وَكَذَا) مِنْ (الْمَأْمُورِ كَمُضْطَرٍّ قَتَلَ إنْسَانًا لِيَأْكُلَهُ) فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُوَلِّدُ فِي الْمُكْرَهِ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ غَالِبًا لَهُ لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ آثَرَهَا بِالْبَقَاءِ فَصَارَا شَرِيكَيْنِ، وَلَا يُشْبِهُ قَتْلَ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ بِالصِّيَالِ مُتَعَدٍّ فَمُكِّنَ مِنْ دَفْعِهِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ بِقَتْلِهِ. وَالْمُكْرَهُ يَأْثَمُ كَمَا يَأْثَمُ الْمُخْتَارُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّنْظِيرِ بِمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ.
فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ إلَى الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ كَالشَّرِيكَيْنِ وَلِلْوَلِيِّ فِيمَا إذَا لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ الْآخَرِ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُكَافِئٍ) لِلْمَقْتُولِ (فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ) لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِلْقَتْلِ آثِمٌ (وَعَلَى الْآخَرِ) ، وَهُوَ الْمُكَافِئُ (الْقِصَاصُ) كَشَرِيكِ الْأَبِ (كَأَنْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَلَى قَتْلِ ذِمِّيٍّ، أَوْ حُرٌّ عَبْدًا عَلَى قَتْلِ عَبْدٍ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْعَبْدِ) فِي الثَّانِيَةِ (وَالذِّمِّيِّ) فِي الْأُولَى (وَعَلَى الْآخَرِ) ، وَهُوَ الْحُرُّ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُسْلِمِ فِي الْأُولَى (نِصْفُ الضَّمَانِ) ، وَكَأَنْ أَكْرَهَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا عَلَى قَتْلِ ذِمِّيٍّ، أَوْ عَبْدٌ حُرًّا عَلَى قَتْلِ عَبْدٍ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ وَعَلَى الْمَأْمُورِ نِصْفُ الضَّمَانِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا) مُمَيِّزًا (أَوْ الْمَأْمُورُ) بِالرَّمْيِ إلَى شَاخِصٍ (جَاهِلًا كَوْنَهُ آدَمِيًّا فَالْقِصَاصُ عَلَى الْبَالِغِ) فِي الْأُولَى بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ عَمْدٌ.
(وَ) عَلَى (الْآمِرِ) فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَطَأَ نَتِيجَةُ إكْرَاهِهِ فَجُعِلَ عَمْدًا فِي حَقِّهِ، وَالْمَأْمُورُ كَالْآلَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِظَنِّهِ الْحِلَّ (لَكِنْ لَا دِيَةَ عَلَى الْجَاهِلِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ إذْ هُوَ كَالْآلَةِ) ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فِي الْأُولَى فَفِي مَالِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً كَمَا سَيَأْتِي وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا دِيَةَ أَيْ لَا يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْجَاهِلِ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ يُؤْخَذَانِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ وُجُوبُ نِصْفِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةً، وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ الْمَأْمُورُ، وَأَبْدَلَ قَوْلَهُ وَالْآمِرِ بِقَوْلِهِ وَالْعَالِمَ كَانَ أَعَمَّ لَكِنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ أَصْلَهُ (فَإِنْ كَانَا مُخْطِئَيْنِ) فِيمَا ذُكِرَ بِأَنْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَوْنَ الْمَرْمِيِّ آدَمِيًّا (فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُهَا) مُخَفَّفَةً فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا قَتْلَهُ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ، أَوْ نُزُولِ بِئْرٍ) فَفَعَلَ (فَزَلَقَ) فَمَاتَ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) فَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلَ غَالِبًا وَمَحِلُّ كَوْنِهِ شِبْهَ عَمْدٍ فِي صُعُودِ الشَّجَرَةِ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا، وَإِلَّا فَخَطَأٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ نُكَتِ الْوَسِيطِ لِلنَّوَوِيِّ.
