للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ لِلْقَاضِي لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ جَزَمَ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ الْقَوْلَ بِالثَّانِي، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابَيْنِ عَلَى الْحَالَيْنِ (لَا) مِنْ (دُخُولِهَا لِحَاجَةٍ) كَحَمْلِ طَعَامٍ (وَ) لَهُ مَنْعُهُ (مِنْ شَمِّ الرَّيَاحِينِ لِلتَّرَفُّهِ) فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةِ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ جَازَ (لَا) مَنْعُهُ (مِنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ) فِي الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ مُمَاطِلًا (وَنَفَقَتُهُ) وَاجِبَةٌ (عَلَى نَفْسِهِ) وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَبْسِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ.

(وَإِنْ حُبِسَتْ امْرَأَةٌ فِي دَيْنٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) مُدَّةَ الْحَبْسِ (وَلَوْ ثَبَتَ) الدَّيْنُ (بِالْبَيِّنَةِ) كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَيُفَارِقُ عَدَمَ سُقُوطِهَا فِيمَا لَوْ صَامَتْ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً نَذَرَتْ صَوْمَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ بِأَنَّ صَوْمَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا عَيْنًا مَضِيقًا بِإِذْنِهِ مَعَ النَّذْرِ الَّذِي يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ حَبْسِهَا (وَيَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى) عَلَيْهِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يُرَدُّ إلَى الْحَبْسِ (فَإِنْ لَزِمَهُ حَقٌّ آخَرُ حُبِسَ بِهِمَا وَلَمْ يُطْلَقْ بِقَضَاءِ أَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ (وَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ) مِنْ الْحَبْسِ مُطْلَقًا (وَالْمَرِيضُ) إنْ لَمْ يَجِدْ مُمَرِّضًا (فَإِنْ وَجَدَ مُمَرِّضًا فَوَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا فِي الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ (وَمَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ أَخْرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضَى.

(فَصْلٌ وَيُبَادِرُ) الْحَاكِمُ (نَدْبًا) فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ (بِبَيْعِ مَالِهِ وَقِسْمَتِهِ) أَيْ قِسْمَةِ ثَمَنِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ (لِئَلَّا يُطَالَ حَبْسُهُ) إنْ حُبِسَ وَمُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ وَذَكَرَ حُكْمَ الْمُمْتَنِعِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَا يَسْتَعْجِلُ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ: وَلَا يُفَرِّطُ فِي الِاسْتِعْجَالِ (فَيُبَاعُ بِبَخْسٍ وَيُسْتَحَبُّ الْبَيْعُ بِحُضُورِ الْمُفْلِسِ وَالرَّاهِنِ) فِيمَا إذَا بِيعَ الْمَرْهُونُ (وَالْغُرَمَاءُ أَوْ وَكِيلُهُمْ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ وَلِيُخْبَرَ الْمُفْلِسَ بِمَا فِي مَالِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَا يَرُدُّ، وَمِنْ الصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فَتَكْثُرُ فِيهِ الرَّغَبَاتُ، وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ فِي السِّلْعَةِ، وَذَكَرَ وَكِيلُ الْغُرَمَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَالْأَوْلَى: أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجَ إلَى بَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي وَبَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْفَرَائِضِ: قَسْمُ الْحَاكِمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ كَالْأَذْرَعِيِّ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

فِي عَمَلِ الْقَاضِي لَزِمَهُ إحْضَارُهُ وَحَبْسُهُ إنْ سَأَلَهُ خَصْمُهُ وَعَزَّرَهُ إنْ لَمْ يُبْدِ عُذْرًا فِي هَرَبِهِ كَإِعْسَارِهِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ جَازَ) قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ لِلتَّأْدِيبِ وَيَقْتَضِي نَظَرَ الْحَاكِمِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ التَّأْدِيبِ وَهَذَا حَسَنٌ ع.

(قَوْلُهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ إلَخْ) وَإِنْ مَكَّنَاهُ مِنْ دُخُولِ الْحَبْسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ حِرْزِهِ، وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ السَّفَرَ بِهَا فَأَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ فَلَهُ حَبْسُهَا وَمَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ زَوْجِهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّ قَصْدَهَا بِالْإِقْرَارِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْمُسَافِرَةِ، وَلَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لَمْ تُقْبَلْ؛ إذْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا تُمْنَعُ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا) وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْهَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا اهـ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا تَمْتَنِعُ الْمُتَزَوِّجَةُ مِنْهُ إذَا حُبِسَتْ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ مِنْهُ إذَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجُهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا فِي الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُقْتَضَى) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا أُشْهِدَ اثْنَانِ وَلَمْ يُعَدَّلَا فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ قَبْلَ تَعْدِيلِهِمَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ خِلَافُهُ.

[فَصْلٌ يُبَادِرُ الْحَاكِمُ نَدْبًا فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقِسْمَتِهِ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: يُبَادِرُ نَدْبًا) لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إلَى بَيْعِ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ أَوْ نَهْبٍ أَوْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِبَيْعِ مَالِهِ) شَمِلَ مُدَبَّرَهُ (قَوْلُهُ وَقِسْمَتِهِ) أَيْ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ (قَوْلُهُ وَلْيُخْتَبَرْ الْمُفْلِسُ بِمَا فِي مَالِهِ إلَخْ) وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَمَنِ مَالِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ غَبْنٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ إلَخْ) أَوْ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ عَيْنَ مَالِهِ فَيَأْخُذُهُ (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي، أَوْ تَزْوِيجَهُ لَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ، وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ بَلْ لِغَيْرِهِ إذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَذْهَبِهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِلْكَمَالِ التَّفْلِيسِيِّ حِينَ كَانَ نَائِبَ الْحُكْمِ بِدِمَشْقَ وَقَصَدَ إبْطَالَ نِكَاحٍ تَعَاطَاهُ مَنْ يَعْتَقِدُهُ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِحُكْمٍ وَاسْتَفْتَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَأَظْهَرَ هُوَ نُقُولًا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ تَشْهَدُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَأَوْدَعَهَا تَصْنِيفًا لَطِيفًا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ مُدَّةٍ وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الرُّتْبَةِ عَنْ الْعَقْدِ، وَالْحُكْمُ بِهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهِ بِمَرْتَبَتَيْنِ وَأَيْضًا كَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ عَارِضًا وَمَعْرُوضًا وَالْحُكْمُ عَارِضٌ وَالْعَقْدُ مَعْرُوضٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ الصَّغِيرَةَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ بَلْ عَقَدَهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ) أَيْ كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَقَوْلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْيَدِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ مَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْعَبَّادِيِّ وَنُقِلَ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ مَا يَدُلُّ لَهُ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَوْلَى لِلْقَاضِي أَنْ لَا يُبَاشِرَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ صِيَانَةً لِفِعْلِهِ عَنْ النَّقْضِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي أَيْدِي جَمَاعَةِ دَارٍ، وَطَلَبُوا مِنْ الْحَاكِمِ قِسْمَتَهَا لَمْ يُجِبْهُمْ إنْ لَمْ يُقِيمُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>