للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ (أَفْضَلُ) مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» خَبَرُ الشَّافِعِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ» وَخَبَرُ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» (وَالطَّرَفُ الْأَبْعَدُ عَنْ مَكَّةَ مِنْ كُلِّ مِيقَاتٍ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ (أَفْضَلُ) مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ وَسَطِهِ وَآخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ (وَهِيَ) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ (لِأَهْلِهِمَا وَلِمَنْ سَلَكَهَا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ إلَّا النَّائِبُ فَيُحْرِمُ كَمَا مَرَّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ مُنِيبِهِ (وَالْعِبْرَةُ) فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ (بِالْبُقْعَةِ لَا مَا بُنِيَ) ، وَلَوْ (قَرِيبًا مِنْهَا) ، وَلَوْ بِنَقْضِهَا وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِهَا.

(وَمَنْ سَلَكَ) طَرِيقًا (غَيْرَ) طَرِيقِ (الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ بِمُحَاذَاتِهِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُسَامَتَتِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْبَرِّ أَمْ فِي الْبَحْرِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ عُمَرُ ذَاتِ عِرْقٍ» ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ (فَإِنْ أَشْكَلَ) عَلَيْهِ الْمِيقَاتُ أَوْ مَوْضُوعُ مُحَاذَاتِهِ (احْتَاطَ) ، الَّذِي فِي الْأَصْلِ تَحَرَّى، وَطَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِظْهَارَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَحَيَّرَ فِي اجْتِهَادِهِ تَعَيَّنَ الِاسْتِظْهَارُ جَزْمًا إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ كَانَ قَدْ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ (وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ) وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ) إلَيْهِ (فَأَبْعَدُهُمَا مِنْ مَكَّةَ) يُحْرِمُ مِنْهُ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا (فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ) إلَيْهِ (فَكِلَاهُمَا مِيقَاتُهُ قُلْنَا: لَا بَلْ مِيقَاتُهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ أَوْ إلَى) مِثْلِ (مَسَافَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ لَا) إنْ رَجَعَ (إلَى الْآخَرِ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِمَا إنْ لَمْ يُحَاذِ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَمِنْ مُحَاذَاةِ الْأَوَّلِ يَنْتَظِرُ مُحَاذَاةَ الْآخَرَ كَمَا لَيْسَ لِلْمَارِّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ (فَإِنْ لَمْ يُحَاذِ شَيْئًا) مِنْ الْمَوَاقِيتِ (أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَقَلُّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ.

(فَرْعٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، ثُمَّ عَنَّ) أَيْ عَرَضَ (لَهُ) قَصْدُ النُّسُكِ (فَذَلِكَ) أَيْ مَحَلُّ عُرُوضِ ذَلِكَ لَهُ (مِيقَاتُهُ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا شَمَلَ ذَلِكَ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» وَأَشَارَ إلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ.

(فَصْلٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) ، وَلَمْ يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ (أَسَاءَ) لِلْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ) إلَيْهِ مُحْرِمًا أَوْ لِيُحْرِمَ مِنْهُ تَدَارُكًا لِمَا فَوَّتَهُ (وَأَثِمَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْعَوْدِ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَسَهْوِهِ وَجَهْلِهِ فَلَا عَوْدَ عَلَيْهِ، وَلَا إثْمَ لِعُذْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ مَاشِيًا، وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ مَاشِيًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَلِوَجْهِ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ (فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْعَوْدِ) ، الْأَوْلَى وَلَمْ يَعُدْ (وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا) فِي ذَلِكَ (لَزِمَهُ دَمٌ) لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا حَقٌّ قَالَ فِي الْخَادِمِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَفِيهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ إحْرَامُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَسْجِدُ فِي وَسَطِ الْمِيقَاتِ أَوْ طَرَفِهِ الْآخَرِ إلَى مَكَّةَ

(قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ، وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ كَالْأَعْمَى (قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَحْرَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مَعًا.

(قَوْلُهُ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) أَيْ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَأَحْرَمَ مِنْ مِثْلِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُجَاوِزَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ عَرَفَةَ ثُمَّ يُحْرِمَ مُحَاذِيًا لِمَكَّةَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الطَّبَرِيُّ وَعَنْ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّا حَيْثُ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الدَّمَ بِالْعَوْدِ لَا تَكُونُ الْمُجَاوَزَةُ حَرَامًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ إذَا أَخَذَ عَنْ يَمِينِ الْمِيقَاتِ أَوْ يَسَارِهِ لَمْ نَقُلْ جَاوَزَهُ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ

[فَصْلٌ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَلَمْ يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ]

(قَوْلُهُ أَوْ الِانْقِطَاعُ عَنْ الرُّفْقَةِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عُذْرٌ مَعَ الْأَمْنِ لِمَشَقَّةِ الِاسْتِيحَاشِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ) أَيْ الْبَالِغُ الْحُرُّ أَمَّا الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَمُلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ كَذَلِكَ لِافْتِقَارِ إحْرَامِهَا إذْنَ الْغَيْرِ فَلَوْ جَاوَزَتْ الْمِيقَاتَ مُرِيدَةً لِلنُّسُكِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا هَكَذَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>