للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ.

(الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَالِهِمْ وَالْمَقْصُودُ بِهِ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ) لَا نَفْيُهُمْ، وَقَتْلُهُمْ فَيُقَاتَلُونَ (كَالصَّائِلِ فَلَا يُقَاتِلُهُمْ) الْإِمَامُ (حَتَّى) يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا نَاصِحًا (يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَ) أَيْ يَكْرَهُونَ (فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا (أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا) عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى الطَّاعَةِ (فَإِنْ أَبَوْا) عَنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِزَالَةِ (وَعَظَهُمْ) ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَوْدِ إلَى الطَّاعَةِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ أَهْلِ الدِّينِ وَاحِدَةً (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَتَّعِظُوا (يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْمُنَاظَرَةَ فَإِنْ أَصَرُّوا) عَلَى إبَائِهِمْ (آذَنَهُمْ) بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمَهُمْ (بِالْقِتَالِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ (فَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ (اسْتَنْظَرُوهُ) أَيْ طَلَبُوا مِنْهُ الْإِنْظَارَ (وَلَهُ) فِيهِ (مَصْلَحَةٌ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ اسْتِنْظَارَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي إزَالَةِ الشُّبْهَةِ (أَنْظَرَهُمْ) بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ (لَا إنْ خَشِيَ مَضَرَّةً) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ اسْتِنْظَارَهُمْ لِتَقَوِّيهِمْ كَاسْتِلْحَاقِ مَدَدٍ فَلَا يُنْظِرُهُمْ (وَإِنْ بَذَلُوا مَالًا وَرَهَنُوا أَوْلَادًا) وَنِسَاءً لِاحْتِمَالِ تَقَوِّيهِمْ وَاسْتِرْدَادِهِمْ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ بِأَهْلِ الْعَدْلِ ضَعْفٌ أَخَّرَ الْقِتَالَ لِلْخَطَرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ سَأَلُوا الْكَفَّ عَنْهُمْ حَالَ الْحَرْبِ لِيُطْلِقُوا أَسْرَانَا وَبَذَلُوا) بِذَلِكَ (رَهَائِنَ قَبِلْنَاهَا) اسْتِيثَاقًا وَاسْتِمَالَةً لِأَسْرَانَا (فَإِنْ قَتَلُوا الْأُسَارَى لَمْ تُقْتَلْ الرَّهَائِنُ) ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُمْ (بَلْ يُطْلِقُهُمْ كَأُسَارَاهُمْ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنْ أَطْلَقُوهُمْ أَطْلَقْنَاهُمْ.

(فَإِنْ انْهَزَمُوا مُتَبَدِّدِينَ) أَيْ مُتَفَرِّقِينَ بِحَيْثُ بَطَلَتْ شَوْكَتُهُمْ وَاتِّفَاقُهُمْ (لَمْ نُتْبِعْهُمْ، وَلَوْ خِفْنَا أَنْ يَجْتَمِعُوا) فِي الْمَآلِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا يُتَوَقَّعُ (أَوْ) انْهَزَمُوا (مُجْتَمَعِينَ تَحْتَ رَايَةِ زَعِيمِهِمْ اتَّبَعْنَاهُمْ) حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ أَوْ يَتَبَدَّدُوا (وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ عَجْزًا) ، وَلَوْ غَيْرَ مُخْتَارٍ (أَوْ أَلْقَى سِلَاحَهُ تَارِكًا الْقِتَالَ لَمْ يُقْتَلْ) عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ لَمْ يُقَاتَلْ، وَهِيَ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ أَلْقَى سِلَاحَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ تَرَكَ الْقِتَالَ، وَهُوَ مَعَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِقِتَالِهِ الْكَفُّ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّرْكِ (وَيُقَاتَلُ مُوَلٍّ) ظَهْرَهُ (تَحَرَّفَ لِلْقِتَالِ أَوْ تَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ لَا بَعِيدَةٍ) لِأَمْنِ غَائِلَتِهِ فِي الْبَعِيدَةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُتَوَقَّعُ.

