الْمُبَاحُ) وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كَالْحَطَبِ وَالْحَجَرِ أَيْ كُلٌّ مِنْهَا مِلْكٌ (لِمَنْ أَخَذَهُ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكُ كَافِرٍ (فَإِنْ مَلَكُوهُ) أَيْ الْحَرْبِيُّونَ وَلَوْ ظَاهِرًا كَأَنْ وُجِدَ الصَّيْدُ مَوْسُومًا أَوْ مُقَرَّطًا بِأَنْ جُعِلَ الْقُرْطُ فِي أُذُنِهِ أَوْ الْحَشِيشُ مَجْزُوزًا أَوْ الْحَجَرُ مَصْنُوعًا (فَغَنِيمَةٌ) فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ فَهُوَ كَسَائِرِ اللُّقُطَاتِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ.
(وَلَوْ دَخَلَ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ) أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ خُنْثَى مِنْهُمْ (بِلَادَنَا فَأُخِذَ) أَيْ أَخَذَهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَخَذَ ضَالَّةً لِحَرْبِيٍّ مِنْ بِلَادِنَا (كَانَ) الْمَأْخُوذُ (فَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِلَا قِتَالٍ وَمُؤْنَةٍ.
(أَوْ) دَخَلَهَا (رَجُلٌ) حَرْبِيٌّ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ (فَغَنِيمَةٌ) ؛ لِأَنَّ لِأَخْذِهِ مُؤْنَةً وَ (يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ) فَإِنْ اسْتَرَقَّهُ كَانَ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَخَذَهُ بِخِلَافِ الضَّالَّةِ لِمَا مَرَّ.
[فَصْلٌ التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ]
(فَصْلٌ لِلْغَانِمِينَ) قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ لِعُمْرَانِ دَارِ الْإِسْلَامِ (التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (بِأَكْلِ الْقُوتِ وَالْأُدْمِ وَالْفَاكِهَةِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعْتَادُ أَكْلُهُ لِلْآدَمِيِّ عُمُومًا كَالشَّحْمِ وَاللَّحْمِ (وَالْعَلَفِ) لِلدَّوَابِّ (شَعِيرًا وَتِبْنًا) وَنَحْوَهُمَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد الْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «أَصَبْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ طَعَامًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ» وَالْمَعْنَى فِيهِ عِزَّتُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ لَهُ عَنَّا فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ وَقَدْ تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ طَعَامٌ يَكْفِيه أَمْ لَا لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلْحَاقًا لِدَارِهِمْ فِيهِ بِالسَّفَرِ فِي التَّرَخُّصِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّا لَوْ جَاهَدْنَاهُمْ فِي دَارِنَا امْتَنَعَ التَّبَسُّطُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلِّ لَا يَعِزُّ فِيهِ الطَّعَامُ لِمَا سَيَأْتِي (وَيَتَزَوَّدُونَ مِنْهُ) لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ التَّبَسُّطِ وَالتَّزَوُّدِ (بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَوْ) كَانُوا (أَغْنِيَاءَ عَنْهُ) لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ طَعَامَ الْوَلَائِمِ وَهُوَ مُبَاحٌ مُطْلَقًا وَلَوْ أَكَلَ فَوْقَ حَاجَتِهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ (لَا) بِأَكْلِ (الْفَانِيدِ وَالسُّكَّرِ وَالْأَدْوِيَةِ) الَّتِي تَنْدُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا لِنُدُورِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (وَلَا تَوْقِيحِ الدَّوَابِّ) بِالْقَافِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَسْحِهَا (بِالدُّهْنِ) الْمُذَابِ أَيْ الْمَغْلِيِّ كَالْمُدَاوَاةِ (وَلَا إطْعَامِ الْبُزَاةِ وَنَحْوِهَا) كَالصُّقُورِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الدَّوَابِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَاحِبُهَا عَلَى إطْعَامِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَرْسَلَهَا وَذَبَحَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (وَلَا الِانْتِفَاعُ بِمَرْكُوبٍ وَمَلْبُوسٍ) مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ خَالَفَ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ كَمَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إذَا أَتْلَفَ بَعْضَ الْأَعْيَانِ (فَإِنْ احْتَاجَ) إلَى الْمَلْبُوسِ (لِبَرْدٍ أَوْ حَرٍّ لَبِسَهُ الْإِمَامُ) لَهُ إمَّا (بِالْأُجْرَةِ) مُدَّةَ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ (أَوْ حَسَبَهُ عَلَيْهِ) مِنْ سَهْمِهِ (كَالْأَدْوِيَةِ) وَالْفَانِيدِ وَالسُّكَّرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فَيُعْطِي الْإِمَامُ الْمَرِيضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا قَدْرَ حَاجَتِهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَحْسِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ.
