بِقَوْلِك، وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: ١٩٨] إلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] وَيُكْثِرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيَدْعُونَ بِمَا أَحَبُّوا وَيَصْعَدُونَ الْجَبَلَ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَيَقِفُونَ تَحْتَهُ وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ كَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ.
(فَصْلٌ ثُمَّ) بَعْدَ الْإِسْفَارِ (يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى بِسَكِينَةٍ) وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَالذِّكْرُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الدَّفْعِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً بَادَرَ) أَيْ أَسْرَعَ كَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ (وَبِبُلُوغِ وَادِي مُحَسِّرٍ) بِكَسْرِ السِّنِينَ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فِيهِ أَيْ أُعْيَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَادِي مُحَسِّرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. انْتَهَى، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ كَمَا فِي جَبَلِ أُحَدٍ وَشَجَرِ أَرَاك وَبِبُلُوغِهِمْ مُحَسِّرًا (يُسْرِعُونَ) وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا فُرْجَةً مُشَاةً كَانُوا أَوْ رُكْبَانًا (قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ) حَتَّى يَقْطَعُوا عَرْضَ الْوَادِي لِلِاتِّبَاعِ فِي الرَّاكِبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَاشِي وَلِنُزُولِ الْعَذَابِ فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ؛ وَلِأَنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ فِيهِ فَأُمِرْنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ وَيَقُولُ الْمَارُّ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
إلَيْك تَعْدُوا قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا وَالْوَضِينُ حَبْلٌ كَالْحِزَامِ وَبَعْدَ قَطْعِهِمْ وَادِي مُحَسِّرٍ يَسِيرُونَ بِسَكِينَةٍ.
(وَيَدْخُلُونَهَا) أَيْ مِنًى (بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ (وَيَرْمِي كُلٌّ مِنْهُمْ) حِينَئِذٍ (جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) وَهِيَ أَسْفَلُ الْجَبَلِ مُرْتَفِعَةٌ عَنْ الْجَادَّةِ عَلَى يَمِينِ السَّائِرِ إلَى مَكَّةَ (قَبْلَ نُزُولِ الرَّكْبِ) مِنْهُمْ (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) (وَيُكَبِّرُ) مَكَانَ التَّلْبِيَةِ (مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحِكْمَةُ رَمْيِ الرَّاكِبِ قَبْلَ نُزُولِهِ أَنَّ الرَّمْيَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يَبْدَأُ بِغَيْرِهِ وَكَيْفِيَّةُ التَّكْبِيرِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ (ثُمَّ) بَعْدَ الرَّمْيِ يَنْصَرِفُونَ فَيَنْزِلُونَ مَوْضِعًا بِمِنًى وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا مَنْزِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قَارَبَهُ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَمَنْزِلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى عَنْ يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ، ثُمَّ (يَحْلِقُونَ) أَوْ يُقَصِّرُونَ (وَ) يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ (الْمُهْدِي بَعْدَ ذَبْحِ هَدْيِهِ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(ثُمَّ) بَعْدَ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ (يَدْخُلُونَ مَكَّةَ فَيَطُوفُونَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَيُسَمَّى الزِّيَارَةُ وَالرُّكْنُ) أَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَالرُّكْنُ وَالْفَرْضُ وَالصَّدْرُ بِفَتْحِ الدَّالِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ نَحْوَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ وَقَدْ يُسَمَّى طَوَافُ الصَّدْرِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَسُمِّيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لِإِتْيَانِهِمْ بِهِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ مِنْ مِنًى وَالزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَ مِنْ مِنًى زَائِرِينَ الْبَيْتَ وَيَعُودُونَ فِي الْحَالِ وَالرُّكْنُ وَالْفَرْضُ لِتَعَيُّنِهِ وَالصَّدَرُ؛ لِأَنَّهُمْ يَصْدُرُونَ لَهُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَطُوفُوا يَوْمَ النَّحْرِ وَأَنْ يَكُونَ ضَحْوَةً وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ (وَيَسْعَى بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ) بِخِلَافِ مَا إذَا سَعَى لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تُكْرَهُ إعَادَتُهُ (ثُمَّ) بَعْدَ السَّعْيِ (يَعُودُونَ) قَبْلَ صَلَاتِهِمْ الظُّهْرَ (مِنًى لِلْمَبِيتِ) بِهَا وَالرَّمْيِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (فَيُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ» ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَفَاضَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَطَافَ وَصَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّتَيْنِ بِطَائِفَةٍ، وَمَرَّةً بِأُخْرَى «فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ صَلَاتَهُ بِمِنًى وَجَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ وَالْجَمْع» بِهَذَا قَدْ يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ طَوَافَهُ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ» فَجَوَابُهُ أَنَّ رِوَايَاتِ غَيْرِهِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَأَكْثَرُ رُوَاةً وَأَنَّهُ يُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ «أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ بِطَوَافِ نِسَائِهِ» فَإِنْ قِيلَ هَذَا التَّأْوِيلُ تَرُدُّهُ رِوَايَةُ «وَزَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا» قُلْنَا لَعَلَّهُ عَادَ لِلزِّيَارَةِ لَا لِلطَّوَافِ فَزَارَ مَعَ نِسَائِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا.
[فَرْعٌ الْحَلْق رُكْن]
(فَرْعُ الْحَلْقِ) أَيْ إزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ (فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ رُكْنٌ) فَهُوَ نُسُكٌ (لَا اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ) لِلدُّعَاءِ لِفَاعِلِهِ بِالرَّحْمَةِ وَلِتَفْصِلِيهِ عَلَى التَّقْصِيرِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْمُبَاحَاتِ فَيُثَابُ فَاعِلُهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْكِفَايَةِ الْأَوْلَى لِلضَّعَفَةِ أَنْ يُدْفَعُوا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute