بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ (ثُمَّ تُقْضَى) مِنْهَا (دُيُونُهُ) الَّتِي لَزِمَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا ذِكْرًا فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَلِكَوْنِهَا قُرْبَةً وَالدَّيْنُ مَذْمُومٌ غَالِبًا وَلِكَوْنِهَا مُشَابِهَةً لِلْإِرْثِ مِنْ جِهَةِ أَخْذِهَا بِلَا عِوَضٍ وَشَاقَّةً عَلَى الْوَرَثَةِ، وَالدَّيْنُ نُفُوسُهُمْ مُطْمَئِنَّةٌ إلَى أَدَائِهِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهِ بَعْثًا عَلَى وُجُوبِ إخْرَاجِهَا وَالْمُسَارَعَةِ إلَيْهِ وَلِهَذَا عَطَفَ بِأَوْ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ وَلِيُفِيدَ تَأَخُّرُ الْإِرْثِ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا يُفِيدَ تَأَخُّرُهُ عَنْهُمَا بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى (ثُمَّ) تُقْضَى (وَصَايَاهُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ عِتْقٍ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ وَتَبَرُّعٍ نُجِّزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ (مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) وَقُدِّمَتْ عَلَى الْإِرْثِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَتَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ فَتَدْخُلُ الْوَصَايَا بِالثُّلُثِ وَبِبَعْضِهِ (وَالْبَاقِي) مِنْ التَّرِكَةِ (لِلْوَرَثَةِ) بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِ بِالتَّصَرُّفِ لِيَصِحَّ تَأَخُّرُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْحُقُوقِ وَإِلَّا فَتَعَلُّقُهَا بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ كَمَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ (وَلَهُمْ إمْسَاكُهَا وَالْقَضَاءُ) لِمَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْمَالِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَتْرُوكِ وَالْأُولَى مِنْ غَيْرِهَا (وَقَدْ سَبَقَ) بَيَانُهُ (فِي الرَّهْنِ) .
(فَصْلٌ أَسْبَابُ التَّوْرِيثِ أَرْبَعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: (قَرَابَةٌ) وَهِيَ الرَّحِمُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا، (وَنِكَاحٌ) صَحِيحٌ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ، (وَوَلَاءٌ) وَهُوَ عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْعِتْقِ مُبَاشَرَةً أَوْ سِرَايَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، (وَجِهَةُ الْإِسْلَامِ فَالْمُسْلِمُونَ عَصَبَةُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) جَائِزٌ مِنْهُمْ لِخَبَرِ: «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ بَلْ يَصْرِفُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ كَالْعَصَبَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ (فَيَضَعُ الْإِمَامُ تَرِكَتَهُ) أَوْ بَاقِيَهَا (فِي بَيْتِ الْمَالِ) إرْثًا لِتَعَذُّرِ إيصَالُهَا لِجَمِيعِهِمْ (أَوْ يَخُصُّ بِهَا مَنْ يَرَى) مِنْهُمْ لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ بِصِفَةٍ وَهِيَ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، وَكَالزَّكَاةِ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ زَكَاةَ شَخْصٍ وَيَدْفَعَهَا إلَى وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي أَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَيُعْطِي ذَلِكَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (لَا الْمُكَاتَبِينَ) وَلَا كُلِّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ (وَ) لَا (الْكُفَّارِ وَ) لَا (الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِوَارِثِينَ (فَإِنْ أَسْلَمُوا أَوْ عَتَقُوا بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ إعْطَاؤُهُمْ) وَكَذَا مَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ بِصِفَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُودِهَا الِاقْتِرَانُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى مَنْ طَرَأَ فَقْرُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ) بِشَيْءٍ (فَأُعْطِيَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَتْرُوكِ شَيْئًا (بِالْوَصِيَّةِ جَازَ أَنْ يُعْطَى) مِنْهُ (أَيْضًا بِالْإِرْثِ) فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ الْمُعَيَّنِ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ لِغِنَاهُ بِوَصِيَّةِ الشَّرْعِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] عَنْ وَصِيَّةِ غَيْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ نَاسِخَةٌ لِوَصِيَّةِ الْمَرِيضِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِإِجَازَةٍ وَأَمَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ وَصِيَّةُ الشَّرْعِ حَتَّى يَمْتَنِعَ بِسَبَبِهَا وَصِيَّةُ الْمَرِيضِ.