(وَلَا يُقْتَلُ مُثْخِنُهُمْ) مَنْ أَثْخَنَهُ الْجُرْحُ أَيْ أَضْعَفَهُ (وَلَا أَسْرَاهُمْ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ (وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَسْرَاهُمْ الرِّجَالِ (التَّوْبَةُ) وَبَيْعَةُ الْإِمَامِ (وَيُطْلَقُونَ بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْحَرْبِ) ، وَتَفَرُّقِ الْجَمْعِ (إلَّا إنْ خِيفَ عَوْدُهُمْ) إلَى الْقِتَالِ فَلَا يُطْلَقُونَ، وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي وَبَعْضُهُ بِعَلَمِ مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ بَلْ إنْ جُعِلَ ضَمِيرُ عَوْدِهِمْ لِلْبُغَاةِ لَا لِلْأُسَارَى فَذَلِكَ كُلُّهُ تَكْرَارٌ (فَلَوْ كَانُوا مُرَاهِقِينَ، وَعَبِيدًا وَنِسَاءً غَيْرَ مُقَاتِلِينَ أَوْ أَطْفَالًا أُطْلِقُوا بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمْ الْبَيْعَةُ، وَإِنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ إذْ لَا بَيْعَةَ لَهُمْ فَإِنْ كَانُوا مُقَاتِلِينَ فَهُمْ كَالرِّجَالِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ مِنْ أَنَّهُمْ كَغَيْرِ الْمُقَاتِلِينَ (وَالْأَمْوَالُ) الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ (كَالْأَطْفَالِ) فَتُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَإِنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ (وَالْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ كَالْأُسَارَى) فَيُرَدَّانِ إلَيْهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ إلَّا إنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ (وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا) أَيْ الْأَمْوَالِ وَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ فِي قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ تَعَيَّنَ السِّلَاحُ لِلدَّفْعِ وَالْخَيْلُ لِلْهَزِيمَةِ (كَمَالِ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

كَالْبُغَاةِ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا مَالًا أَوْ نَفْسًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا، وَأَسْلَمُوا فَفِي ضَمَانِهِمْ الْقَوْلَانِ كَالْبُغَاةِ، وَقَوْلُهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَال الْبُغَاة]

(قَوْلُهُ: الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَالِهِمْ إلَخْ) إنَّمَا يَجِبُّ قِتَالَهُمْ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أُمُورٍ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحَرِيمِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ يَتَعَطَّلَ جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ أَوْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ بَيْعَتُهُ نَعَمْ لَوْ مَنَعُوا الزكاوات، وَقَالُوا نُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنَّا فَفِي وُجُوبِ قِتَالِهِمْ قَوْلَانِ، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يُبَاحُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا إلَخْ) فِي كَوْنِ الْبَعْثِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا خِلَافٌ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْأَوَّلِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ خَلَائِقُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبْعُوثِ أَمِينًا نَاصِحًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فَطِنًا فَالظَّاهِرُ كَمَا، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَعَثَهُ لِمُجَرَّدِ السُّؤَالِ فَمُسْتَحَبٌّ أَوْ لِلْمُنَاظَرَةِ، وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأَهُّلِهِ لِذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ هَذَا مَنْقُولًا وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَوْا، وَعَظَهُمْ ثُمَّ يَعْرِضُ الْمُنَاظَرَةَ إلَخْ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُرَاعَاةُ هَذَا التَّدْرِيجِ فِي الْقِتَالِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَقَالَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى فَإِذَا أَمْكَنَ الدَّفْعُ بِالْقَوْلِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ شَهْرِ السِّلَاحِ، وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْأَمْرُ لَا يَدُلُّ إلَى خُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْ الضَّبْطِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَعْلَمَهُمْ) وُجُوبًا (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ) فَلَا تَتَقَدَّرُ مُدَّةُ الْإِمْهَالِ وَفِي التَّهْذِيبِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَفِي الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَفِي الْعُمْدَةِ لِلْفُورَانِيِّ إنْ رَجَا رُجُوعَهُمْ، وَتَوْبَتَهُمْ أَنْظَرَهُمْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَأَى فِي أَهْلِ الْعَدْلِ ضَعْفًا.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ انْهَزَمُوا مُتَبَدِّدِينَ لَمْ نُتْبِعْهُمْ) فَلَا يُقَاتَلُ مُدْبِرُهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُثْخِنُهُمْ، وَأَسِيرُهُمْ فَقَدْ أَمَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُنَادِيهِ يَوْمَ الْبَصْرَةِ لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَفِيءَ} [الحجرات: ٩] وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ؛ وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ شُرِعَ لِلدَّفْعِ عَنْ مَنْعِ الطَّاعَةِ، وَقَدْ زَالَ (قَوْلُهُ: كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا أَسِيرَ لَهُمْ) شَمَلَ مَا إذَا أَيِسَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاحِهِمْ لِتَمَكُّنِ الضَّلَالَةِ مِنْهُمْ وَخَشِيَ مِنْ شَرِّهِمْ (قَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا) فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْمُدْبِرَ حَقِيقَةً مَنْ وَلَّى عَنْ الْحَرْبِ وَسَقَطَتْ شَوْكَتُهُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>