للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ) عَبَّرَ عَمَّا ذَكَرْته مَا يَحْتَمِلُ الْأَرْكَانَ وَالشُّرُوطَ مُبْتَدِئًا بِالصِّيغَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا ثُمَّ بِالْعَاقِدِ ثُمَّ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ طَبْعًا فَقَالَ (وَيُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِمَا مَرَّ وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ مَيْلُ النَّفْسِ فَاعْتُبِرَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَحْصُلُ (بِالْإِيجَابِ) مِنْ الْبَائِعِ (كَ بِعْتُك) بِكَذَا (أَوْ مَلَّكْتُك بِكَذَا) وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْك بِكَذَا أَوْ أَنَا بَائِعُهُ لَك بِكَذَا وَنَحْوَهَا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ (وَالْقَبُولِ) مِنْ الْمُشْتَرِي (كَ اشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت وَكَذَا إنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي) بِكَلَامِهِ (وَ) كَذَا إنْ (اخْتَلَفَ اللَّفْظُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (فَقَالَ اشْتَرَيْت مِنْك) هَذَا (بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ مَلَّكْتُك أَوْ قَالَ) لَهُ (الْبَائِعُ مَلَّكْتُك فَقَالَ اشْتَرَيْت) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ (فَإِنْ بَدَأَ بِ قَبِلْت لَمْ يَصِحَّ) إذْ لَا يَنْتَظِمُ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَهَذَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ وَأَشَارَ بِكَافِ الْخِطَابِ فِي صِيَغِ الْإِيجَابِ إلَى اعْتِبَارِ الْخِطَابِ فِيهَا وَإِسْنَادِهَا لِجُمْلَةِ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْت وَلَوْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لَهُ بِعْت هَذَا بِكَذَا وَلَا قَوْلُهُ بِعْت يَدَك أَوْ نِصْفَك وَلَا بِعْت مُوَكِّلَك بَلْ يَقُولُ بِعْتُك أَوْ مَلَّكْتُك وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي النِّكَاحِ بِأَنْكَحْت مُوَكِّلَك بَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ االْوَكِيلَ ثَمَّ سَفِيرٌ مَحْضٌ وَقَدْ لَا يُعْتَبَرُ الْخِطَابُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ (وَيُشْتَرَطَانِ) أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ (فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ) وَإِنْ عَلَا (طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ) لِمَالِهِ (مِنْ طِفْلِهِ) وَعَكْسَهُ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا إذْ مَعْنَى التَّحْصِيلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِزَالَةِ وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَكَذَا السَّفِيهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَهَذَا إنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ الْأَبِ وَتَرْجِيحُ الِاشْتِرَاطِ فِيمَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ

(فَرْعٌ وَلَا يَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ (بِالْمُعَاطَاةِ) إذْ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ (وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (الِانْعِقَادَ) لَهُ (فِي كُلٍّ) أَيْ بِكُلِّ (مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ فَيَرْجِعُ لِلْعُرْفِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ (وَبَعْضُهُمْ) كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ (خَصَّصَ جَوَازَ) بَيْعِ (الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ) وَهِيَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ كَرَطْلِ خُبْزٍ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ (الْمَقْبُوضُ بِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ) فَيُطَالِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ) فِي الْإِحْيَاءِ (يَتَمَلَّكُهُ) يَعْنِي لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ (إنْ سَاوَى) قِيمَةَ مَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ ظَفِرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ هَذَا كُلُّهُ فِي الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِطِيبِ النَّفْسِ بِهَا وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَقَرَّهُ قَالَ وَخِلَافُ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَيُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ وَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا

