للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ (وَ) كَانَتْ (شَهَادَتُهُمَا بِالرِّدَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ) ، وَلَوْ (بِيَمِينِهِ لِتَكْذِيبِهِ الشُّهُودَ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا) قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَهِدَ شُهُودٌ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَأَنْكَرَ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَيُجْعَلُ إنْكَارُهُ رُجُوعًا، وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ بِقَوْلِهِ رَجَعْت فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ، وَتَكْذِيبُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إذَا قَالَ كَذَبَا عَلَيَّ أَوْ لَمْ أَزْنِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي الْأُولَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي اقْتِضَاءِ كَلَامِهِ لِذَلِكَ فِي الْأُولَى نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ دُونَ التَّكْذِيبِ الصَّرِيحِ (إلَّا إنْ كَانَ) ثَمَّ (قَرِينَةٌ) تُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ (كَأَسْرِ كُفَّارٍ) لَهُ (وَنَحْوِهِ) فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ وَحَلَفَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُخْتَارًا، وَلَا حَاجَةَ مَعَ ذِكْرِهِ الْكَافَ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا (بِأَنَّهُ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ تَكَلَّمَ بِكُفْرٍ وَادَّعَى) هُوَ (الْإِكْرَاهَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ (لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ الشُّهُودَ، وَيُجَدِّدُ) نَدْبًا (كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَهَلْ يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمْ تَثْبُتْ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الرِّدَّةِ وُجِدَ، وَالْأَصْلُ الِاخْتِيَارُ (قَوْلَانِ) أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْوِيرَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ تَفْصِيلُهَا فَمِنْ الشَّرَائِطِ الِاخْتِيَارُ فَدَعْوَى الْإِكْرَاهِ تَكْذِيبٌ لِلشَّاهِدِ أَوَّلًا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا شَهِدَ بِالرِّدَّةِ لِتَضَمُّنِهِ حُصُولَ الشَّرَائِطِ أَمَّا إذَا قَالَ إنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَذَا فَيَبْعُدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، وَيَقْنَعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاخْتِيَارُ لِاعْتِضَادِهِ بِسُكُوتِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّفْعِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِرِدَّةِ أَسِيرٍ، وَلَمْ يَدَّعِ إكْرَاهًا حُكِمَ بِرِدَّتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا حُكِيَ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ أَسِيرٌ مَعَ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَحَاطَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَاطَّلَعَ مِنْ الْحِصْنِ، وَقَالَ أَنَا مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا تَشَبَّهْت بِهِمْ خَوْفًا قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ وَمَاتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ارْتَدَّ طَائِعًا.

وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِتَلَفُّظِ رَجُلٍ بِالْكُفْرِ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ أَوْ مُقَيَّدٌ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِإِكْرَاهٍ وَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَسَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ تَلَفَّظَ بِكُفْرٍ ثُمَّ ادَّعَى إكْرَاهًا فَإِنْ فَعَلَهُ فِي خَلْوَةٍ لَمْ يُقْبَلْ أَوْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَهُوَ أَسِيرٌ قُبِلَ قَوْلُهُ أَوْ تَاجِرٌ فَلَا. انْتَهَى.

(وَإِذَا قَالَ مُسْلِمٌ مَاتَ أَبِي مُرْتَدًّا اسْتُفْصِلَ فَإِنْ ذَكَرَ كُفْرًا) كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ (لَمْ يَرِثْهُ وَكَانَ) وَفِي نُسْخَةٍ وَصَارَ (نَصِيبُهُ فَيْئًا) لِبَيْتِ الْمَالِ (وَإِلَّا) بِأَنْ ذَكَرَ غَيْرَ كُفْرٍ كَأَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ (وَرِثَهُ) لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ بِتَفْسِيرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وُقِفَ الْأَمْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَرَجَّحَهُ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ أَنَّ نَصِيبَهُ فَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ كُفْرًا لِإِقْرَارِهِ بِكُفْرِ أَبِيهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُلَائِمُ لِاشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ.

(فَرْعٌ) لَوْ (أُكْرِهَ أَسِيرٌ) أَوْ غَيْرُهُ (عَلَى الْكُفْرِ) بِبِلَادِ الْحَرْبِ (لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ) كَمَا مَرَّ (فَإِنْ مَاتَ هُنَاكَ وَرِثَهُ وَارِثُهُ) الْمُسْلِمُ (فَإِنْ قَدِمَ) عَلَيْنَا (عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ مُعْرِضًا عَنْ الْجَمَاعَاتِ وَالطَّاعَاتِ، وَإِلَّا فَلَا عَرْضَ (اسْتِحْبَابًا) لَا وُجُوبًا كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِدَارِنَا (فَإِنْ امْتَنَعَ) مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ (حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ) مِنْ حِينِ كُفْرِهِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مِنْ حِينَئِذٍ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعَرْضِ وَالتَّلَفُّظِ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قُدُومِهِ عَلَيْنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.

(وَلَوْ ارْتَدَّ أَسِيرٌ مُخْتَارًا ثُمَّ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لَا) إنْ صَلَّى (فِي دَارِنَا)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ بِقَوْلِهِ) أَيْ فِيمَا لَوْ شَهِدَا بِالرِّدَّةِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّهُ يُحَدُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ: إذَا، قَالَ كَذِبًا عَلَيَّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِنْكَارَ دُونَ التَّكْذِيبِ الصَّرِيحِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالرِّدَّةِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُشْبِهُ فِيمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ اب (فَرْعٌ) مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ مَا يَقْتَضِي الرِّدَّةَ، وَلَمْ يَنْهَضْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَصَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ كَيْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ زُورٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى قَبُولَ تَوْبَتِهِ فَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ إذَا جَدَّدَ هَذَا إسْلَامَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيَعْصِمَ دَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ، قَالَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْتَرِفَ أَوْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَخَالَفَهُ بَعْضُ الْمُعْتَبَرِينَ، وَأَفْتَى بِالْجَوَازِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي تَكْلِيفِهِ بِالِاعْتِرَافِ وَالْكَذِبِ إجْحَافٌ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ارْتَدَّ، وَهُوَ يُنْكِرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ لَمْ أَكْشِفْ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَقُلْت لَهُ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ. اهـ. فَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ، وَعِصْمَةِ دَمِهِ، وَإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْنَعَ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِرِدَّتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَحْبُوسٌ أَوْ مُقَيَّدٌ) ، قَالَ شَيْخُنَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّاهِدَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَاهُ الْإِكْرَاهَ، وَلَا إلَى تَعَرُّضِهِ فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُلَائِمُ لِاشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ) بَلْ هُوَ مُلَائِمٌ لِإِطْلَاقِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا مَرَّ مِنْ تَمَكُّنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهَا مِنْ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ كَتَبَ شَيْخُنَا مَا نَصُّهُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الشَّهَادَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ فِيهَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى النَّاقِلِ، وَهُنَا اخْتَلَفَا وَادَّعَى أَحَدُ الِابْنَيْنِ النَّاقِلَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَحْصُلْ اتِّفَاقٌ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا.

[فَرْعٌ أُكْرِهَ أَسِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ]

(قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَمَحَلُّهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>