للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَكْفِي إحْيَاؤُهُمَا بِالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَلَا بِالْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ إذْ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْحَجِّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ فَكَانَ بِهِ إحْيَاؤُهَا، وَذِكْرُ الْعُمْرَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ.

(وَعَلَى الْمُوسِرِ إذَا اخْتَلَّ بَيْتُ الْمَالِ) وَلَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ بِسَدِّ حَاجَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ (الْمُوَاسَاةُ) لَهُمْ (بِإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَسَتْرِ الْعَارِي) مِنْهُمْ وَنَحْوِهِمَا (بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ سَنَةً) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ» وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْعَارِي أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهَلْ يَكْفِي سَدُّ الضَّرُورَةِ أَمْ يَجِبُ تَمَامُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ، فِيهِ وَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ ذَكَرَ فِي الْأَطْعِمَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ يَجِبُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَإِنَّ ذَاكَ فِي الْمُضْطَرِّ وَهَذَا فِي الْمُحْتَاجِ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ.

(وَمِنْهَا) أَيْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ (الصِّنَاعَاتُ وَالْحِرَفُ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحِرَاثَةِ وَالْحِجَامَةِ وَالْكَنْسِ (لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا وَالْحِرَفُ الصِّنَاعَاتُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَعَطَفَهَا عَلَيْهَا كَعَطْفِ رَحْمَةٌ عَلَى صَلَوَاتٌ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٥٧] وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّنَاعَاتُ هِيَ الْمُعَالَجَاتُ كَالْخِيَاطَةِ وَالنِّجَارَةِ وَالْحِرَفِ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ فَتُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى مَنْ يَتَّخِذُ صُنَّاعًا وَيَدِلُّ بِهِمْ وَلَا يَعْمَلُ فَهِيَ أَعَمُّ.

(وَمِنْهَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَاتِ وَأَدَاؤُهَا وَإِعَانَةُ الْقُضَاةِ) عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.

(فَصْلٌ) (الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ) مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ (وَالِانْتِهَاءُ فِيهَا إلَى دَرَجَةِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ) كَمَا سَيَأْتِي فِي أَدَبِ الْقُضَاةِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِمَا مَرَّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢] (وَذَلِكَ) أَيْ الْقِيَامُ بِمَا ذُكِرَ وَاجِبٌ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ وَاجِدٍ لِلْقُوتِ) وَلِسَائِرِ مَا يَكْفِيه (لَيْسَ بِبَلِيدٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى أَضْدَادِهِمْ.

(وَفِي) سُقُوطِ ذَلِكَ بِقِيَامِ (الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ) بِهِ (تَرَدُّدٌ) أَيْ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ وَالْأَوْجَهُ السُّقُوطُ مِنْ حَيْثُ الْفَتْوَى.

(وَيَلْزَمُ) ذَلِكَ (الْفَاسِقَ) كَغَيْرِهِ (وَلَا يَسْقُطُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ وَلَا قَضَاؤُهُ.

(وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِلْمُ الْكَلَامِ) أَيْ تَعَلُّمُهُ (لِرَدِّ الْمُبْتَدِعَةِ) وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَغُّلِ فِيهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ بَقِيَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا الِاشْتِغَالَ بِهِ كَمَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ الصَّحَابَةُ.

(وَيَتَعَيَّنُ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (السَّعْيُ فِي إزَالَةِ شُبْهَةٍ أَوْرَثَهَا) أَيْ أَدْخَلَهَا (بِقَلْبِهِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَدِلَّةَ الْمَعْقُولِ.

(وَمِنْهَا الطِّبُّ) الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ الْأَبَدَانِ (وَالْحِسَابُ) الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ (لِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ) وَالْوَصَايَا وَلِلْمُعَامَلَاتِ (وَأُصُولُ الْفِقْهِ وَالنَّحْوُ وَاللُّغَةُ وَالتَّصْرِيفُ وَأَسْمَاءُ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقُهُمْ وَالتَّعْلِيمُ) لِمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ (وَالْإِفْتَاءُ) وَقَوْلُهُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.

(فَإِنْ اُحْتِيجَ فِي التَّعْلِيمِ إلَى جَمَاعَةٍ لَزِمَهُمْ) .

(وَيَجِبُ لِكُلِّ مَسَافَةِ قَصْرٍ مُفْتٍ) لِئَلَّا يَحْتَاجَ الْمُسْتَفْتِي إلَى قَطْعِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَنْ قَاضٍ بِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَتَكَرُّرِهَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِنْ كَثِيرِينَ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاءِ فِي الْوَاقِعَاتِ.

(وَلَوْ لَمْ يُفْتِ) الْمُفْتِي (وَهُنَاكَ مَنْ يُفْتِي) وَهُوَ عَدْلٌ (لَمْ يَأْثَمْ) فَلَا يَلْزَمُ الْإِفْتَاءُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ كَذَلِكَ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَظِيرِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ بِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ بِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ الرِّفْقُ بِالْمُتَعَلِّمِ وَالْمُسْتَفْتِي.

(وَيَتَعَيَّنُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْعُلُومِ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ فس

(قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَّ بَيْتُ الْمَالِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ إلَخْ) أَوْ النُّذُورُ أَوْ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْمَنِينَ) أَيْ وَالْمُعَاهَدِينَ وَصُورَةُ أَخْذِ الْكُفَّارِ مِنْهَا أَنْ يَكُونُوا مُسْتَأْجَرِينَ لِلْعَمَلِ فِيهَا (قَوْلُهُ: بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ) وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْعُمُرَ الْغَالِبَ فِي الزَّكَاةِ وَكَتَبَ شَيْخُنَا أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّينَ فَلَا يُعْتَبَرُ سَنَةً بَلْ يَكْفِي مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ الْحَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ) وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ الْأَطْعِمَةِ وَاضِحٌ

(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الصِّنَاعَاتُ وَالْحِرَفُ) وَعَلَيْهِ حَمْلُ حَدِيثِ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ لِلنَّاسِ»

(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ) يُشْتَرَطُ لِكَوْنِ تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ حُضُورُ الْمُتَحَمِّلِ فَإِنْ دُعِيَ لَهُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي قَاضِيًا أَوْ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ

[فَصْلٌ الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ]

(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة: ١٢٢] الْآيَةَ وَلِخَبَرِ «النَّفَقَةُ فِي الدِّينِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»

(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ السُّقُوطُ مِنْ حَيْثُ الْفَتْوَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْفَقِيهِ الْمُفْتِي بِالْقَاضِي الْمَنْصُوبِ فِي النَّاحِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَرَاجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّدَاعِي وَالتَّنَازُعِ وَالْفَقِيهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ الْعَارِضَةِ لَهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ

(قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَغُّلِ فِيهِ) أَوْ عَلَى التَّعَصُّبِ فِي الدِّينِ وَالْقَاصِرِ عَنْ تَحْصِيلِ الْيَقِينِ وَالْقَاصِدِ إلَى إفْسَادِ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَائِضِ فِيمَا لَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ مِنْ غَوَامِضِ الْمُتَفَلْسِفِينَ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ مِمَّا هُوَ أَصْلُ الْوَاجِبَاتِ وَأَسَاسُ الْمَشْرُوعَاتِ

(قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ) هُوَ خَبَرٌ (قَوْلُهُ وَالتَّعْلِيمُ وَالْإِفْتَاءُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>