للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْوَصِيَّةِ كَوْنُ التَّمْلِيكِ لَمْ يَتِمُّ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّبَرُّعُ الْمُنَجَّزُ عَقْدٌ تَامٌّ بِإِيجَابِ وَقَبُولِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهٍ وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ (بِالْقَوْلِ كَنَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ وَأَبْطَلْتُهَا) أَوْ رَجَعْتُ فِيهَا وَفَسَخْتُهَا (وَهِيَ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِهَا (حَرَامٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ) كَمَا لَوْ حَرَّمَ طَعَامَهُ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدِ إبَاحَتِهِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُهُ (أَوْ هِيَ لَوَرَثَتِي بَعْدِي أَوْ مِيرَاثٌ عَنِّي) لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِيرَاثًا إلَّا إذَا انْقَطَعَ تَعَلُّقُ الْمُوصَى لَهُ عَنْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِ نِصْفِ الْوَصِيَّةِ حَمْلًا عَلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو أَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ تَشْرِيكٌ انْتَهَى. وَيُجَابُ بِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ تَشْرِيكًا ثَمَّ لِمُشَارَكَتِهَا الْأُولَى فِي التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا الْمُعْتَضَدْ بِقُوَّةِ الْإِرْثِ الثَّابِتِ قَهْرًا ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الرِّفْعَةِ فَرَّقَ بِنَحْوِ ذَلِكَ (لَا) .

قَوْلُهُ هِيَ (تَرِكَتِي) فَلَيْسَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ التَّرِكَةِ (وَإِنْكَارُهُ) الْوَصِيَّةَ (إنْ سُئِلَ) عَنْهَا (رُجُوعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ عَلَى مَا مَرَّ فِي جَحْدِ الْوَكَالَةِ (وَصَحَّحَ) الْأَصْلُ (خِلَافَهُ فِي التَّدْبِيرِ) وَعَلَّلَهْ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا وَمِنْ التَّدْبِيرِ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ عَرْضُ شَخْصَيْنِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِإِنْكَارِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ: وَاَلَّذِي ذَهَبِ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ رُجُوعٌ لَكِنْ عَدَمُهْ عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي تَذْنِيبِهِ لِلْأَكْثَرِينَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَذَكَرَ الْأَصْلُ فِي التَّدْبِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ هَذَا الْمُوصَى بِهِ رُجُوعٌ (لَا قَوْلُهُ) فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ الْوَصِيَّةِ (لَا أَدْرِي) فَلَيْسَ رُجُوعًا (وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمُوصَى بِهِ بِمُعَاوَضَةٍ) كَبَيْعٍ وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَسْخٌ وَلَوْ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ (أَوْ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ) وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ فِيهِمَا (أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ تَدْبِيرٍ) أَوْ تَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (رُجُوعٌ) لِظُهُورِ قَصْدِ الصَّرْفِ عَنْ الْمُوصَى لَهُ (وَكَذَا) يَحْصُلُ الرُّجُوعُ (بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا) لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الرُّجُوعِ وَهَذَا مِمَّا تُخَالِفُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ التَّدْبِيرَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَمَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ مَحَلُّهُ فِي الصَّحِيحَةِ.

أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَحَكَى فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: ثَالِثُهَا إنْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ كَانَتْ رُجُوعًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ طَرْدُهَا فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ رُجُوعٌ فِيهِمَا كَالْعَرْضِ عَلَى مَا مَرَّ بَلْ أَوْلَى.

(وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّصَرُّفِ) فِي الْمُوصَى بِهِ (مِثْلُ) قَوْلِهِ: (إذَا مِتُّ فَبِيعُوهُ وَكَذَا التَّوْكِيلُ فِيهِ وَالِاسْتِيلَادُ) لِلْأَمَةِ أَيْ كُلٌّ مِنْهَا (رُجُوعٌ) لِمَا مَرَّ (لَا الْوَطْءُ) لِلْأَمَةِ (وَلَوْ أَنْزَلَ) وَلَا أَثَرَ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِيلَادِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْزِلُ وَلَا تَحْبَلُ وَيُفَارِقُ الْعَرْضَ عَلَى مَا ذُكِرَ بِأَنَّ إفْضَاءَ الْعَرْضِ إلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ إفْضَاءِ الْوَطْءِ إلَى الْوَلَدِ (وَالْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ (وَغَصْبِهِ) أَيْ أَوْ بِغَصْبِهِ لَهُ (رُجُوعٌ) .