(وَلَهُ الْقِتَالُ بِالسِّلَاحِ) بِلَا أُجْرَةٍ (لِلضَّرُورَةِ) إلَيْهِ فِيهِ (وَيَرُدُّهُ) إلَى الْمَغْنَمِ بَعْدَ زَوَالِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى رُكُوبِ الْمَرْكُوبِ فِي الْقِتَالِ فَلَهُ رُكُوبُهُ بِلَا أُجْرَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ.
(وَلَوْ ذَبَحَ) حَيَوَانًا (لِلْأَكْلِ جَازَ) وَلَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَتَنَاوُلِ الْأَطْعِمَةِ وَدَعْوَى النُّدُورِ مَمْنُوعَةٌ سَوَاءٌ الْغَنَمُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ (وَرَدَّ جِلْدَهُ) إلَى الْمَغْنَمِ (إلَّا مَا يُؤْكَلُ مَعَ اللَّحْمِ) فَلَهُ أَكْلُهُ مَعَهُ (فَإِنْ اتَّخَذَ مِنْهُ شِرَاكًا) أَوْ سِقَاءً أَوْ نَحْوَهُ (فَكَالْمَغْصُوبِ) فَيَأْثَمُ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِصَنْعَتِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيهَا بَلْ إنْ نَقَصَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ.
(وَلَا يَتَبَسَّطُ مَدَدٌ لَحِقُوا) الْجَيْشَ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا وَلِأَنَّهُمْ مَعَهُمْ كَغَيْرِ الضَّيْفِ مَعَ الضَّيْفِ وَمَا قَرَرْته هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ بَعْدِيَّةِ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ.
(فَإِنْ ضُيِّفَ بِمَا فَوْقَ حَاجَتِهِ الْغَانِمِينَ جَازَ) وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَمُّلُ التَّعَبِ عَنْهُمْ (أَوْ) ضِيفَ بِهِ (غَيْرُهُمْ فَكَغَاصِبِ ضَيْفِ) غَيْرِهِ بِمَا غَصَبَهُ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيَلْزَمُ الْآكِلَ ضَمَانُهُ وَيَكُونُ الْمُضَيِّفُ لَهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ.
(وَيَعْلِفُ الرَّجُلُ) جَوَازًا مَا مَعَهُ مِنْ الدَّوَابِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَلَوْ دَابَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ) وَإِنْ لَمْ يُسْهِمْ إلَّا لِفَرَسٍ.
(وَإِذَا دَخَلُوا) أَيْ الْمُتَبَسِّطُونَ (عُمْرَانَ دَارِ الْإِسْلَامِ) وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ (لَا خَرَابُهُ) الْأَوْلَى خَرَابُهَا (رَدُّوا فَضْلَ الزَّادِ) لِزَوَالِ الْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْمَأْخُوذِ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْجَمِيعِ (إلَى الْمَغْنَمِ قَبْلَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: لِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ) ظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ وَمَنْ لَهُ رَضْخٌ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَكِنَّ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُسْلِمِينَ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْقَوَاعِدِ انْتَهَى يُرَدُّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُسْلِمِينَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ لِأَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ وَالرَّضْخُ أَعْظَمُ مِنْ الطَّعَامِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْغَانِمِينَ يَشْمَلُ مِنْ لَا يُرْضَخُ لَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ لِلْجِهَادِ حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ وَلِهَذَا عَبَّرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِالْجَيْشِ فَتَنَاوَلَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلِّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ وَقَعَ الْقِتَالُ فِي أَكْتَافِ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَحَلٍّ يَعِزُّ وُجُودُ الطَّعَامِ فِيهِ وَلَا يَجِدُونَهُ بِشِرَاءٍ فَيَجُوزُ لَهُمْ التَّبَسُّطُ فِي طَعَامِ الْغَنِيمَةِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالسُّكَّرُ) أَيْ وَالْحَلْوَى
(قَوْلُهُ: فَلَهُ رُكُوبُهُ بِلَا أُجْرَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ) كَاِتِّخَاذِ جِلْدِهِ حِذَاءً وَرَكْوَةً
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا قَرَرْته هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ) صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّبَسُّطُ لِمَنْ لَحِقَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