(فَصْلٌ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ) فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (سِتَّةٌ: النِّصْفُ وَالرُّبْعُ، وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ) وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ زِيَادَتِهِ بِالنِّصْفِ وَنِصْفِهِ وَنِصْفِ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَيْنِ وَنِصْفِهِمَا، وَنِصْفِ نِصْفِهِمَا، وَالضَّابِطُ الْأَخْصَرُ الرُّبُعُ، وَالثُّلُثُ وَضِعْفُ كُلٍّ وَنِصْفُ كُلٍّ وَلَهُمْ لَفْظَانِ آخَرَانِ ذَكَرْتُهُمَا مَعَ فَوَائِدَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ (فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ: الزَّوْجُ) بِشَرْطِهِ الْآتِي؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: ١٢] وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ إجْمَاعًا أَوْ لَفْظُ الْوَلَدِ يَشْمَلُهُمَا إعْمَالًا لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ) بِشَرْطِهِمَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبِنْتِ: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] وَبِنْتُ الِابْنِ كَالْبِنْتِ بِمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الِابْنِ (وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ) بِشَرْطِهِمَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: فَلِكَوْنِهَا قُرْبَةً. . . إلَخْ) وَلِكَوْنِهَا الضِّعَافَ غَالِبًا (قَوْلُهُ: فَتَدْخُلُ الْوَصَايَا بِالثُّلُثِ وَبِبَعْضِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»
[فَصْلٌ أَسْبَابُ التَّوْرِيثِ أَرْبَعَةٌ]
(فَصْلٌ: أَسْبَابُ التَّوْرِيثِ أَرْبَعَةٌ) : (قَوْلُهُ: قَرَابَةٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ) فَيَرِثُ الْمُعْتَقُ الْعَتِيقَ، وَلَا عَكْسَ وَالْأَوَّلَانِ يُورَثُ بِهِمَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَيُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ زَوْجَتِي فَسَكَتَتْ فَإِنْ مَاتَ وَرَثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا قَالَ: وَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَيُورَثُ بِهَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ إلَّا فِي صُوَرِ أَوْلَادِ الْأَخِ يَرِثُونَ عَمَّتَهُمْ، وَلَا تَرِثهُمْ وَابْنُ الْعَمِّ يَرِثُ بِنْتَ عَمِّهِ وَلَا تَرِثُهُ وَالْعَمُّ يَرِثُ بِنْتَ أَخِيهِ وَلَا تَرِثُهُ وَالْجَدَّةُ تَرِثُ وَلَدَ بِنْتِهَا وَلَا يَرِثُهَا وَمَنْ جَرَحَ مُوَرِّثَهُ لَمْ يَرِثْهُ وَلَوْ مَاتَ أَوْلَادُ وَرَثَةِ الْمَجْرُوحِ (قَوْلُهُ: وَجِهَةُ الْإِسْلَامِ فَالْمُسْلِمُونَ إلَخْ) فَلَا يَخْتَصُّ بِمِيرَاثِ أَهْلِ بَلْدَةٍ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَيَجُوزُ بِنَاءُ الْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ مِنْهُ وَسَائِرِ الْمَصَالِحِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا وَارِثَ لَهُ صَحَّتْ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمْ تَصِحَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَارِثَ الْجِهَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِمَامِ بِأَنْ يَمْلِكَ ابْنَةَ عَمِّهِ وَيُعْتِقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَمُوتَ فَهُوَ زَوْجُهَا، وَابْنُ عَمِّهَا وَمُعْتِقُهَا، وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ أَيْ: لِأَنَّ الْوَارِثَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِيهِ.
[فَصْلٌ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ]
(قَوْلُهُ: فِي كِتَابِ اللَّهِ) أَخْرَجَ بِهِ ثُلُثَ مَا يَبْقَى فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ إذَا كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَفِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ، أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا مُقَدَّرَةً أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَنْقُصُ عَنْهَا بِسَبَبِ الْعَوْلِ (قَوْلُهُ: النِّصْفُ) مُثَلَّثُ النُّونِ (قَوْلُهُ: وَلَهُمْ لَفْظَانِ آخَرَانِ ذَكَرْتُهُمَا. . إلَخْ) أَيْ أَوْ الثُّمُنُ وَالسُّدُسُ وَضِعْفُهُمَا وَضِعْفُ ضِعْفِهِمَا أَوْ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَرُبُعُهُ وَفِي الثُّلُثَيْنِ كَذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السِّتَّةِ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَ النِّصْفَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَالرُّبُعَ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَالثُّمُنَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَكُلًّا مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَالسُّدُسَ فِي ثَلَاثَةٍ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ. . إلَخْ) وَاحْتَرَزَ بِوَلَدِ الِابْنِ عَنْ وَلَدِ الْبِنْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنْ وَرِثْنَا ذَوِي الْأَرْحَامِ (قَوْلُهُ: إعْمَالًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ) أَوْ قِيَاسًا كَمَا فِي الْإِرْثِ وَالتَّعْصِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute