للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّحَّةُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ، انْتَهَى. وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ وَالْمُبَعَّضُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.

(وَتَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (كَالْمُسْلِمِ) فَيُوصِي بِمَا يُتَمَوَّلُ أَوْ يُقْتَنَى، لَا بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ يَعْنِي النَّوَوِيَّ فِي الرَّوْضَةِ صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ كَافِرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ أَوْ زَائِلٌ، قُلْتُ: بَلْ هُوَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ كَغَيْرِهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ.

(الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُوصَى لَهُ، فَلَا تَصِحُّ فِي مَعْصِيَةٍ كَذِمِّيٍّ أَوْصَى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ) يُتَعَبَّدُ فِيهَا (أَوْ إسْرَاجِهَا تَعْظِيمًا) لَهَا أَوْ بِكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ مَا فَاتَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ الْإِحْسَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ مَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ مِنْ جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ مُبَاحٍ لَا يَظْهَرُ فِيهِ قُرْبَةٌ كَالْأَغْنِيَاءِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: تَعْظِيمًا مَا لَوْ قَصَدَ بِإِسْرَاجِهَا انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ أَوْ الْمُجْتَازِينَ بِالضَّوْءِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ (وَتَصِحُّ) مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ (بِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ) لِمَا فِيهَا مِنْ إقَامَةِ الشَّعَائِرِ (وَقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ) لِمَا فِيهَا مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا. قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِر: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنْ يُبْنَى عَلَى قُبُورِهِمْ الْقِبَابُ وَالْقَنَاطِرُ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْمَشَاهِدِ إذَا كَانَ فِي الدَّفْنِ فِي مَوَاضِعَ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ أَوْ لِمَنْ دَفَنَهُمْ فِيهَا لَا بِنَاءُ الْقُبُورِ نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَا فِعْلُهُ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعِمَارَتِهَا رَدُّ التُّرَابِ فِيهَا وَمُلَازَمَتُهَا خَوْفًا مِنْ الْوَحْشِ، وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهَا وَإِعْلَامُ الزَّائِرِينَ بِهَا كَيْ لَا تَنْدَرِسَ انْتَهَى.

وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ (وَ) تَصِحُّ (لِفَكِّ الْكُفَّارِ مِنْ أَسْرِنَا) لِأَنَّ الْمُفَادَاةَ جَائِزَةٌ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْأُسَارَى أَوْلَى (وَ) تَصِحُّ (بِبِنَاءِ رِبَاطٍ أَوْ دَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ يَسْتَغِلُّهَا الذِّمِّيُّونَ) لِأَنَّ صَرْفَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يَسْكُنُهُ أَوْ يَسْتَغِلُّهُ.

(فَصْلٌ: وَتَصِحُّ لِمُعَيَّنٍ يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ) وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ (كَالْحَمْلِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً كَمَا يَرِثُ بَلْ أَوْلَى لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَا يَرِثُ كَالْمُكَاتَبِ (لَا) إنْ انْفَصَلَ (مَيِّتًا وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ) وَأَوْجَبْنَا الْغُرَّةَ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَا يَرِثُ (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ بِانْفِصَالِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْهَا (وَكَذَا لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا لِنُدْرَةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَفِي تَقْدِيرِ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ، نَعَمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا قَطُّ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، قَالَهُ السُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ فَإِنْ انْفَصَلَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَكَانَتْ فِرَاشًا لِمَنْ ذَكَرَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَهَا فِي الْأُولَى، وَاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ عِنْدَهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إلْحَاقِ الْأَرْبَعِ سِنِينَ بِمَا فَوْقَهَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ إلْحَاقِهَا بِمَا دُونَهَا، وَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إلْحَاقِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ بِمَا فَوْقَهَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلْحَاقَهَا بِمَا دُونَهَا إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسَعُ لَحْظَتَيْ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعِدَدِ (فَإِنْ أَوْصَى لِلْحَمْلِ) أَيْ: لِحَمْلِ فُلَانَةَ (مِنْ زَيْدٍ اُشْتُرِطَ أَيْضًا لُحُوقُهُ بِهِ وَعَدَمُ نَفْيِهِ) عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَلْتَحِقْ بِهِ بِأَنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ وَلِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ فَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَالْمُبَعَّضُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ) يَمْنَعُ كَوْنَهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ إنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ زَالَ رِقُّهُ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ أَوْ زَائِلٌ) فَالرَّاجِحُ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ

