للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمُرَادُ بَلَدُ الْوَقْفِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ أَطْمَاعَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِبَلَدِ الْوَقْفِ (لَا مَكْفِيٌّ بِأَبٍ، أَوْ زَوْجٍ وَيَدْخُلُ) فِيهِ (أَرْبَابُ صَنَائِعَ تَكْفِيهِمْ وَلَا مَالَ لَهُمْ) فَيُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ السُّبْكِيُّ: لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَمَّ بِالْحَاجَةِ لَا بِالْفَقْرِ وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى الزَّكَاةِ وَهُنَا بِاسْمِ الْفَقْرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بِدَلِيلِ خَبَرِ «لَا حَقَّ فِيهَا - أَيْ الزَّكَاةِ - لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ يَكْتَسِبُ» وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفِيِّ بِأَبٍ، أَوْ زَوْجٍ بِأَنَّ الِاكْتِسَابَ فِيهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْأَخْذِ مِنْ الْآخَرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ وَغَيْرَهُمَا سَوَّوْا بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الدُّخُولِ.

(وَلَوْ نَبَتَتْ شَجَرَةٌ بِمَقْبَرَةٍ فَثَمَرَتُهَا مُبَاحَةٌ) لِلنَّاسِ تَبَعًا لِلْمَقْبَرَةِ (وَصَرْفُهَا إلَى) مَصَالِحِ (الْمَقْبَرَةِ أَوْلَى) مِنْ تَبْقِيَتِهَا لِلنَّاسِ (لَا ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ) غُرِسَتْ (لِلْمَسْجِدِ) فِيهِ فَلَيْسَتْ مُبَاحَةً بِلَا عِوَضٍ (بَلْ يَصْرِفُ الْإِمَامُ عِوَضَهَا لِمَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِمَامِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَاظِرٌ خَاصٌّ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ الشَّجَرَةُ عَنْ مِلْكِ غَارِسِهَا هُنَا بِلَا لَفْظٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَخَرَجَ بِغَرْسِهَا لِلْمَسْجِدِ غَرْسُهَا مُسَبَّلَةً لِلْأَكْلِ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا بِلَا عِوَضٍ وَكَذَا أَنْ جُهِلَتْ نِيَّتُهُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ (وَتُقْلَعُ) الشَّجَرَةُ (مِنْهُ إنْ رَآهُ) الْإِمَامُ (بَلْ إنْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ فَلِلْإِمَامِ قَلْعُهَا، وَإِنْ أَدْخَلَهَا) الْوَاقِفُ (فِي الْوَقْفِ) بِأَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ مَسْجِدًا وَوَقَفَ الشَّجَرَةَ وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ اسْتِتْبَاعًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْعَلُ مَسْجِدًا وَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مَحَلُّهُ فِي وُقُوفِ الْأَرْضِ غَيْرَ مَسْجِدٍ فَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ هُنَا تَفْرِيغُ الْأَرْضِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، وَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْهَا مِنْ لُزُومِهِ لَهُ سَهْوٌ.

(وَيَجُوزُ وَقْفُ سُتُورٍ لِجُدْرَانِ الْمَسْجِدِ) قَالَ الْغَزَالِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَرِيرًا أَمْ لَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَفِيهِ مَيْلٌ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتْوَى غَيْرِ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ بِأَمْرٍ مُبْتَدَعٍ وَلِشَغْلِ قَلْبِ الْمُصَلِّي وَلَعَلَّ الْفِتْنَةَ بِهِ أَشَدُّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَقِيَاسُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْكَعْبَةِ بَعِيدٌ (فَإِنْ وَقَفَ) عَلَى دُهْنٍ (لِإِسْرَاجِ الْمَسْجِدِ) بِهِ (أُسْرِجَ كُلَّ اللَّيْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُغْلَقًا مَهْجُورًا) بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ فِيهِ مِنْ مُصَلٍّ وَنَائِمٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ أَنْشَطُ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُغْلَقًا مَهْجُورًا لَمْ يُسْرَجْ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَصَابِيحِ فِيهِ احْتِرَامًا لَهُ وَتَنْزِيهًا عَنْ وَحْشَةِ الظُّلْمَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِغْلَاقُ قَيْدًا بَلْ يَكْفِي أَنْ لَا يُتَوَقَّعَ حُضُورُ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ انْتِفَاعًا جَائِزًا.