(فَرْعٌ: لَوْ قَالَ) لِمُمَيِّزٍ (اُقْتُلْ نَفْسَك، أَوْ قَالَ) لَهُ (اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ، وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَ) نَفْسَهُ (أَوْ شَرِبَ) السُّمَّ فَمَاتَ (فَلَا قِصَاصَ) عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ مَا جَرَى لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ يَتَخَلَّصُ بِمَا أُمِرَ بِهِ عَمَّا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِ، وَهُنَا اتَّحَدَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالْمُخَوَّفُ بِهِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ يَتَضَمَّنُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا لَوْ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ كَانَ إكْرَاهًا (وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ) كَذَا قَالَهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا سَقَطَ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ فَيَنْتَفِي مُوجِبُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ شَيْءٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ عَلَى الصَّوَابِ (وَلَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدَك، وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَطَعَهَا اُقْتُصَّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ (وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْنِي، أَوْ اقْطَعْ يَدِي، أَوْ اقْذِفْنِي) مَعَ قَوْلِهِ، وَإِلَّا -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا أَكْرَهَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ لَكَفَّ عَنْ الْإِكْرَاهِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَأْمُورُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ إيجَابَهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَالَةِ الدَّهْشِ وَالْغَلَبَةِ فَإِنْ أَفْرَطَ فَزَعُهُ بِحَيْثُ أَسْقَطَ اخْتِيَارَهُ فَيَكُونُ آلَةً وَلَا قَوَدَ جَزْمًا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَكَتَبَ أَيْضًا عَنْ الْبَغَوِيّ مَا يُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرَهِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ لَهُ الْإِقْدَامَ أَمَّا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يُبِيحُهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ آلَةً، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ جَزْمًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْقُوتِ فَعَلَى هَذَا يُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. اهـ. الْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا إلَخْ) لَوْ أَكْرَهَ أَجْنَبِيًّا الْأَبُ عَلَى قَتْلِ وَلَدِهِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ، وَفِي عَكْسِهِ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَقُلْنَا الْمُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ، وَقُلْنَا لَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْقَتْلِ فَهَلْ يُقْتَلُ الْمَأْمُورُ أَمْ لَا فَأَجَابَ نَعَمْ يُقْتَلُ الْمَأْمُورُ قَطْعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا مُمَيِّزًا) أَوْ مَجْنُونًا لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ.
(فَرْعٌ) لَوْ أَمَرَ صَغِيرًا يَسْتَقِي لَهُ مَاءً فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَمَاتَ فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا يُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ هَدَرٌ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ عَاقِلَةُ الْآمِرِ، وَلَوْ قَرَصَ مَنْ يَحْمِلُ رَجُلًا فَتَحَرَّكَ، وَسَقَطَ الْمَحْمُولُ فَكَإِكْرَاهِهِ عَلَى إلْقَائِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَوْجُهَ وُجُوبُ نِصْفِهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ) عَنْ نُكَتِ الْوَسِيطِ لِلنَّوَوِيِّ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ النَّوَوِيُّ قَوْلَ الْوَسِيطِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَقِبَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَقِيلَ عَمْدٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَخَطَأٌ، وَهُوَ وَاضِحٌ. اهـ. مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ عَمْدٌ فَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَخَطَأٌ أَيْ خَطَأُ عَمْدٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى شِبْهِ الْعَمْدِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقَالَ ابْنُ السُّكَّرِيِّ فِي حَوَاشِيهِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ نُزُولَ الْبِئْرِ وَصُعُودَ الشَّجَرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْلَمُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ غَالِبًا فَيَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْلَمُ مِنْهُ غَالِبًا فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ. اهـ.
[فَرْعٌ قَالَ لِمُمَيِّزِ اُقْتُلْ نَفْسَك أَوْ اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَ نَفْسَهُ]
(قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ، وَإِلَّا قَتَلْتُك إلَخْ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِ سُمٍّ يَعْرِفُهُ وَشَرِبَهُ وَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ لِتَخَلُّصِهِ عَنْ الْأَشَدِّ بِالشَّدِيدِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ كَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ عَلَى الصَّوَابِ) الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ شَرِيكٌ، وَإِنْ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الْمُكْرِهِ قَتْلَ نَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute