للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ ذَكَرْنَا فِي الْغَصْبِ أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُ الْجِلْدِ لِلْمَالِكِ لَا لِلْغَاصِبِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ أَظْهَرَ هُنَا أَيْضًا وَهُوَ بَحْثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِعْلَ الْغَاصِبِ مُحَرَّمٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إخْرَاجِ مَا اخْتَصَّ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ مَا هُنَا وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ شَاةً فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا لَمْ يُعَدَّ رَهْنًا لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَدَثَتْ بِالْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ (لَا إنْ تَلِفَ) الْجِلْدُ فِي يَدِهَا (قَبْلَ الطَّلَاقِ) وَبَعْدَ الدَّبْغِ فَلَا يَرْجِعُ (لِأَنَّ الْجِلْدَ مُتَقَوِّمٌ وَلَا قِيمَةَ لَهُ وَقْتَ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ) بِخِلَافِ الْخَلِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَخَلَّلَ ثُمَّ أَسْلَمَا) أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا (وَجَبَ) عَلَيْهِ لَهَا (قِيمَةُ الْعَصِيرِ) لِتَلَفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَخَلُّلٍ (وَفِيهِ نَظَرٌ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِ الْمُهِمَّاتِ لَا يَسْتَقِيمُ إيجَابُ قِيمَةِ الْعَصِيرِ فَقَدْ مَرَّ فِي الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ جَرَى هَذَا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ فَتَتَخَيَّرُ الزَّوْجَةُ هُنَا لِأَنَّ الصَّدَاقَ فِي يَدِ الزَّوْجِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ضَمَانَ عَقْدٍ بَلْ بَقَاءُ الْعَقْدِ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعَ كَافِرٍ وَانْقِلَابُهُ خَمْرًا وَقَعَ فِي الْكُفْرِ أَيْضًا فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ انْتَهَى.

فَعَلَيْهِ إنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَالْحِلُّ لَا قِيمَةُ الْعَصِيرِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إيجَابُهَا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ (وَلَوْ قَبَضَتْهُ خَمْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ أَسْلَمَا) أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا (فَلَا رُجُوعَ لَهُ) لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ وَمَنْعِ إمْسَاكِ الْخَمْرِ فِي الْإِسْلَامِ (فَإِنْ تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا) قَبْلَ الدُّخُولِ (رَجَعَ فِي نِصْفِهِ) إنْ بَقِيَ (أَوْ) فِي (مِثْلِهِ إنْ تَلِفَ) وَلَوْ بِإِتْلَافِهَا (وَإِنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا (فَالْقَوْلُ فِي الْكُلِّ هُنَا مِنْ الْخَلِّ وَالْجَدِّ كَالْقَوْلِ فِي النِّصْفِ هُنَاكَ) أَيْ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ

(فَصْلٌ كُلُّ عَمَلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ) كَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَخِيَاطَةٍ وَخِدْمَةٍ وَبِنَاءٍ (يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا) كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهُ ثَمَنًا (فَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ) مِنْ الْقُرْآنِ (أَوْ جُزْءٍ) مِنْهُ بِنَفْسِهِ (اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ) أَيْ الْمُصْدَقِ.

(وَ) اُشْتُرِطَ (عِلْمُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ بِالْمَشْرُوطِ) تَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَعْلَمَا عَيْنَهُ وَسُهُولَتَهُ أَوْ صُعُوبَتَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ (وَكَّلَا) أَوْ أَحَدُهُمَا مَنْ يُعَلِّمُهُ (وَلَا يَكْفِي) حِينَئِذٍ (التَّقْدِيرُ بِالْإِشَارَةِ إلَى) الْمَكْتُوبِ فِي (أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ) بِأَنْ يُقَالَ تَعَلَّمَهَا مِنْ هُنَا إلَى هُنَا إذْ لَا تُعْرَفُ بِهِ سُهُولَتُهُ وَصُعُوبَتُهُ وَاسْتَشْكَلَ بِالِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ الْكَفِيلِ الْمَشْرُوطَ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ جُهِلَتْ حَقِيقَتُهُ مِنْ الْإِعْسَارِ وَالْمَطْلِ وَضِدِّهِمَا وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ نَفْسُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَاحْتَطْنَا لَهُ وَالْكَفِيلُ تَوْثِقَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَخَفَّ أَمْرُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْحَرْفِ) الَّذِي يُعَلِّمُهُ لَهَا كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ أَوْ أَبِي عُمَرَ وَكَمَا فِي الْإِجَارَةِ فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ أَرَادَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْبَغْدَادِيِّينَ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا مَا غَلَبَ عَلَى قِرَاءَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ (فَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْحَرْفَ (كَحَرْفِ نَافِعٍ تَعَيَّنَ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ (فَإِنْ خَالَفَ وَعَلَّمَهَا حَرْفَ أَبِي عُمَرَ فَمُتَطَوِّعٌ بِهِ وَيَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ الْحَرْفِ الْمُعَيَّنِ) وَهُوَ حَرْفُ نَافِعٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ.

