للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ (وَإِنْ صَالَحَ السَّفِيهُ عَنْ الْقِصَاصِ) الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مُسْتَحَقُّهُ (بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَمْنَعْ) أَيْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَلِيُّ كَمَا يَشْتَرِي لَهُ الطَّعَامَ فِي الْمَخْمَصَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ صِيَانَةً لِرُوحِهِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْعِهِ لَهُ مِنْ عَقْدِ الْجِزْيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ (أَنَّ صَوْنَ الدَّمِ) فِي تِلْكَ (يَحْصُلُ بِالدِّينَارِ) وَصَوْنَ الرُّوحِ لَا يَحْصُلُ فِي هَذِهِ إلَّا بِالزِّيَادَةِ

(وَتُعْقَدُ الذِّمَّةُ لِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى) طَلَبَهَا بِلَا بَذْلِ جِزْيَةٍ (وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا) أَمَّا فِي الْمَرْأَةِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا فِي الْخُنْثَى فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيُعْلِمُهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا (وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمَا الْتِزَامَ الْأَحْكَامِ) وَذِكْرُ الْعَقْدِ لِلْخُنْثَى مَعَ اشْتِرَاطِ الِالْتِزَامِ عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِهِ

(وَتُسْتَرَقُّ) الْمَرْأَةُ (إنْ دَخَلَتْ) دَارَنَا (بِلَا أَمَانٍ وَنَحْوِهِ) كَطَلَبِ أَمَانٍ (كَالصَّبِيِّ) وَنَحْوِهِ (وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ فِيهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (حَالَ الْقِتَالِ) مِنْ قَتْلٍ وَاسْتِرْقَاقٍ وَغَيْرِهِمَا (يَفْعَلُهُ بِمَنْ دَخَلَ) دَارَنَا (بِلَا أَمَانٍ) وَنَحْوِهِ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ

(وَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى) الْمَعْقُودُ لَهُ الْجِزْيَةُ (ذَكَرًا طَالَبْنَاهُ) بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى كَمَا مَرَّ إذْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ الْجِزْيَةُ

(وَإِنْ حَاصَرْنَا قَلْعَةً) مَثَلًا أَيْ أَهْلَهَا (فَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَنْ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ نُصَالِحْهُمْ) فَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِيهَا (إلَّا نِسَاءٌ وَطَلَبْنَ الْعَقْدَ بِالْجِزْيَةِ فَفِي قَوْلٍ تُعْقَدُ لَهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُنَّ يَحْتَجْنَ إلَى صِيَانَةِ أَنْفُسِهِنَّ عَنْ الرِّقِّ كَمَا يَحْتَاجُ الرِّجَالُ إلَى الصِّيَانَةِ عَنْ الْقَتْلِ فَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِنَّ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَلَا يُسْتَرْقَقْنَ (وَلَا يَلْزَمُهُنَّ الْمَالُ) أَيْ الْجِزْيَةُ (فَإِنْ بَذَلْنَهَا جَاهِلَاتٍ) بِلُزُومِهَا (رُدَّتْ عَلَيْهِنَّ) ؛ لِأَنَّهُنَّ دَفَعْنَهَا عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ (فَإِنْ عَلِمْنَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُنَّ) الْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُنَّ فَبَذَلْنَهَا (فَهِيَ هِبَةٌ تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ بِالْإِذْنِ) وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِذْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَفِي قَوْلٍ) لَا تُعْقَدُ لَهُنَّ بَلْ (يُسْبَيْنَ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ لِقَطْعِ الْحَرْبِ وَلَا حَرْبَ فِيهِنَّ فَإِنْ عُقِدَ لَهُنَّ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُنَّ حَتَّى يَرْجِعْنَ إلَى الْقَلْعَةِ فَإِذَا فَتَحْنَهَا سَبَاهُنَّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُنَّ جِزْيَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ أَخْذُ الْتِزَامٍ (فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ) فِي الْقَلْعَةِ (رَجُلٌ وَبَذَلَ الْجِزْيَةَ) جَازَ وَ (عَصَمَهُنَّ) مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا أَطْلَقَهُ مُطْلِقُونَ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِمَا إذَا كُنَّ مِنْ أَهْلِهِ، وَهُوَ حَسَنٌ

