيْرِهِ (يَمْلِكُهُ دُونَهُمْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهُمْ وَلَا وَكِيلٍ عَنْهُمْ (وَ) لَكِنْ (وَفَاؤُهُ) لَهُمْ (مُرُوءَةٌ) مِنْهُ أَيْ الْمُرُوءَةُ تَقْتَضِي الْوَفَاءَ لَهُمْ بِمَا تَصَدَّى لَهُ.

(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ يَفِ (فَلَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ إظْهَارِ الْجَمْعِ لَهُمْ) وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ دُونَهُمْ أَفَادَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الدَّافِعَ يَقْصِدُهُ دُونَهُمْ وَلَوْ لِأَجْلِهِمْ كَمَنْ يَطْلُبُ شَيْئًا لِعِيَالِهِ فَيُعْطَاهُ لِأَجْلِهِمْ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، ثُمَّ يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ فَإِنْ قَصَدَهُمْ مَعَهُ، أَوْ دُونَهُ فَالْمِلْكُ مُشْتَرَكٌ فِي الْأُولَى وَمُخْتَصٌّ بِهِمْ فِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُمْ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ أَحَدًا كَانَ الْمِلْكُ لَهُ دُونَهُمْ (وَيَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْكَافِرِ) لِلِاتِّبَاعِ (وَ) قَبُولُ (مَا يَحْمِلُهُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ مِنْهَا) كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ (وَيَحْرُمُ عَلَى الْعُمَّالِ) قَبُولُ (هَدَايَا رَعَايَاهُمْ) عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ.

(فَصْلٌ) لَوْ (قَالَ: أَعُمْرَتك هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ) هَذِهِ (الدَّارَ مَا عِشْت) أَوْ حَيِيت أَوْ بَقِيت، أَوْ نَحْوَهَا (فَإِذَا مِتّ فَهُوَ) وَفِي نُسْخَةٍ فَهِيَ (لِوَرَثَتِك) أَوْ لِعَقِبِك مِنْهُمْ (فَهَذِهِ) هِيَ (الْهِبَةُ بِعَيْنِهَا) لَكِنَّهُ طَوَّلَ الْعِبَارَةَ فَتَصِحُّ وَلَا يَعُودُ الْمَوْهُوبُ إلَى الْوَاهِبِ بِحَالٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا» لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (إذَا قَالَ أَعُمْرَتك) هَذَا (أَوْ جَعَلْتُهُ لَك عُمُرَك) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» وَلِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ أَحَدٍ يَتَقَدَّرُ بِحَيَاتِهِ وَلَيْسَ فِي جَعْلِهِ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَا يُنَافِي انْتِقَالَهُ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ بَلْ هُوَ شَرْطُ الِانْتِقَالِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهِ (فَإِنْ مِتّ صَارَ) الْعَبْدُ (حُرًّا، أَوْ عَادَ إلَيَّ) أَوْ إلَى وَرَثَتِي إنْ مِتّ (صَحَّ) عَقْدُ الْهِبَةِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهَا (وَلَغَا الشَّرْطُ) لِإِطْلَاقِ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ شَيْئًا إنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ، أَوْ الْعَوْدَ إلَيْهِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ قَدْ صَارَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ وَوُجِدَ التَّصْرِيحُ بِهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَتَصِحُّ الرُّقْبَى وَصُورَتُهَا) أَنْ يَقُولَ (وَهَبْتهَا لَك عُمُرَك فَإِنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، أَوْ إلَى زَيْدٍ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ) لَك وَيَلْغُو الشَّرْطُ (أَوْ يَقُولُ أَرْقَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى) أَخْذًا بِإِطْلَاقِ خَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا، أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» وَالنَّهْيُ لِلْإِرْشَادِ أَيْ لَا تُعْمِرُوا شَيْئًا طَمَعًا فِي عَوْدِهِ إلَيْكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِيرَاثٌ (فَلَوْ وَقَّتَ الْوَاهِبُ بِعُمُرِ نَفْسِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ) كَأَنْ قَالَ جَعَلْتهَا لَك عُمُرِي، أَوْ عُمُرَ فُلَانٍ (فَسَدَتَا) أَيْ الصِّيغَتَانِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ وَلِمَا فِيهِمَا مِنْ تَأْقِيتِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِ فُلَانٍ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عُمُرَك؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْلِكُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ كَمَا مَرَّ فَلَا تَأْقِيتَ فِيهِ.

(تَنْبِيهٌ) الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَالْعُمْرَى مِنْ الْعُمُرِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فِي الشِّقَّيْنِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَالشِّقِّ الْأَوَّلِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ إلَخْ) بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِيهِ بِمَا بَعْدَ إلَّا (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَهَبَ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ) تَفْسُدُ الْهِبَةُ، وَالْوَقْفُ بِكُلِّ شَرْطٍ يُفْسِدُ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ: أَفَادَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ قَالَ أَعْمَرْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ مَا عِشْت أَوْ حَيِيت أَوْ بَقِيت]

(قَوْلُهُ: وَيَلْغُو الشَّرْطُ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ إلَّا هَذَا وَلَعَلَّ الْمَعْنَى فِيهِ - كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ - أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْمُعْطَى بَلْ عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ الْآنَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مَعَ الْمَعْقُودِ مَعَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْعَقْدُ وَفَرَّقَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ بَيْنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ هُنَا بِأَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ تُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا بَطَلَتْ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهَا فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَيَبْطُلُ وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَى ثَمَنٌ فَصَحَّتْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْهِبَةَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَحَّتْ كَالْعُمْرَى وَهُوَ كَذَلِكَ وَفَرَّقَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَقْتَضِي فَسْخًا مُنْتَظَرًا وَلَا يَضُرُّ الْهِبَةَ بِدَلِيلِ هِبَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ وَيَضُرُّ الْبَيْعَ.

(تَنْبِيهٌ) مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ كَالْخَبَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعْمِرِ وَالْمُرْقِبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِمَدْلُولِ هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ شَرْعًا وَأَنْ لَا يَكُونَا كَذَلِكَ وَهُوَ وَاضِحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>