للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إلَّا إنْ كَانَتْ) أَيْ اللُّثْغَةُ حَصَلَتْ (بِجِنَايَةٍ) فَلَا تَكْمُلُ (الدِّيَةُ إذْ نُقْصَانُهَا) أَيْ اللُّثْغَةِ أَيْ النُّقْصَانُ الْحَاصِلُ بِهَا (عَلَى جَانِبِهَا) أَيْ مُحَصَّلُهَا بِجِنَايَتِهِ (، وَيُمْتَحَنُ بِالتَّفْزِيعِ) فِي أَوْقَاتِ غَفْلَتِهِ إذَا أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَ النُّطْقِ (فَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ) بِالتَّفْزِيعِ (حَلَفَ كَأَخْرَسَ) أَيْ كَمَا يَحْلِفُ الْأَخْرَسُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ (وَلَوْ أَبْطَلَ) بِجِنَايَتِهِ (حُرُوفًا فَذَهَبَ إفْهَامُ كَلَامِهِ فَالدِّيَةُ) وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَلَامِ قَدْ فَاتَتْ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ إلَّا قِسْطُ الْحُرُوفِ الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ غَيْرَهَا مِنْ الْحُرُوفِ، وَإِنَّمَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَتَعَطَّلَ مَشْيُهُ وَالرِّجْلُ سَلِيمَةٌ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَجَزَمَ بِمَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَكَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَلَوْ أَفْهَمَ) كَلَامُهُ مَعَ إبْطَالِ بَعْضِ الْحُرُوفِ (وُزِّعَتْ) أَيْ الدِّيَةُ (عَلَى مَا كَانَ يَحْسُنُ مِنْ الْحُرُوفِ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَرَكَّبُ مِنْهَا، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَامُ أَلِفٍ حَرْفَانِ مُكَرَّرَانِ فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ فَفِي إبْطَالِ نِصْفِ الْحُرُوفِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي إبْطَالِ حَرْفٍ مِنْهَا رُبُعُ سُبُعِهَا، وَتُوَزَّعُ فِي لُغَةِ غَيْرِ الْعَرَبِ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِهَا، وَلَوْ كَانَ أَلْثَغَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِعِشْرِينَ حَرْفًا مَثَلًا، وَلَا يُحْسِنُ غَيْرَهَا وُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى مَا يُحْسِنُهُ لَا عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ مَا خَفَّ مِنْهَا عَلَى اللِّسَانِ، وَمَا ثَقُلَ.

(وَإِنْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ، وَحُرُوفُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ) ، وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا (فَبِمَ) الْأَوْلَى فَعَلَامَ (يُوَزَّعُ) أَيْ عَلَى أَكْثَرِهِمَا حُرُوفًا أَوْ أَقَلِّهِمَا (وَجْهَانِ) رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَقِينُ (وَإِنْ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ فَهَلْ يَجِبُ أَرْشُهَا مَعَ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ) أَوْ لَا يَجِبُ غَيْرُ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ كَمَا لَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ كَلَامُهُ (فِيهِ وَجْهَانِ) أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ وَالْبَاءُ، وَهِيَ أَوْلَى لِتَلَازُمِ الْحَرْفَيْنِ فِي الذَّهَابِ، وَعَدَمِهِ (فَإِنْ أَبْدَلَ) بِالْجِنَايَةِ عَلَى لِسَانِهِ (حَرْفًا بِحَرْفٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْفَائِتِ) ، وَلَا يَصِيرُ الْآخَرُ بَدَلًا فَإِنَّهُ أَيْضًا أَحَدُ الْحُرُوفِ الْمَقْصُودَةِ (وَفِي) حُدُوثِ (الْفَأْفَأَةِ وَالتَّمْتَمَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْوَأْرَةِ بِالْجِنَايَةِ (حُكُومَةٌ) فَقَطْ لِبَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ.

(وَأَمَّا الْأَطْرَافُ النَّاقِصَةُ الْجِرْمِ الَّتِي) الْأَوْلَى الَّذِي (لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَيُحَطُّ الْأَرْشُ) لِلْجِرْمِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْأَطْرَافِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ إزَالَتِهَا، وَالْأَوْلَى مِنْهَا أَيْ مِنْ دِيَتِهَا (وَإِنْ كَانَ الذَّهَابُ) لِلْجِرْمِ (بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) فَلَوْ سَقَطَتْ أُصْبُعُهُ أَوْ أُنْمُلَتُهُ بِجِنَايَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ حُطَّ مِنْ دِيَتِهَا أَرْشُ الْأُصْبُعِ أَوْ الْأُنْمُلَةِ (وَكَذَا يُحَطُّ وَاجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى) شَيْءٍ مِنْ (الْمَعَانِي) الْمُؤَثِّرَةِ تِلْكَ الْجِنَايَةُ فِي نَقْصِهِ مِنْ دِيَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِيمَا نَقَصَ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مُبْطِلَةً لِلْمَعْنَى وَحْدَهُ أَمْ مَعَ الْعُضْوِ (وَ) يُحَطُّ وَاجِبُ الْجِنَايَةِ (عَلَى جِرْمٍ لَا أَرْشَ لَهُ مُقَدَّرًا، وَلَهُ مَنْفَعَةٌ) زَالَتْ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ مِنْ دِيَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوِ الْجِرْمِ لِذَلِكَ (لَا إنْ ذَهَبَا) أَيْ الْمَعْنَى أَيْ بَعْضُهُ فِي تِلْكَ وَالْجِرْمُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَهَابُهُمَا بَلْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَالُ الدِّيَةِ إذْ لَا يَنْضَبِطُ ضَعْفُ الْمَنْفَعَةِ، وَقُوَّتُهَا وَالْجِرْمُ الْمَذْكُورُ تَابِعٌ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ذَهَابِ الْجِرْمِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ كَفَلَقَةٍ انْفَصَلَتْ مِنْ لَحْمِ أُنْمُلَةٍ بِجِنَايَةٍ، وَإِنْ وَجَبَ بِهَا حُكُومَةٌ لِلشَّيْنِ أَوْ بِآفَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْمُخَالَفَةِ فِي الْأُولَى، وَبِالْأَوْلَى فِي الثَّانِيَةِ.

