للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْجَلْدِ لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَقِيلَ يَدْخُلُ فِيهِ الْجَلْدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بِكْرًا عِنْدَ الزَّنْيَتَيْنِ، وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ اللِّعَانِ وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ فَزَنَى ثَانِيًا فَفِي دُخُولِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَالْحَدَّيْنِ

(فَصْلٌ) لَوْ (شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا؛ لِأَنْفُسِهِمَا) فِي الشَّهَادَةِ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا (وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنْ الرُّفْقَةِ) أَوْ لَا (وَإِنْ بَحَثَ) عَنْ ذَلِكَ (لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُجِيبَا، فَإِنْ قَالَا: نَهَبُونَا) فَأَخَذُوا مَالَنَا رُفْقَتُنَا (لَمْ يُقْبَلَا) لَا فِي حَقِّهِمَا وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا (لِلْعَدَاوَةِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُمْ) أَيْ لِجَمَاعَةٍ بِشَيْءٍ (فَقَالَا) أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ (نَشْهَدُ بِهَا) أَيْ بِالْوَصِيَّةِ (لِهَؤُلَاءِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَا قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ بِهَا لَهُمْ وَلَنَا لَمْ تُقْبَلْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِلتُّهْمَةِ

[بَابٌ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلِّقِ حَدّ شَارِب الْخَمْر]

(بَابٌ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ) شُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: ٩٠] الْآيَةَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَالْخَمْرُ (هِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا اشْتَدَّتْ وَقَذَفَتْ بِالزَّبَدِ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْعَصِيرِ (وَالرُّطَبُ) أَيْ عَصِيرُهُ إذَا صَارَ مُسْكِرًا (، وَالْأَنْبِذَةُ الْمُسْكِرَةُ) وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ (مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ الْخَمْرِ (فِي التَّحْرِيمِ، وَالْحَدِّ، وَالنَّجَاسَةِ) لِمُشَارَكَتِهَا لَهَا فِي كَوْنِهَا مَائِعَةً مُسْكِرَةً (لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا) دُونَ تِلْكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ قَالَ وَكَيْفَ يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ إنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَأَوَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ، فَإِنَّهُ رَدٌّ لِلشَّرْعِ حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ بَلْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ لَا نُكَفِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ بَلْ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ، وَالنَّصُّ عَلَيْهِ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً عَلَى هَذَا (وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ فَكُلُّ مُلْتَزِمِ التَّحْرِيمِ) أَيْ تَحْرِيمِ الْمَشْرُوبِ (شَرِبَ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ) مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ الْقَدْرُ الْمَشْرُوبُ مِنْهُ (مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْحَدُّ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحُدُّ فِي الْخَمْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ خَبَرَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الْقَلِيلَ وَحَدَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا حَرَّمَ تَقْبِيلَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْخَلْوَةَ بِهَا لِإِفْضَائِهِمَا إلَى الْوَطْءِ

(وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْكِرِ الْمُنَصَّفُ) أَيْ شُرْبُهُ (وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ ثَمَرٍ وَرُطَبٍ، وَالْخَلِيطُ) أَيْ شُرْبُهُ (وَهُوَ) مَا يُعْمَلُ (مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ) وَقِيلَ مِنْ ثَمَرٍ وَزَبِيبٍ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا (فَيُحَدُّ) بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ (الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ وَلَوْ حَنَفِيًّا شَرِبَ النَّبِيذَ وَإِنْ قَلَّ) وَلَا يُؤَثِّرُ اعْتِقَادُهُ حِلَّهُ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ وَلِأَنَّ الطَّبْعَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ: وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا إلَخْ) جَرَى فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَعَلَى الثَّانِي فِي بَابِ الزِّنَا قَالَ الكوهكيلوني كَلَامُهُ فِي حَدِّ الزِّنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ لِشَخْصٍ وَفِي بَابِ اللِّعَانِ فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِشَخْصٍ (قَوْلُهُ: صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْأَصْلُ) هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

[فَصْلٌ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا؛ لِأَنْفُسِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ]

(بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ)

(قَوْلُهُ شُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: ٩٠] الْآيَةَ وَقَالَ {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: ٣٣] وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْإِثْمَ هِيَ الْخَمْرُ وَتَظَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَكَذَا الْإِجْمَاعُ (قَوْلُهُ: وَرَوَى الشَّيْخَانِ إلَخْ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَوَاهِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا» (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ) وَقِيلَ بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ الشُّرْبُ لَا مَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ يَعْنِي الشَّاشِيَّ ثُمَّ نَازَعَهُ فِيهِ وَقَالَ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ حَيْثُ كَانَتْ مُبَاحَةً بِالْإِطْلَاقِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ كَانَتْ إلَى حَدٍّ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ عِنْدَهُ إنَّ السُّكْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ كَانَتْ إبَاحَتُهَا لَهُمْ بِاسْتِصْحَابٍ أَوْ شَرْعٍ مُبْتَدَأٍ وَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ الْأَوَّلُ قَالَ شَيْخُنَا وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الثَّانِيَ.

(قَوْلُهُ: دُونَ تِلْكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْمُسْكِرَ مِنْهَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ مِنْهَا وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ هَذَا يَقْتَضِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً عَلَى هَذَا) قَالَ فِيهِ بَعْدَمَا فِي الشَّرْحِ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ حَدِيثِ «التَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ» أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ كَافِرٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ إنْ صَحِبَهَا التَّوَاتُرُ كَالصَّلَاةِ كَفَرَ مُنْكِرُهَا لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا التَّوَاتُرُ لَمْ يَكْفُرْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّ إنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ: شُرْبُ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ) سَيَأْتِي مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ شُرْبُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَجَامِدِهِ وَجَامِدِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ مِمَّا أَصْلُهُ مَائِعٌ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَنَفِيًّا شَرِبَ النَّبِيذَ وَإِنْ قَلَّ) ، فَإِنْ قِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>