للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ (فَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ وَالسَّيِّدُ (فِي) قَدْرِ (قِيمَةُ الْعَبْدِ صُدِّقَتْ الْعَاقِلَةُ بِيَمِينِهَا) ؛ لِأَنَّهَا الْغَارِمَةُ (وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ) قَدْرَ (دِيَتَيْنِ أُخِذَتْ فِي سِتِّ سِنِينَ) فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ.

(وَ) تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ (بَعْضَ جِنَايَةِ الْمُبَعَّضِ) أَيْ تَحْمِلُ مِنْ دِيَةِ قَتِيلِهِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ (وَ) تَحْمِلُ (طَرَفَهُ) أَيْ طَرَفَ الْمُبَعَّضِ أَيْ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ طَرَفُ الْعَبْدِ (وَيُوَزَّعُ كُلُّ الْوَاجِبِ، وَلَوْ نِصْفَ دِينَارٍ) عَلَى الْعَاقِلَةِ هَذَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ فَلَوْ كَثُرَ، وَأَنْقَصَ (، وَلَا تَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ كَغَيْرِهِمَا (وَأَمَّا الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (فَهَدَرٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ.

[فَصْلٌ تُؤَجَّلُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَالْجَانِي]

(فَصْلٌ: تُؤَجَّلُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ) عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَبَيْتِ الْمَالِ وَالْجَانِي؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي مُوَاسَاةً كَالزَّكَاةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْجَانِي (ثَلَاثَ سِنِينَ) كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَعَزَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى قَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (، وَمَا نَقَصَ) عَنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ (كَدِيَةِ الْمَرْأَةِ) وَالذِّمِّيِّ (أَوْ زَادَ) عَلَيْهَا (كَأَرْشِ الْأَطْرَافِ) كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ (فَفِي كُلِّ سَنَةٍ) يَجِبُ (قَدْرُ ثُلُثِ) الدِّيَةِ (الْكَامِلَةِ) تَوْزِيعًا لَهَا عَلَى السِّنِينَ الثَّلَاثِ، وَعَبَّرَ بِقَدْرٍ لِيُفِيدَ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْأَجَلِ إلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ لَا إلَى بَدَلِ النَّفْسِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا، وَلَا نَقْصَ عَنْ السَّنَةِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْفَوَائِدَ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَاعْتُبِرَ مُضِيُّهَا لِيَجْتَمِعَ عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ فَيُوَاسُونَ عَنْ تَمَكُّنٍ.

(فَإِنْ زَادَ) الْوَاجِبُ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ (شَيْئًا) ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثُلُثَيْهَا (أُجِّلَ) لِلزَّائِدِ (سَنَةً) ثَانِيَةً، وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ ثُلُثَيْهَا شَيْئًا، وَلَمْ يُجَاوِزْ الدِّيَةَ أُجِّلَ لِلزَّائِدِ سَنَةً ثَالِثَةً، وَهَكَذَا.

(وَلَوْ قَتَلَ) وَاحِدٌ (جَمَاعَةً فَثُلُثٌ) مِنْ كُلِّ دِيَةٍ (قِسْطُ كُلِّ سَنَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ، وَمُسْتَحِقُّوهُ مُخْتَلِفُونَ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ بَعْضِهِمْ بِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ (أَوْ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ) مِنْهُمْ (كُلَّ سَنَةٍ ثُلُثُ مَا يَخُصُّهُمْ) كَجَمِيعِ الدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ (وَمَنْ مَاتَ) مِنْ الْعَاقِلَةِ (بَعْدَ الْحَوْلِ لَا قَبْلَهُ لَزِمَ) وَاجِبُهُ (تَرِكَتَهُ) بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ كَالزَّكَاةِ.

[فَصْلٌ لَا يُخَصُّ الْحَاضِرُ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي بَلَدِ الْجِنَايَةِ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ بَلْ وَمِنْ الْغَائِبِ]

(فَصْلٌ: لَا يُخَصُّ الْحَاضِرُ) مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي بَلَدِ الْجِنَايَةِ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ (بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ) أَيْضًا، وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ (كَالدَّيْنِ) وَالتَّنْظِيرُ بِالدَّيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ (كَتَبَ الْقَاضِي) أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْجِنَايَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ بِالْوَاجِبِ (لِلْقَاضِي) أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْعَاقِلَةِ (بِمَا وَجَبَ) بِالْجِنَايَةِ لِيَأْخُذَهُ مِنْهُ (أَوْ) كَتَبَ إلَيْهِ (بِحُكْمِ الْقَتْلِ) أَيْ بِحُكْمِهِ بِهِ (لِيُوجِبَ) أَيْ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ، وَيَأْخُذَهُ مِنْهُ.