(وَإِنْ أَصْدَقَهَا التَّعْلِيمَ) لِقُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ (شَهْرًا جَازَ) كَمَا فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا تَعْلِيمِ (سُورَةٍ فِي شَهْرٍ) فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الِاسْتِئْجَارِ لِخِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ الْيَوْمَ (وَلَا مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ كَتَعْلِيمِ لَحْظَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ) ك ثُمَّ نَظَرَ كَنَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ فَدَبَغَ جِلْدَهَا لَمْ يُعَدَّ رَهْنًا إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ عَوْدِ الْجِلْدِ رَهْنًا وَبَيْنَ الرُّجُوعِ فِيهِ هُنَا وَاضِحٌ (قَوْلُهُ لَا إنْ تَلِفَ الْجِلْدُ فِي يَدِهَا) أَيْ حِسًّا أَوْ شَرْعًا (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) قَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِهِ ثُمَّ عَادَ خَلًّا ثُمَّ أَسْلَمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا لَزِمَهَا قَبْضُهُ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْكَبِيرِ تَحْرِيفٌ مِنْ نَاسِخٍ وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ عَقِبَهُ وَلَوْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا فَصَارَ خَلًّا عِنْدَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى نِصْفِ الْخَلِّ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَذِهِ إلَى الْعَيْنِ وَلَا يَرْجِعُ ثَمَّ ر وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ مَرَّ فِي الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ جَرَى هَذَا فِي يَدِ الْبَائِعِ إلَخْ) إنَّمَا جَعَلُوا عَوْدَ الْمَالِيَّةِ فِي الْبَيْعِ كَدَوَامِهَا تَحَرُّزًا عَنْ بُطْلَانِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِخُرُوجِ الصَّدَاقِ عَنْ الْمَالِيَّةِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مُقْتَضِيًا لِانْفِسَاخِ الصَّدَاقِ حَتَّى يَجِبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لِعَوْدِ مَالِيَّتِهِ وَلَمْ يُخَيِّرُوهَا لِتَرْجِعَ فِي الْخَلِّ إنْ لَمْ تَفْسَخْ الصَّدَاقَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ غَيْرُ الْمَالِيَّةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ وَإِيجَابُهُمْ قِيمَةَ الْعَصِيرِ لَا مِثْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ خَالَطَهُ مَاءٌ لِيَكُونَ مُتَقَوِّمًا.

(قَوْلُهُ رَجَعَ فِي نِصْفِهِ إنْ بَقِيَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً (قَوْلُهُ أَوْ فِي مِثْلِهِ إنْ تَلِفَ) أَيْ حِسًّا أَوْ شَرْعًا

[فَصْلٌ كُلُّ عَمَلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ كَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَخِيَاطَةٍ وَخِدْمَةٍ وَبِنَاءٍ يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ كُلُّ عَمَلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الصَّدَاقَ رَدَّ عَبْدِهَا الْآبِقِ أَوْ جَمَلِهَا الشَّارِدِ وَمَكَانُهُمَا مَعْرُوفٌ صَحَّ وَيَكُونُ إجَارَةً وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ حِينَئِذٍ بَاطِلٌ وَالْمُعَاقَدَةُ عَلَيْهِ جَعَالَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَالصَّدَاقُ لَازِمٌ فَتَنَافَيَا وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ (قَوْلُهُ وَعَلِمَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ بِالْمَشْرُوطِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِعِلْمِ الْوَلِيِّ عَنْ عِلْمِ الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ الرَّشِيدَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا فَتَأَمَّلْهُ.

قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِأَنَّهُ وَكِيلُهَا وَالْأَعْوَاضُ يَكْفِي فِيهَا عِلْمُ الْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُوَكِّلُ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا أَذِنَتْهُ لِيَعْقِدَ عَلَيْهَا فِي نَظِيرِ تَعْلِيمِ كَذَا لَهَا كا (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ إلَخْ) يُفَرَّقُ بِأَنَّ مُشَاهَدَةَ الْكَفِيلِ تُفِيدُ إذْ الظَّاهِرُ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مُشَاهَدَةِ الْمَكْتُوبِ (قَوْلُهُ فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَمُتَطَوِّعٌ بِهِ) لِأَنَّهُ بَاشَرَ إتْلَافَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَلَا تَضَمُّنَ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ) كَتَعْلِيمِ لَحْظَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَهِيَ الْكَوْثَرُ ثَلَاثُ آيَاتٍ فَصَاعِدًا لِيَكُونَ قَدْرَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِعْجَازُ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِعْجَازُ وَتَعَيُّنُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>