للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ قَالَ تَعَالَى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: ٥٢] وَقَالَ {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [يونس: ٩٨] الْآيَةَ وَقَالَ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف: ٩٦] الْآيَةَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَظَالِمِ دَاخِلٌ فِي التَّوْبَةِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرَاتِ لَكِنْ لِعِظَمِ أَمْرِهِمَا أَوْ كَوْنِهِمَا أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَصَوْمِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (يَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ) فِي مَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ وَغَيْرِهِمَا لِمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ وَلِلِاتِّبَاعِ فِي غَيْرِهِ وَفِي آخِرِ الْخَبَرِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي الْعِيدَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفَارَقَ مَا هُنَا صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَيْثُ لَا يُسَنُّ لِلْحَاجِّ بِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ وَالسَّفَرِ وَبِأَنَّ مَحَلَّ الدُّعَاءِ ثُمَّ آخِرَ النَّهَارِ وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ مُضَعَّفَةٌ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَضِيَّةُ الْفَرْقَيْنِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُنَا مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ بَلْ قَضِيَّةُ الْأَوَّلِ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ صَلَّوْا أَوَّلَ النَّهَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ هُنَا صَارَ وَاجِبًا وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ وُجُوبُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْمُسَافِرُ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَلَا وُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ وَيَنْبَغِي لِلْخَارِجِ أَنْ يُخَفِّفَ غِذَاءَهُ وَشَرَابَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا أَمْكَنَ وَلَوْ خَرَجُوا حُفَاةً مَكْشُوفَةً رُءُوسُهُمْ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الشَّاشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَاسْتَبْعَدَهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ إلَى الصَّحْرَاءِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي (بِغَيْرِ طِيبٍ) ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِحَالِهِمْ وَفَارَقَ الْعَبْدَ بِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ، وَهَذَا يَوْمُ مَسْأَلَةٍ وَاسْتِكَانَةٍ قَالَ الْقَمُولِيُّ وَلَا يَلْبَسُ الْجَدِيدَ مِنْ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ أَيْضًا (مُتَنَظِّفِينَ بِالْمَاءِ وَالسِّوَاكِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ) الْكَرِيهَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ

(وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الْمَشَايِخِ وَالصِّبْيَانِ) ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ إذْ الشَّيْخُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّبِيُّ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ اُحْتِيجَ فِي حَمْلِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ إلَى مُؤْنَةٍ فَهَلْ تُحْسَبُ مِنْ مَالِهِمْ فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا إذَا سَافَرَتْ الْمَرْأَةُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لِحَاجَتِهَا وَحَاجَتِهِ هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ انْتَهَى وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ أَنَّهَا تُحْسَبُ مِنْ مَالِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الْأَرِقَّاءِ بِإِذْنِ سَادَتِهِمْ (وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ مِنْ النِّسَاءِ) وَالْخَنَاثَى؛ لِأَنَّ الْجَدْبَ قَدْ أَصَابَهُمْ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ (وَكَذَا) تُخْرَجُ (الْبَهَائِمُ) «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ إنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتنَا فَإِنْ رَزَقْتنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا قَالَ وَرُوِيَ إنَّهَا قَالَتْ اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِك لَا غِنَى بِنَا عَنْ رِزْقِك فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ لَا يُسَنُّ إخْرَاجُهَا وَقِيلَ يُكْرَهُ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالثَّانِي عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مَعَ تَصْحِيحِهِ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلُ وَتُوقَفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ

(وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ) وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ الْمَفْهُومُ بِالْأُولَى لِلِاسْتِسْقَاءِ فِي مُسْتَسْقَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] وَقَالَ {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: ٥١] وَيُكْرَهُ أَيْضًا خُرُوجُهُمْ مَعَهُمْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ فَيُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ؛ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ حِكَايَةِ الْبَغَوِيّ لَهُ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَيْضًا لَكِنْ عَبَّرَ بِخُرُوجِ صِبْيَانِهِمْ بَدَلَ إخْرَاجِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَالْإِقْلَاعُ مُوَسِّعٌ لِلرِّزْقِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الصَّحْرَاءِ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الِاسْتِسْقَاءُ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَفَّافُ فِي الْخِصَالِ فَيَسْتَسْقِي بِمَكَّةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبِبَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِجَمْعِهِمَا مَعَ شَرَفِ الْبُقْعَةِ السَّعَةِ الْكَافِيَةِ لِلْجَمْعِ وَإِنْ كَثُرَ جِدًّا قَالَ الشَّرَفُ الْغَزِّيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ هُنَا بِإِحْضَارِ الصِّبْيَانِ وَمَأْمُورُونَ بِأَنْ نُجَنِّبَهُمْ الْمَسَاجِدَ إنَّ قَوْلَهُ وَقَالَ الشَّرَفُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا فَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا) الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ قَالَهُ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى عُجَيْلٌ أَنَّهُ يَعُمُّ مَنْ حَضَرَ وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ.

وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَبِالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَمُصَالَحَةِ الْأَعْدَاءِ وَالصَّدَقَةِ فَيَعُمُّ مَنْ حَضَرَ وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ) وَلَوْ كَانَ يَوْمَ عِيدٍ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ الْفَرْقَيْنِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَى الْخُرُوجِ حَالًا خَرَجُوا وَإِلَّا أَخَّرُوا إلَى الْغَدِ لِيَخْرُجُوا صَائِمِينَ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَلَا وُجُوبَ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّوْمَ مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ دَعْوَةَ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ قَالَ شَيْخُنَا وَمُرَادُهُمْ بِالتَّضَرُّرِ هُنَا حُصُولُ مَشَقَّةٍ بِهِ لَا خَوْفُ مَحْذُورِ تَيَمُّمٍ (قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الشَّاشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ) وَاسْتَبْعَدَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ) ؛ وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ شُرِعَ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ

(قَوْلُهُ وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَخْ) «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» (قَوْلُهُ فَهَلْ تُحْسَبُ مِنْ مَالِهِمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ إلَخْ) وَفِي لَفْظِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ خَرَجَ سُلَيْمَانُ يَسْتَسْقِي (قَوْلُهُ وَتُوقَفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى يَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجَّةُ وَالرِّقَّةُ فَيَكُونَ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ

(قَوْلُهُ فِي مُسْتَسْقِي الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>