(فَرْعٌ يَدْخُلُ فِي) عَقْدِ (الذِّمَّةِ) لِلْكَافِرِ (الْمَالُ حَتَّى الْعَبْدُ وَكَذَا زَوْجَةٌ وَطِفْلٌ) وَمَجْنُونٌ لَهُ وَسَائِرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ دُخُولُهُمْ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَأْمَنُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهَا فَبَذْلُهُ الْجِزْيَةَ إنَّمَا هُوَ لِعِصْمَتِهَا فَيَحْرُمُ إتْلَافُهَا، وَعَلَى مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْهَا غَيْرَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا الضَّمَانُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إتْلَافُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إذَا أَظْهَرَهُمَا وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ (مَنْ اُشْتُرِطَ) دُخُولُهُ مَعَهُ فِيهِ (مِنْ نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ وَمَجَانِينَ) وَخَنَاثَى وَأَرِقَّاءَ (لَهُمْ مِنْهُ قَرَابَةٌ وَعَلَقَةٌ وَلَوْ مُصَاهَرَةً) بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشْتَرَطْ دُخُولُهُ مِنْهُمْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَتْبِعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الضَّبْطِ وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ الْوَافِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الِاسْتِتْبَاعُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ قَالَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ بِشَرْطِ دُخُولِ أَتْبَاعِي فِي الْعَقْدِ وَلَا يُعَيِّنُهُمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِلَّا فَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى. نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ

(فَرْعٌ) لَوْ (صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ مِنْ مَالِهِمْ عَنْ) مَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ مِنْ (النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) وَالْمَجَانِينِ سِوَى مَا يُؤَدُّونَهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ (جَازَ) وَكَأَنَّهُمْ قَبِلُوا جِزْيَةً كَثِيرَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوهَا مِنْ مَالِ الْمَذْكُورِينَ إلَّا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ إنْ أَذِنَ لَهُمْ فَهُمْ وُكَلَاءُ عَنْهُنَّ وَفِي بَذْلِهِنَّ لَهَا مَا مَرَّ

[فَصْلٌ لَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ إلَّا لِأَهْلِ الْكتاب]

(فَصْلٌ لَا تُعْقَدُ) الْجِزْيَةُ (إلَّا لِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (أَوْ مَجُوسِيٍّ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ وَقَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» ؛ وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ (وَكَذَا مَنْ زَعَمَ التَّمَسُّكَ) تَبَعًا لِتَمَسُّكِ أَبِيهِ (بِالزَّبُورِ) أَيْ بِزَبُورِ دَاوُد (وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ، وَإِنْ صَالَحَ السَّفِيهُ عَنْ الْقِصَاصِ إلَخْ) مُفَادَاتُهُ نَفْسَهُ كَذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا الظَّاهِرُ أَنَّ مُفَادَاتَهُ نَفْسُهُ بِالْمَالِ كَذَلِكَ

(قَوْلُهُ وَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى الْمَعْقُودُ لَهُ إلَخْ) أَفَادَ الشَّارِحُ بِمَا قَرَّرَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَجَوَابُهُ أَمَّا الِاعْتِرَاضُ، فَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَ الْجِزْيَةِ الْقَبُولُ، وَهَذَا حَرْبِيٌّ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا وَذَلِكَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هُنَا بَلْ أَوْلَى لِتَحَقُّقِ الْأَهْلِيَّةِ هُنَاكَ، وَأَمَّا الْجَوَابُ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَدْ تُصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ هُنَا بِأَنَّهُ صَدَرَ مَعَهُ عَقْدٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِظُهُورِ حَالِهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِخُنْثَيَيْنِ ثُمَّ بَانَا رَجُلَيْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُنْثَى إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ وَمَا يُتْلِفُهُ عَلَيْنَا مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ لَا يَضْمَنُهُ بِخِلَافِ الْخُنْثَى فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ وَأَقَامَ جَهْرَةً وَالْتَزَمَ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فَلَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَرَضَ أَنَّ الْخُنْثَى أَقَامَ خَفِيَّةً إلَى أَنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِ فَبَانَتْ ذُكُورَتُهُ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ كَالْحَرْبِيِّ الْمَذْكُورِ وَأَوْلَى قس قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ الْخُنَاثَى: لَا تُعْقَدُ لِلْخُنْثَى الذِّمَّةُ وَيُعْقَدُ لَهُ الْأَمَانُ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ فَإِذَا أَمِنَ وَدَامَ سِنِينَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَيَسْتَأْنِفُ مَعَهُ عَقْدُ الذِّمَّةِ

(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَرْعٌ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لِلْكَافِرِ الْمَالُ حَتَّى الْعَبْدُ وَسَائِرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ]

(قَوْلُهُ قَالَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالشَّرْطِ وَنَحْوِهِمَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ) الظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَاغْتُفِرَ اشْتِرَاطُ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَقَةٌ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْتِزَامِهِ الْمَالَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>