للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ تَصْحِيحِ إنَّهُ كِنَايَةٌ وَمِنْ هُنَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا فِي الرَّوْضَةِ إلَى مَا قَالَهُ.

وَزَعَمَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ بِمَالٍ وَبِدُونِهِ وَإِنَّ أَكْثَرَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ (وَيُلْزِمُهَا بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ بِلَا مَالٍ (مَعَ الْقَبُولِ) مِنْهَا بَعْدَ إضْمَارِهِ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا (مَهْرُ الْمِثْلِ) لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِجَرَيَانِ الْخُلْعِ بِعِوَضٍ فَيَرْجِعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ كَالْخُلْعِ بِمَجْهُولٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ خَالَعَ بِخَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالنِّكَاحِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْخُلْعُ مَعَ الزَّوْجَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يَجِبُ مَهْرٌ بَلْ تَطْلُقُ مَجَّانًا وَكَذَا لَوْ خَالَعَ مَعَهُ بِخَمْرٍ أَوْ مَغْصُوبٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَيْتَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاخْتِلَاعِ مَعَهُ وَلَوْ نَفَى الْعِوَضَ فَقَالَ خَالَعْتكِ بِلَا عِوَضٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِنْ قَبِلَتْ وَأَضْمَرَ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ خَالَعْتكِ وَلَمْ يُضْمِرْ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَإِنْ أَجَابَتْهُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَمَحَلُّ صَرَاحَتِهِ إذَا قَبِلَتْ وَأَضْمَرَ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا (وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى صَدَاقِهَا) أَوْ عَلَى بَقِيَّتِهِ (وَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) كَمَا لَوْ تَخَالَعَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِوُقُوعِهِ رَجْعِيًّا فِي الْخُلْعِ بِدَمٍ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الدَّمَ لَا يُقْصَدُ كَمَا سَيَأْتِي فَذِكْرُهُ صَارِفٌ لِلَّفْظِ عَنْ الْعِوَضِ بِخِلَافِ خُلْعِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ عَلَى مَا فِي كَفِّهَا وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالسُّكُوتِ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْنُونَةَ وَوُجُوبَ الْمَهْرِ.

(فَصْلٌ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِالْعَجَمِيَّةِ) كَالْعَرَبِيَّةِ (وَالْهَزْلُ) كَالطَّلَاقِ هَزْلًا (وَ) لَفْظُ (بِعْتُك نَفْسَك وَأَقَلْتُك إيَّاهَا بِكَذَا مَعَ الْقَبُولِ فَوْرًا كِنَايَةٌ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَبُولُ فَوْرًا (وَكَذَا) قَوْلُ الزَّوْجِ (بِعْتُك طَلَاقَك بِكَذَا أَوْ) قَوْلُ الزَّوْجَةِ (بِعْتُك ثَوْبِي) مَثَلًا (بِطَلَاقِي) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كِنَايَةٌ (بِشَرْطِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا) كَبِعْتُكِ نَفْسَك إلَّا أَنْ يُجِيبَ الْقَابِلُ بِقَبِلْتُ فَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ.

(فَرْعٌ إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ خَالَعْتكِ عَلَيْهِ أَوْ عَكَسَا) فَقَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ طَلَّقْتُك عَلَيْهِ (نَفَذَ) وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ كَمَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ سَرَّحْتُك عَلَيْهِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ) أَيْ الزَّوْجُ شَخْصًا (فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ بِعِوَضٍ) بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ بِلَفْظِ الْخُلْعِ (لَمْ يَنْفُذْ فِيمَنْ تُتَصَوَّرُ رَجْعَتُهُ) بِأَنْ يَكُونَ دَخَلَ بِهَا وَبَقِيَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ الرَّجْعَةَ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ لَا تُتَصَوَّرُ رَجْعَتُهُ فَيَنْفُذُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ فِي الْأُولَى عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ فَفِي نُفُوذِهِ احْتِمَالَانِ لِأَنَّهُ حَصَلَ غَرَضُهُ مَعَ فَائِدَةٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْ التَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ فَالتَّرْجِيحُ فِيهَا أَخْذًا مِنْ الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْوَكِيلُ الزَّوْجَ فِي الْعَدَدِ فَإِنْ خَالَفَهُ فِيهِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي الْبَابِ الثَّانِي فَاسْتِدْرَاكُ الْمُهِمَّاتِ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ الْقَفَّالِ وَإِنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنْ أَرَادَ بِكَلَامِ الْقَفَّالِ مُقْتَضَاهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ فَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُقْتَضَاهُ.