(قَوْلُهُ: وَقِرَاءَتُهُمَا وَنَحْوُهَا) كَكِتَابَةِ أَحْكَامِ شَرِيعَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكُتُبِ النُّجُومِ وَالْفَلْسَفَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ وَدُهْنِ سِرَاجِ الْكَنِيسَةِ وَإِنْ قَصَدَ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ وَالْمُجَاوِرِينَ بِضَوْئِهِ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى تَعَبُّدِهِمْ وَتَعْظِيمِ الْكَنِيسَةِ (قَوْلَهُ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يُبْنَى عَلَى قُبُورِهِمْ الْقِبَابُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ، وَكَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ يُشِيرُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ) أَيْ الْمُعَيَّنِينَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: وَبِبِنَاءِ رِبَاطٍ. . . إلَخْ)

شَرَطَ السُّبْكِيُّ أَنْ لَا يُسَمِّيَهَا كَنِيسَةً وَإِلَّا بَطَلَ قَطْعًا وَيُشْعِرُ بِذَلِكَ تَعْبِيرُهُمَا بِالرِّبَاطِ (قَوْلُهُ: يَسْكُنُهَا أَوْ يَسْتَغِلُّهَا الذِّمِّيُّونَ) لَوْ قَالَ: لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَالتَّعَبُّدِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا بُطْلَانُهَا

[فَصْلٌ الْوَصِيَّة لِمُعَيَّنٍ يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ]

(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ لِمُعَيَّنٍ يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ) وَلَوْ بِفِعْلِ وَلِيِّهِ أَوْ بِإِذْنِهِ (قَوْلُهُ: كَالْحَمْلِ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا) مِنْ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (قَوْلُهُ: لِنُدْرَةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَفِي تَقْدِيرِ الزِّنَا إلَخْ) قَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَاسِقَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ نَرَ مَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاجِرَةِ وَالْعَفِيفَةِ ع قَالَ شَيْخُنَا: أَيْ فَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: رَاجِعٌ لِمَا سِوَى انْفِصَالِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمَّا انْفِصَالُهُ لِدُونِهَا فَيَسْتَحِقُّ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا فِرَاشٌ لِلْعِلْمِ بِوُجُودِهِ حِينَئِذٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّنَةَ فَمَا فَوْقَهَا لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَلَا فِرَاشَ أَيْ قَائِمٌ بِالْفِعْلِ أَمَّا بَقَاءُ الْفِرَاشِ فَلَا لُحُوقَ مَعَهُ لِمَا زَادَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ (قَوْلُهُ: قَالَهُ السُّبْكِيُّ) تَفَقُّهًا لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ.

، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَيْسَتْ فِرَاشًا أَيْ قَائِمًا أَمَّا كَوْنُهَا كَانَتْ فِرَاشًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ ع (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ) وَفِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مَا يَدُلُّ لَهُ (قَوْلُهُ: وَاحْتَمَلَ حُدُوثُهُ) أَيْ مَعَهَا أَوْ (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ إلْحَاقِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ) وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلنَّصِّ (قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعَدَدِ فِي مَحَالَّ أُخَرَ) وَيُرَدُّ بِأَنَّ لَحْظَةَ الْوَطْءِ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْمُقَارَنَةِ فَالسِّتَّةُ مُلْحَقَةٌ عَلَى هَذَا بِمَا فَوْقَهَا كَمَا لَوْ قَالُوهُ هُنَا وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دُونَهَا كَمَا قَالُوهُ فِي الْمَحَالِّ الْأُخَرِ، بِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ وَأَنَّ هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>