للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا، وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِإِخْرَاجِهِمْ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُمْ لَا تُكْرَهُ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ قَالَ أَعْنِي النَّوَوِيَّ، وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُ: إنَّهُمْ فِي النَّارِ وَطَائِفَةٌ لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ وَالْمُحَقِّقُونَ إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَتَحْرِيرُ هَذَا أَنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ، وَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ (فَلَوْ تَمَيَّزُوا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُمْنَعُوا) مِنْ الْخُرُوجِ فَيَخْرُجُونَ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ قَالَ تَعَالَى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ١٨٢]

(وَيُسْتَحَبُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي (أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرٍ) بِأَنْ يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كَمَا فِي خَبَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ آوَوْا فِي الْغَارِ (وَ) أَنْ يَسْتَشْفِعَ (بِأَهْلِ الصَّلَاحِ) ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ وَكَمَا اسْتَشْفَعَ مُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ يَا يَزِيدُ ارْفَعْ يَدَيْك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ فَثَارَتْ سَحَابَةٌ مِنْ الْمَغْرِبِ كَأَنَّهَا تُرْسٌ وَهَبَّ لَهَا رِيحٌ فَسُقُوا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ (لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْك بِنَبِيِّينَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّينَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

[فَصْلٌ صَلَاة الِاسْتِسْقَاء بِالصَّحْرَاءِ]

(فَصْلٌ وَيُصَلِّيهَا) نَدْبًا (بِالصَّحْرَاءِ) لَا بِالْمَسْجِدِ حَيْثُ لَا عُذْرَ كَمَرَضٍ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ النَّاسِ وَالصِّبْيَانِ وَالْحُيَّضِ وَالْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمْ فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لَهُمْ وَأَلْيَقُ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الْخِصَالِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَاتِّسَاعِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْعِيدِ اهـ وَعَلَى قِيَاسِهِ يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ ثُمَّ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدَيْنِ لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اسْتِحْبَابُهَا فِي الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا لِلِاتِّبَاعِ وَالتَّعْلِيلِ السَّابِقَيْنِ وَيَأْتِي بِهَا (كَصَلَاةِ الْعِيدِ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ فَيُنَادَى لَهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُكَبِّرُ فِي أَوَّلِ الْأُولَى سَبْعًا وَفِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مُسَبِّحًا حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا وَلَا يَخْطُبُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَيَقْرَأُ جَهْرًا فِي الْأُولَى ق وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ أَوْ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ قِيَاسًا لَا نَصًّا وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْأُولَى سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاك» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ضَعِيفٌ وَقِيلَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: ١] وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قَالَ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: ١] كَانَ حَسَنًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ اقْتَرَبَتْ وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا كَالْعِيدِ (إلَّا أَنَّهَا) بَعْدَ اخْتِصَاصِهَا بِالصَّحْرَاءِ كَمَا مَرَّ (لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ) لَا بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقْتٌ لَهَا كَمَا لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ؛ وَلِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مَعَ سَبَبِهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ نَعَمْ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لِلِاتِّبَاعِ

(فَصْلٌ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَهَا (كَالْعِيدِ) أَيْ كَخُطْبَتِهِ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا (مُبَدِّلًا التَّكْبِيرَ) فِيهَا (بِالِاسْتِغْفَارِ فَيَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْحَالِ وَيُبَدَّلُ فِيهَا أَيْضًا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ (وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فِيهَا) حَتَّى يَكُونَ هُوَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ (وَمِنْ قَوْلِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١١] {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: ١٢] وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ فِيهَا أَوْ أَخَّرَهُ كَانَ أَوْلَى وَأَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى الْمَأْخُوذِ، وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ كَمَا قَدَّمْته فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ، وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ لِحَدِيثَيْ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِمَا (وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى) جَهْرًا (وَيَقُولُ) هَذَا لِإِفَادَتِهِ سُنَّتَيْنِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَيَقُولُ (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ) فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ أَيْ مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ اللَّهُمَّ إنَّ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ مِنْ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

بَلْ يَكُونُونَ فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ فَإِنْ خَالَطُوهُمْ كُرِهَ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَمَيَّزُوا إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ حَدَّ الِامْتِيَازِ وَفِيهِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ الْعُرْفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَقِيلَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ بِحَيْثُ لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ لَمْ يُمْنَعُوا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُحَرِّضُ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ خُرُوجِنَا لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَخْرُجُونَ وَحْدَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَتُظَنُّ ضَعَفَةُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا قُلْنَا خُرُوجُهُمْ مَعَنَا مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ كَذَا قَالَهُ الْغَزِّيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي يَوْمٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَصَادَفَ إجَابَتُهُمْ فَتَكُونُ فِتْنَةً لِلْعَوَامِّ قس قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا مَأْخَذٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى دُعَاءِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: ١٤] وَقَالَ آخَرُونَ قَدْ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ كَمَا اُسْتُجِيبَ لِإِبْلِيسِ دُعَاؤُهُ بِالِانْتِظَارِ

(قَوْلُهُ اسْتِحْبَابُهَا فِي الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ) كَمَا مَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَصْلٌ خِطْبَة صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

(قَوْلُهُ أَيْ كَخُطْبَتِهِ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا) فَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَ أَوَّلَ مَا يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ ثُمَّ يَقُومَ فَيَخْطُبَ (قَوْلُهُ مَرِيعًا) وَيَرْوِي مُرَبَّعًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَمَرْتَعًا بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>