(فَصْلٌ الْخُلْعُ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَبْدَأَ) الزَّوْجُ (بِطَلَاقِهَا عَلَى عِوَضٍ) فَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لِأَخْذِهِ مُقَابِلَ مِلْكِهِ وَفِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ لِتَرَتُّبِ الطَّلَاقِ عَلَى قَبُولِ الْمَالِ أَوْ بَدَلِهِ كَمَا يَتَرَتَّبُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ عَلَيْهَا ثُمَّ قَدْ يَغْلِبُ مَعْنَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ يُرَاعَى كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الصِّيَغُ فَإِنْ أَتَى بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ (كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَتَغْلِبُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَبُولِ) مِنْهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُعَاوَضَاتِ (وَيُشْتَرَطُ قَبُولٌ) مِنْهَا وَلَوْ بِكِنَايَةٍ (مُطَابِقٌ) لِإِيجَابِهِ (فَوْرًا) أَيْ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَلَوْ تَخَلَّلَ زَمَنٌ أَوْ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَمْ يَنْفُذْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ لِمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الرَّاجِحُ نَقْلًا وَدَلِيلًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَمِنْ هُنَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا فِي الرَّوْضَةِ إلَى مَا قَالَهُ) قَدْ حَاوَلَ الشَّيْخُ أَبُو زُرْعَةَ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُحَرَّرِ بِحَمْلِ مَا فِيهِمَا مِنْ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا جَرَى الْخُلْعُ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْمَالِ عَلَى مَا إذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ نِيَّةُ الطَّلَاقِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ إذْ لَيْسَ فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ صَرِيحُ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا فِي الرَّوْضَةِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُعْتَمَدَ (أَنْ) لِأَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَلْفَاظٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا أَوْ مِنْ أَصْلِنَا انْحِصَارُهَا فِي ثَلَاثٍ.

(قَوْلُهُ فَمَحَلُّ صَرَاحَتِهِ إذَا قَبِلَتْ وَأَضْمَرَ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَالْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى صَدَاقِهَا إلَخْ) قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ لَوْ قَالَ خَالَعْتكِ بِمَا لَك عَلَيَّ مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ بِمَا بَقِيَ لَك مِنْهُ فَقَالَتْ قَبِلْت ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ فَتَقَعُ الْبَيْنُونَةُ وَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مَا طَلَّقَهَا مَجَّانًا بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِأَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقِهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا اهـ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ عِلْمِ الزَّوْجِ وَجَهْلِهِ وَهُوَ الْحَقُّ وَيُؤَيِّدُهُ بَحْثُ الرَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَالَعَةِ عَلَى مَا فِي كَمِّهَا قَالَ شَيْخُنَا بَنَاهُ عَلَى رَأْيِهِ فِيهَا وَإِلَّا فَالْمُرَجَّحُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَمِّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا فَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا كَاتِبُهُ.

[فَصْلٌ الْخُلْعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ النِّيَّةِ]

(قَوْلُهُ فَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ نِيَّةُ الْقَابِلِ أَمَّا الْمُبْتَدِئُ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ

[فَرْعٌ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ خَالَعْتكِ عَلَيْهِ أَوْ عَكَسَا]

(قَوْلُهُ فِيمَا لَا تُتَصَوَّرُ رَجْعَتُهُ) أَيْ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (قَوْلُهُ فَيَنْفُذُ فِي الصُّورَتَيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ بِلَفْظِ الْخُلْعِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ

[فَصْلٌ الْخُلْعُ قِسْمَانِ]

[الْقِسْم الْأَوَّلُ أَنْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا عَلَى عِوَضٍ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ أَيْ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ) وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الِارْتِبَاطُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ قَبُولَ الْخَرْسَاءِ بِإِشَارَتِهَا الْمُفْهِمَةِ بِخِلَافِ قَوْلِ أَصْلِهِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا بِاللَّفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>