(فَرْعٌ لَوْ قَالَ) شَخْصٌ (بِصِيغَةِ الْأَمْرِ) لِآخَرَ (بِعْنِي أَوْ اشْتَرِ مِنِّي) هَذَا بِكَذَا (فَقَالَ الْآخَرُ بِعْتُك أَوْ اشْتَرَيْت أَوْ قَدْ فَعَلْت) أَوْ نَحْوَهَا صَحَّ لِدَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى اسْتِيجَابًا وَإِيجَابًا وَالثَّانِي اسْتِقْبَالًا وَقَبُولًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا إنْ جَاءَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ) وَلَوْ مُقَدَّرًا (فَقَالَ تَبِيعُنِي أَوْ بِعْتنِي) هَذَا بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُك فَلَا يَصِحُّ (فَإِنَّ جَوَابَهُ إيجَابٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ) بِاشْتَرَيْت أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ (أَوْ) قَالَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةَ مِنْ أَرْكَانِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَجْعَلْ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ مِنْ أَرْكَانِهِ بَلْ جَعَلَهُمَا أَمْرًا خَارِجًا مُجَاوِرًا لَهُ

[بَابُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ]

[يُعْتَبَرُ فِي صِحَّة الْبَيْعُ ثَلَاثَة أُمُورٍ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ]

(قَوْلُهُ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ) قَالَ الْإِمَامُ لَا حَصْرَ لِصَرَائِحِهِ وَالرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ الرِّضَا بَاطِنًا بِدَلِيلِ انْعِقَادِهِ مَعَ الْهَزْلِ (قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُشْتَرِي) هَلْ يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ أَوْ الشَّرْطُ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ الِابْتِدَاءَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي (قَوْلُهُ كَاشْتَرَيْتُ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُوتِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاسِيِّ أَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ كَوْنُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ أَقْبَلُ أَوْ أَشْتَرِي أَوْ ابْتَاعَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ جَعْلُهُ كِنَايَةً فِي الْقَبُولِ. اهـ. الرَّاجِحُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ وَمِثْلُهُ الْإِيجَابُ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ) أَخْرَجَ بِذَلِكَ الِابْتِدَاءَ بِنَعَمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ لِمَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ) وَعَكْسِهِ فَيَقُولُ بِعْت هَذَا لِطِفْلِي وَقَبِلْت لَهُ الْبَيْعَ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بَطَلَ الْإِيجَابُ (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَأَتَى بِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِمَا اثْنَيْنِ لِيَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِالْإِيجَابِ وَالْآخَرُ بِالْقَبُولِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَدَّمَ الْقَبُولَ بِلَفْظِ قَبِلْت

[فَرْعٌ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ]

(قَوْلُهُ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمُوع أَمَّا إذَا كَانَ يَأْخُذُ الْحَوَائِجَ مِنْ الْبَيَّاعِ وَيُحَاسِبُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَيُعْطِيهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا وَمِنْ كَلَامِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْإِحْيَاءِ سَامَحَ فِي ذَلِكَ وَأَخْذُ الْحَاجَاتِ مِنْ الْبَيَّاعِ يَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقُولَ اعْطِنِي بِكَذَا لَحْمًا أَوْ خِنْزِيرًا مَثَلًا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَطْلُوبَهُ بِهِ فَيَقْبِضَهُ وَيَرْضَى بِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبَهُ وَيُؤَدِّيَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَهَذَا مَجْزُومٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا أَرَاهُ الثَّانِي أَنْ يَلْتَمِسَ مَطْلُوبَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِثَمَنٍ كَأَعْطِنِي رَطْلَ لَحْمٍ أَوْ خُبْزٍ مَثَلًا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَهُوَ مَا رَأَى الْغَزَالِيُّ إبَاحَتَهُ وَمَنَعَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ وَهُوَ عُمْدَةُ الْغَزَالِيِّ فِي إبَاحَتِهِ

[فَرْعٌ قَالَ شَخْصٌ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لِآخَرَ بِعْنِي أَوْ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ الْآخَرُ بِعْتُك أَوْ اشْتَرَيْت]

(قَوْلُهُ بِعْنِي أَوْ اشْتَرِ مِنِّي إلَخْ) ظَاهِرُ تَمْثِيلِهِ يَدُلُّ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاسْتِدْعَاءِ بِالصَّرِيحِ فَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الِاسْتِدْعَاءِ بِالْكِنَايَةِ أَوْ يُقَالُ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فِي الصَّرِيحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَقَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ جَرَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى اسْتِيجَابًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>