للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ لَا وُجُوبَ بِالِاحْتِمَالِ قُلْت بَلْ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَخَسُّ الدِّيَاتِ (وَإِنْ تَمَسَّكَ بِمُبَدَّلٍ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُخَالِفُهُ فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ) أَيْ قَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيِّنَا (قَبْلَ الدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ) ، وَهَذَا شَامِلٌ لِقَوْلِهِ قَبْلُ: وَقَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ (وَفِيهِ) أَيْ فِي قَتْلِهِ (الْكَفَّارَةُ، وَيُقْتَصُّ بِمُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَإِنْ تَمَكَّنَ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ.

(فَصْلٌ: لَا يُجْبَرُ) مُسْتَحِقُّ الدِّيَةِ (عَلَى أَخْذِ مَعِيبٍ) مِنْ الْإِبِلِ (يُرَدُّ فِي بَيْعٍ، وَ) لَا أَخْذِ (مَرِيضٍ) كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ وَذِكْرُ الْمَرِيضِ بَعْدَ الْمَعِيبِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَيْبٌ (وَيَجُوزُ) أَخْذُ ذَلِكَ (بِالتَّرَاضِي) ؛ لِأَنَّ لَهُ إسْقَاطَ الْأَصْلِ فَكَذَا الْوَصْفُ.

(وَإِذَا حَمَلَتْ جَذَعَةٌ) فَمَا دُونَهَا (عُدَّتْ خَلِفَةً) ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ النَّاقَةَ لَا تَحْمِلُ حَتَّى تَكُونَ ثَنِيَّةً لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا (وَيُعْرَفُ الْحَمْلُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ) إلْحَاقًا لَهُ بِالتَّقْوِيمِ (فَإِنْ مَاتَتْ مَقْبُوضَةً) لِلْمُسْتَحِقِّ بِقَوْلِ الْعَدْلَيْنِ أَوْ بِتَصْدِيقِهِ (وَشُقَّ بَطْنُهَا فَبَانَتْ حَامِلًا غَرِمَهَا، وَأَخَذَ) بَدَلَهَا (حَامِلًا) كَمَا لَوْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْحَمْلِ قَبْلَ الشَّقِّ شُقَّ جَوْفُهَا لِيَعْرِفَ فَيُرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (فَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ الْإِسْقَاطَ) لِلْحَمْلِ بِأَنْ صَادَفْنَا النَّاقَةَ الْمَأْخُوذَةَ حَائِلًا فَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ، وَقَالَ الدَّافِع أَسْقَطَتْ عِنْدَك (وَأَمْكَنَ الْإِسْقَاطُ صُدِّقَ) الدَّافِعُ (إنْ أَخَذَهَا) الْمُسْتَحِقُّ (بِقَوْلِ خَبِيرَيْنِ) لَتَأَيَّدَ قَوْلُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَ، وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأُولَى، وَبِيَمِينٍ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ.

(فَرْعٌ: تَجِبُ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ) مِنْ جَانٍ، وَعَاقِلَةٍ فَيَدْفَعُ مِنْهَا (إنْ شَاءَ، وَإِنْ خَالَفَتْ إبِلَ الْبَلَدِ) فِي نَوْعِهَا (وَإِنْ شَاءَ) دَفَعَهَا (مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ) لِذِي الْحَاضِرَةِ (أَوْ الْقَبِيلَةِ الَّذِي الْبَادِيَةُ، وَإِنْ تَفَرَّقُوا) أَيْ مَنْ لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ فَتُؤْخَذُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ (ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِهِ أُخِذَ مِنْ الْأَكْثَرِ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ، وَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْأَشْرَفِ فَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى أَخْذِهِ، وَالتَّصْحِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ الثَّانِيَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى نَظِيرِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِنَظِيرِهِ فِي اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ إبِلِ الْبَلَدِ.

(أَوْ) اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ (إبِلِ الْبَلَدِ) أَوْ الْقَبِيلَةِ (وَلَا غَالِبَ) فِيهَا (فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ) أَخَذَ (فَإِنْ عُدِمَتْ) هِيَ (أَوْ بَعْضُهَا) فِي بَلَدِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ (أَوْ وُجِدَتْ) فِيهَا لَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ أَوْ بِصِفَتِهِ لَكِنْ (بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ نُقِلَ) الْوَاجِبُ مِنْهَا (مِنْ أَقْرَبِ الْبِلَادِ) أَوْ الْقَبَائِلِ (فَالْأَقْرَبِ) إلَى مَحَلِّ الدَّافِعِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (مَا لَمْ تَبْلُغْ الْمُؤْنَةُ) أَيْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مَعَ قِيمَتِهَا (أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِبَلَدٍ) أَوْ قَبِيلَةِ (الْعِزَّةِ) أَيْ الْعَدَمِ، وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ إشَارَةِ بَعْضِهِمْ الضَّبْطَ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الرَّاجِحُ الضَّبْطُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ السَّلَمِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْإِمَامُ ثُمَّ أَيْضًا عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ (ثُمَّ) إنْ عُدِمَتْ مِنْ أَقْرَبَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَجَبَتْ (الْقِيمَةُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ بَلَدِ الْإِعْوَازِ يَوْمَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ) فِيهِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفِ هَذَا (إنْ لَمْ يُمْهَلْ) أَيْ الدَّافِعُ فَإِنْ أُمْهِلَ بِأَنْ قَالَ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ: أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى تُوجَدَ الْإِبِلُ لَزِمَهُ امْتِثَالُهُ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ.