(فَرْعٌ: لَوْ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو اشْتَرَكَا) فِيهِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي الْجَمِيعِ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّشْرِيكِ دُونَ الرُّجُوعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ بِهِ لَكُمَا بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِهِ لِلثَّانِي بَعْدَمَا أَوْصَى بِهِ لِلْأَوَّلِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَ كُلًّا مِنْهُمَا جَمِيعَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَيُضَارَبَانِ فِيهِ (فَإِنْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا كَانَ الْجَمِيعُ لِلْآخَرِ. وَإِنْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهِ لَكُمَا فَرَدَّ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ النِّصْفُ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهُ لَهُ الْمُوصِي صَرِيحًا بِخِلَافِهِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا كَمَا عُرِفَ (وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ بِنِصْفِهِ لِلثَّانِي) وَقَبِلَا (اقْتَسَمَاهُ أَرْبَاعًا) إذْ النِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وَقَدْ شَرَّكَهُ مَعَ الثَّانِي فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ حَيْثُ غَلَّطَ الْأَصْلَ فِي قَوْلِهِ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا، وَرَدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْبَابِ؛ إذْ نِسْبَةُ النِّصْفِ إلَى مَجْمُوعِ الْوَصِيَّتَيْنِ الثُّلُثُ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَوْصَى لِلْأَوَّلِ بِالْكُلِّ وَلِلثَّانِي بِالثُّلُثِ اقْتَسَمَاهُ أَرْبَاعًا. إذْ نِسْبَةُ الثُّلُثِ إلَى الْمَجْمُوعِ الرُّبُعُ (فَإِنْ رَدَّهُ الثَّانِي فَالْكُلُّ لِلْأَوَّلِ أَوْ) رَدَّهُ (الْأَوْلُ فَالنِّصْفُ لِلثَّانِي وَإِنْ أَوْصَى بِهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الرِّفْعَةِ فَرَّقَ بِنَحْوِ ذَلِكَ) وَهُوَ أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي مَحَلِّ النَّقْلِ جَاءَ لِتَسَاوِي الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْإِرْثَ أَقْوَى مِنْ الْوَصِيَّةِ فِي ثُبُوتِهِ قَهْرًا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ اهـ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لِوَارِثِي بَعْدَ مَوْتِي مَفْهُومُ صِفَةٍ أَيْ لَا لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ هُوَ لِعَمْرٍو بَعْدَ قَوْلِهِ هُوَ لِزَيْدٍ فَمَفْهُومُ لَقَبٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِذَلِكَ قِيلَ بِالتَّشْرِيكِ فِي هَذِهِ دُونَ تِلْكَ (قَوْلُهُ وَإِنْكَارُهُ إنْ سُئِلَ رُجُوعٌ) وَكَذَا إنْ لَمْ يُسْئَلْ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ عَلَى مَا مَرَّ فِي جَحْدِ الْوَكَالَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَبِإِنْكَارِهَا بِلَا غَرَضٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَسْخٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ طَرْدَهَا فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ) الْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ أَيْضًا غ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ رُجُوعٌ فِيهِمَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّصَرُّفِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ مُحَابَاةً فَلَوْ أَوْصَى بِبَيْعِهِ مُحَابَاةً بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَالْوَصِيَّةُ ثَابِتَةٌ فِي الْمُحَابَاةِ فَإِنْ كَانَتْ نِصْفَ الثَّمَنِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَوْ ثُلُثَهُ فَأَرْبَاعًا ذَكَرَهْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ.

[فَرْعٌ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو]

(قَوْلُهُ: إذْ النِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وَقَدْ شَرَكَهُ مَعَ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ مَسْأَلَةٌ أَوْصَى لِوَاحِدِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخِرِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةُ دِينَارٍ كَمْ يَخْلُصُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الثُّلُثِ؟ أَجَابَ يَخْلُصُ لَهُ تِسْعُونَ دِينَارًا وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهِيَ الْعَشَرَةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ ثُلُثُ مَالِهِ يَخْلُصُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ نِصْفُ الْعَبْدِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الْعَبْدِ رُبْعُهُ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي التَّوَسُّطِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ غَلِطَ الْأَصْلُ فِي قَوْلِهِ إلَخْ) هَذَا مِنْ الْأَغَالِيطِ الْقَبِيحَةِ وَقَدْ رَدَّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَبَبُ الْغَلَطِ ذُهُولُهُ عَنْ قَاعِدَةِ الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ ثُلُثُهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَنِسْبَةُ النِّصْفِ إلَى الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ الثُّلُثُ ت (قَوْلُهُ: بِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ) وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ رَدَّهُ الْأَوَّلُ فَالنِّصْفُ لِلثَّانِي) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُلْحَقُ بِالرَّدِّ مَا إذَا رَجَعَ الْمُوصِي عَنْ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>