[فَصْلٌ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ فِي وَاجِبِ النَّفْسِ فِي تَأْجِيلِ الدِّيَةِ]

(فَصْلٌ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ) فِي وَاجِبِ النَّفْسِ (مِنْ) وَقْتِ (الزُّهُوقِ) لَهَا بِمُزْهِقٍ أَوْ بِسِرَايَةِ جُرْحٍ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَحِلُّ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَكَانَ ابْتِدَاءُ أَجَلِهِ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ (وَفِي) وَاجِبِ (الْجُرُوحِ) الْمُنْدَمِلَةِ (مِنْ) وَقْتِ (الْجِنَايَةِ) ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِهَا (وَيُطَالَبُ) بِالْوَاجِبِ (بَعْدَ الِانْدِمَالِ) لَهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الضَّرْبِ انْدِمَالَهَا، وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ قَبْلَهُ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ فِي الْمُطَالَبَةِ لِتَبَيُّنِ مُنْتَهَى الْجِرَاحَةِ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ لَيْسَ وَقْتَ طَلَبٍ فَلَا يُقَاسُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ بِالْمُطَالَبَةِ فَلَوْ مَضَتْ سَنَةٌ، وَلَمْ تَنْدَمِلْ لَمْ يُطَالَبْ بِوَاجِبِهَا.

(وَ) ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ (فِيمَا سَرَتْ إلَيْهِ) الْجُرُوحُ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ (مِنْ) وَقْتِ (السِّرَايَةِ) لَهَا فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ ثُمَّ سَرَى إلَى كَفِّهِ مَثَلًا فَابْتِدَاءُ مُدَّةِ وَاجِبِ الْأُصْبُعِ مِنْ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْرِ وَوَاجِبُ الْكَفِّ مِنْ سُقُوطِهَا، وَقِيلَ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْوَاجِبَيْنِ مِنْ سُقُوطِ الْكَفِّ، وَقِيلَ مِنْ الِانْدِمَالِ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ.

(الطَّرَفُ الرَّابِعُ: جِنَايَةُ الرَّقِيقِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ) أَيْ وَاجِبُهَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

الْعَمْدِ تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فِي غَيْرِهِ

[فَصْلٌ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْأُرُوشَ وَالْغُرَّةَ وَالْحُكُومَاتِ]

(قَوْله صُدِّقَتْ الْعَاقِلَةُ بِيَمِينِهَا) فَلَوْ صَدَّقَهُ الْجَانِي فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا اعْتَرَفُوا بِهِ فِي مَالِهِ

(قَوْلُهُ: ثَلَاثَ سِنِينَ) ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِهِ كَالزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) أَيْ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِغَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إلَّا تَوْقِيفًا فَإِنْ قِيلَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَصْلًا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَنْ عَرَفَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا يُرَدُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَعْلَمُ الْقَوْمِ بِالْأَخْبَارِ وَالتَّوَارِيخِ (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ) أَيْ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ

(قَوْلُهُ: وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ) ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ مَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ

[الطَّرَفُ الرَّابِعُ جِنَايَةُ الرَّقِيقِ]

(قَوْلُهُ: الطَّرَفُ الرَّابِعُ جِنَايَةُ الرَّقِيقِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ كَأَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ غَيْرُ سَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَرَّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ سُئِلْت عَنْ مُبَعَّضٍ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ، وَهَلْ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ أَمْ لَا، وَمَنْ ذَكَرَهَا؟ . فَأَجَبْت بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّ يَدَ الْمُبَعَّضِ مَضْمُونَةٌ بِرُبْعِ الدِّيَةِ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ الْحُرِّيَّةَ وَرُبْعُ الْقِيمَةُ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ الرِّقَّ فَإِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ سَقَطَ رُبْعُ الدِّيَةِ الْمُقَابِلُ لِلْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا رُبْعُ الْقِيمَةِ الْمُقَابِلُ لِلرِّقِّ فَكَأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ حُرٌّ، وَعَبْدُ السَّيِّدِ فَسَقَطَ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ عَبْدِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ وَبَقِيَ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ الْحُرِّ، وَهُوَ ثَمَنُ الْقِيمَةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى هَذَا الْمُبَعَّضِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ تَحَصَّلَ بِمُهَايَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْهُ مَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا شَيْءَ مَعَهُ بَقِيَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ قُلْته تَفَقُّهًا، وَلَمْ أُرَاجِعْ الْأُمَّهَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ) حَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>