(فَإِنْ أُخِذَتْ الْقِيمَةَ فَوُجِدَتْ الْإِبِلُ لَمْ تُرَدَّ) لِتُسْتَرَدَّ الْإِبِلُ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ (وَمَعَ وُجُودِهَا) أَيْ الْإِبِلِ (لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهَا) مِنْ نَوْعٍ أَوْ قِيمَةٍ (إلَّا بِالتَّرَاضِي) فَيُؤْخَذُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: إذْ لَا وُجُوبَ بِالِاحْتِمَالِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِدِينٍ مُهْدَرٌ، وَعَدَمُ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ أَمْرٌ نَادِرٌ وَاحْتِمَالُ صِدْقِ مَنْ ادَّعَاهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ لَا نُوجِبُ الضَّمَانَ بِمِثْلِهِ.

[فَصْلٌ لَا يُجْبَرُ مُسْتَحِقُّ الدِّيَةِ عَلَى أَخْذِ مَعِيبٍ]

(قَوْلُهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ مَعِيبٍ) فِي مَعْنَى الْمَعِيبَةِ الْمَهْزُولَةُ هُزَالًا فَاحِشًا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ إسْقَاطَ الْأَصْلِ إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٧٨]

(قَوْلُهُ: وَيُعْرَفُ الْحَمْلُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ) إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُسْتَحِقُّ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ

[فَرْعٌ تَجِبُ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ مِنْ جَانٍ وَعَاقِلَةٍ]

(قَوْلُهُ: تَجِبُ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُرَادَ نَوْعُ إبِلِهِ لَا عَيْنُهَا فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ أَيْ مِنْ نَوْعِهَا (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَ بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِبِلِ فَإِذَا كَانَ الْأَقَلُّ الْقِيمَةَ دَفَعَهَا مِنْ النَّقْدِ أَوْ الْأَرْشِ فَالْخِيَارُ لَهُ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْأَرْشَ إبِلًا، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى بِقَدْرِ الْأَرْشِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ نَقْدًا قَالَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، أَوْ الْقَبِيلَةِ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ إبِلُ الْجَانِي أَعْلَى مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ أَوْ الْقَبِيلَةِ (قَوْلُهُ: فَمَا شَاءَ الدَّافِعُ أُخِذَتْ) فَإِنْ غَلَبَ نَوْعٌ مِنْهَا تَعَيَّنَ (قَوْلُهُ: فَالْأَقْرَبُ) فَإِنْ اسْتَوَى بَلَدَانِ فِي الْقُرْبِ، وَاخْتَلَفَ الْغَالِبُ فِيهِمَا تَخَيَّرَ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحه وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَإِجْرَاءُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ مُتَعَذِّرٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْبَاءِ عَلَى مُؤْنَةٍ لِيَسْتَقِيمَ وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ لَمَّا لَخَّصَ كَلَامَ إمَامِهِ فَقَالَ، وَمَعْنَى الْعَجْزِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّظَرِ بُعْدًا تَزِيدُ قِيمَتُهُ مَعَ مُؤْنَةِ النَّقْلِ عَلَى مَا يُشْتَرَى بِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْعِزَّةِ زِيَادَةً تُعَدُّ غَبِينَةً فِي نَقْلِ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْقِيمَةُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ بَلَدِ الْإِعْوَازِ) ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ فَكَمَا تُقَوَّمُ سَلِيمَةً حَالَ عَيْبِهَا كَذَلِكَ تُقَوَّمُ حَالَ عَدَمِهَا، وَتُرَاعَى صِفَتُهَا فِي التَّغْلِيظِ فَإِنْ غَلَبَ نَقْدٌ إنْ تَخَيَّرَ الْجَانِي وَكَتَبَ أَيْضًا تَخَيَّرَ الدَّافِعُ (قَوْلُهُ: وَمَعَ وُجُودِهَا لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهَا إلَّا بِالتَّرَاضِي) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلْيَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>