للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَرَدَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَإِنَّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ يُقَدَّرُ حُضُورُهَا بِالْمَوْتِ كَمَا يَحِلُّ الْأَجَلُ بِهِ.

وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْحَيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعْجِيلِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّهِ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ لُزُومُ الْفِدْيَةِ فِي الْحَالِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ خِلَافُهُ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ صُورَتَيْ الصَّوْمِ وَصُورَةِ الْيَمِينِ بِأَنَّهُ مَاتَ هُنَا عَاصِيًا بِالتَّأْخِيرِ فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ صُورَةِ الْيَمِينِ وَبِأَنَّهُ هُنَا قَدْ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ بِفَوَاتِ الْبَعْضِ فَلَزِمَهُ بَدَلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْيَمِينِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا يَحْنَثُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِهَذَا (ثُمَّ تَعْجِيلُهَا) أَيْ فَدِيَةِ التَّأْخِيرِ (قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي) لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ (كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ) فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرِمِ) لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ (إنْ أَخَّرَ الْفِدْيَةَ) عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى (وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْحَامِلِ تَعْجِيلُ فَدِيَةِ يَوْمَيْنِ) فَأَكْثَرَ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْجِيلِ لِيَوْمٍ بَعْدَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ كَمَا قَالَ (فَلَوْ عَجَّلَ) أَيْ الْهَرِمُ (فِدْيَةَ يَوْمٍ فِي لَيْلَتِهِ) أَوْ فِيهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (أَوْ عَجَّلَتْ الْحَامِلُ قَبْلَ أَنْ تُفْطِرَ جَازَ) وَلَوْ قَالَ فَلَوْ عَجَّلَا فِدْيَةَ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ جَازَ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَكَالْهَرِمِ فِيمَا ذُكِرَ الزَّمِنُ وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَكَالْحَامِلِ الْمُرْضِعُ.

(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) التَّطَوُّعُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» (وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) إذَا شَرَعَ فِيهِ (كَصَلَاتِهِ) وَاعْتِكَافِهِ وَطَوَافِهِ وَوُضُوئِهِ لِئَلَّا يُغَيِّرَ الشُّرُوعَ حُكْمُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ وَلِخَبَرِ «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ وَيُقَاسُ بِالصَّوْمِ الصَّلَاةُ وَنَحْوُهَا (لَكِنْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ إتْمَامَهُ (إلَّا بِعُذْرٍ كَمُسَاعَدَةِ ضَيْفٍ) فِي الْأَكْلِ إذَا عَزَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مُضِيفِهِ مِنْهُ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِخَبَرِ «وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» وَخَبَرِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعِزَّ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتِنَاعُ الْآخَرِ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ خُرُوجِهِ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يُثَابُ عَلَى مَا مَضَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَمْ تَتِمَّ وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَجْهُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ (وَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ) سَوَاءٌ أَخَرَجَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافٍ أَوْجَبَ قَضَاءَهُ وَقَدَّمْت فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَالَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ

(وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ) أَدَاءً أَوْ أَوْ قَضَاءً (وَكَذَا عَلَى التَّرَاخِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَلِتَلَبُّسِهِ بِالْوَاجِبِ وَلَا عُذْرَ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ (فَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ فِي السَّفَرِ) أَوْ نَحْوِهِ تَدَارُكًا لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُتَعَدِّي (أَوْ) أَفْطَرَ فِيهِ (بِعُذْرٍ) كَحَيْضٍ وَسَفَرٍ وَمَرَضٍ (فَقَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ يَلْزَمُهُ) الْقَضَاءُ فَيَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا قَبْلَهُ بِزَمَنٍ يَسَعُهُ

(فَصْلٌ يَوْمُ عَرَفَةَ) وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ (أَفْضَلُ الْأَيَّامِ) لِأَنَّ صَوْمَهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ مَا ذُكِرَ (وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ صَوْمُهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

الْبَحْرِ عِنْدِي تَصِيرُ ظُهْرًا مِنْ الْآنَ وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِحَجَّةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَإِذَا انْقَطَعَ الْمُسْلِمُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ خِيَارٌ إلَّا بَعْدَ الْمَحَلِّ وَإِذَا تَنَاضَلَا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَ سِتَّةً مِنْ عَشَرَةٍ اسْتَحَقَّ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَخْطَأَ الْآخَرُ فِي خَمْسَةٍ فَلَا يَجِبُ الْجُعَلُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا يَحْنَثُ) قَالَ شَيْخُنَا مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ عَامِدًا عَالِمًا أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَإِلَّا حَنِثَ.

[بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ]

(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) (قَوْلُهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ صَامَ يَوْمًا» إلَخْ) وَفِي الْحَدِيثِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ قَوْلًا مِنْ أَحْسَنِهَا أَنَّ الْعَمَلَ بَيْنَ ثَوَابِهِ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضَعْفِ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْعَبْدِ مِقْدَارٌ ثَوَابُهُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَعَلَّقُ خُصَمَاءُ الْمَرْءِ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ لَكِنْ يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَجُلًا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ ظَلَمَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَانْتَهَكَ عِرْضَ هَذَا وَيَأْتِي وَلَهُ صَلَاةٌ وَزَكَاةٌ وَصَوْمٌ قَالَ فَيَأْخُذُ هَذَا بِكَذَا إلَى أَنْ قَالَ وَهَذَا بِصَوْمِهِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ إلَخْ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ تَطَوُّعٍ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ إتْمَامُهُمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُمَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْوَجْهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ) شَمِلَ قَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي السَّفَرِ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي السَّفَرِ أَنَّهُ فَإِنَّهُ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَفْطَرَ فِي قَضَائِهِ فِي السَّفَرِ اسْتَمَرَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ

[فَصْلٌ صوم يَوْمُ عَرَفَةَ]

(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ صَوْمُهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِيَنْظُرَ مَا لَوْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَوْ شَهِدَ بِهَا مَنْ لَا يَقْبَلُ وَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>