(كِتَابُ الْهِبَةِ)

أَيْ مُطْلَقِهَا (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) هِبَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَصَدَقَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] وَقَوْلُهُ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] الْآيَةَ، وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ فِيهَا وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفَهَا وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَوْ دُعِيتُ إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ» ، وَالْكُرَاعُ قِيلَ كُرَاعُ الْغَمِيمِ وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَمَامَ عُسْفَانَ بِثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ جَبَلٌ أَسْوَدُ فِي طَرَفِ الْحَرَّةِ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَرَجَّحَا أَنَّهُ كُرَاعُ الْغَنَمِ أَيْ طَرَفُ رِجْلِهَا كَمَا أَنَّ ذِرَاعَهَا طَرَفُ يَدِهَا وَهُوَ أَكْثَرُ لَحْمًا مِنْ الْكُرَاعِ وَأَهْلُ الْعُرْفُ يُعَبِّرُونَ بِالْكَارِعِ وَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا (الْهِبَةُ) بِلَا ثَوَابٍ (تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ) فِي الْحَيَاةِ هَذَا تَعْرِيفٌ لِمُطْلَقِ الْهِبَةِ لَا لِلْهِبَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: لَا مَكْفِيٌّ بِأَبٍ) مِثْلُهُ سَائِرُ الْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ.

(تَنْبِيهٌ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْقُرَّاءِ وَيُصْرَفُ إلَى كُلِّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ حَافِظًا لَهُ أَوْ لَا وَلَا يُصْرَفُ إلَى مَنْ قَرَأَ بَعْضَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ مَنْ قَرَأَ قُرْآنًا فَيُصْرَفَ إلَى مَنْ قَرَأَ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ وَلَوْ قَالَ عَلَى حُفَّاظِ الْقُرْآنِ لَمْ يُعْطَ مَنْ نَسِيَهُ بَعْدَ حِفْظِهِ.

(قَوْلُهُ: وَتُقْطَعُ مِنْهُ إنْ رَآهُ) قَالَ السُّبْكِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَفْتَيْت بِبُطْلَانِ وَقْفِ خِزَانَةِ كُتُبٍ وَقَفَهَا وَاقِفٌ لِتَكُونَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فِي مَدْرَسَةِ الصَّاحِبِ بِمِصْرَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِمُقْتَضَى الْوَقْفِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَظِيرُهُ إحْدَاثُ مِنْبَرٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ جُمُعَةٌ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إحْدَاثُ كُرْسِيِّ مُصْحَفٍ مُؤَبَّدٍ يُقْرَأُ فِيهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَالْعَجَبُ مِنْ قُضَاةٍ يُثْبِتُونَ وَقْفَ ذَلِكَ شَرْعًا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَرِيرًا أَمْ لَا) وَحَيْثُ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لِسُتُورِهِ وَكَانَتْ حَرِيرًا بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا فِي مَصَالِحِهِ (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّقْشِ إلَخْ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي السُّتُورِ تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ وَبِأَنَّ صَرْفَ رِيعِهِ عَلَى شِرَائِهَا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ بِخِلَافِ النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[كِتَابُ الْهِبَةِ]

[أَنْوَاعُ الْهِبَةِ]

(كِتَابُ الْهِبَةِ)

أَصْلُهَا مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ أَيْ مُرُورِهِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْوِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا مِنْ هَبَّ مِنْ نَوْمِهِ إذَا اسْتَيْقَظَ وَكَأَنَّ فَاعِلَهَا قَدْ اسْتَيْقَظَ لِلْإِحْسَانِ.

(قَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] وقَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَهِيَ مِنْ الْبِرِّ (قَوْلُهُ: وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ إلَخْ) وَالْأَحَادِيثُ، وَالْآثَارُ فِي الْهَدَايَا كَثِيرَةٌ فِي الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ تَحَابُّوا فَقِيلَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْمَحَبَّةِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْمُحَابَاةِ قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تَذْهَبُ بِالضَّغَائِنِ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصُّدُورِ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ - غِشُّهُ وَوَسْوَاسُهُ وَقِيلَ الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ وَقِيلَ الْعَدَاوَةُ وَقِيلَ أَشَدُّ الْبُغْضِ (قَوْلُهُ: فِي الْحَيَاةِ) زَادَ الْبُلْقِينِيُّ " غَيْرُ وَاجِبٍ " لِيُخْرِجَ الْوَاجِبَ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ فَلَا تُسَمَّى هِبَةً. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَنَحْوَهَا لَا تَمْلِيكَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمُزَكِّي وَالْمُكَفِّرِ وَالنَّاذِرِ بَلْ هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>