(فَصْلٌ: الْكَلَامُ مِنْ اللِّسَانِ كَالْبَطْشِ مِنْ الْيَدِ) فِي أَنَّهُ إذَا ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ، وَلَوْ مَعَ الْعُضْوِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي بَعْضِ مَا يَأْتِي (وَذَهَابُهُ بِقَطْعِ بَعْضِهَا) أَيْ اللِّسَانِ (مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ كَشَلَلِ الْيَدِ بِقَطْعِ أُصْبُعٍ) مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَمُلَتْ الدِّيَةُ بِإِذْهَابِ الْكَلَامِ بِالْجِنَايَةِ بِدُونِ قَطْعِ جِرْمٍ فَلَأَنْ تَكْمُلَ مَعَ قَطْعِهِ أَوْلَى، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُشْكَلُ مَا ذَكَرُوهُ بِأَنَّا نَرَى مَقْطُوعَ اللِّسَانِ يَتَكَلَّمُ، وَيَأْتِي بِالْحُرُوفِ كُلِّهَا أَوْ بِمُعْظَمِهَا وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النُّطْقَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: فَلَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ) لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَخْصِيصُ التَّصْوِيرِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُنَا فَالْأَوْجَهُ لَا فَرْقَ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَتَعَطَّلَ مَشْيُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْحُرُوفَ الْفَائِتَةَ كَمَا لَا يَضْمَنُ دِيَةَ الْمَشْيِ حَيْثُ تَعَطَّلَ بِكَسْرِ الصُّلْبِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي كَسْرِ الصُّلْبِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْحُكُومَةُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا) وَلِبَعْضِهَا فُرُوعٌ تُسْتَحْسَنُ كَالْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ عَنْ الْمُخَفَّفَةِ وَالْأَلِفِ الْمُمَالَةِ عَنْ الْمُنْتَصِبَةِ، وَفُرُوعٌ تُسْتَقْبَحُ كَالْجِيمِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ الْكَافِ كَمَا يُقَالُ فِي كَمُلَ جَمُلَ وَكَعَكْسِهِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ رَكْلٌ وَكَالْفَاءِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ الْبَاءِ كَمَا يُقَالُ فِي أَصْبَهَانَ أَصْفَهَانُ، وَمَبْلَغُ الْحُرُوفِ بِالْفُرُوعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَالْمُسْتَقْبِحَةِ تِسْعَةٌ، وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا ابْنُ جَمَاعَةَ (قَوْلُهُ: وَلَامُ الْأَلِفِ حَرْفَانِ مُكَرَّرَانِ) فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هِيَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَاعْتَبَرَهَا، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جُمْهُورُ النُّحَاةِ عَدَّوْهَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِالْأَلِفِ وَالْهَمْزَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ غَيْرُ الْأَلِفِ السَّاكِنَةِ، وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا الْأَلِفَ تَجَوُّزًا. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِمَّا اتَّفَقَا فِيهِ، وَإِلَّا فَالتَّوْزِيعُ عَلَى حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ) هُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ) هُوَ الْأَصَحُّ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى مِنْهَا) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ

[فَصْلٌ ذَهَابُ الْكَلَامُ بِقَطْعِ بَعْضِ اللِّسَانِ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُشْكَلُ مَا ذَكَرُوهُ بِأَنَّا نَرَى إلَخْ) مُرَادُ الْأَصْحَابِ أَنَّ النُّطْقَ حَالٌّ فِي اللِّسَانِ كَحُلُولِ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنِ، وَلَيْسَ كَحُلُولِ السَّمْعِ فِي الْأُذُنِ وَالشَّمِّ فِي الْأَنْفِ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ مُنْبَسِطٌ عَلَى اللِّسَانِ كَانْبِسَاطِ قُوَّةِ الْبَطْشِ وَكَوْنِنَا نَرَى مَقْطُوعَ اللِّسَانِ يَتَكَلَّمُ وَيَأْتِي بِالْحُرُوفِ كُلِّهَا لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَالًّا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِي آخِرِ اللِّسَانِ، وَمِنْ بَعْضِهِمْ فِي عَذْبَتِهِ أَوْ طَرَفِهِ، وَلِذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ الْمَقْطُوعِينَ فَبَعْضُهُمْ يَتَكَلَّمُ لِعَدَمِ اسْتِئْصَالِ الْقَطْعِ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَتَكَلَّمُ م

<<  <  ج: ص:  >  >>