للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ الْوَلَدُ غَايَتُهُ ظَنٌّ، وَهُوَ لَا يُنَافِي فِي الْإِمْكَانِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْوَطْءَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ بِكُلِّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ كَمَا لَوْ زَنَى مُرَاهِقٌ بِبَالِغَةٍ أَوْ مَجْنُونٌ بِعَاقِلَةٍ أَوْ مُكْرَهٌ بِطَائِعَةٍ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ أَشَلَّ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ كَالذَّكَرِ الْمُبَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُهَا.

(فَصْلٌ: الْعِدَّةُ) أَيْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ تَكُونُ (بِالْأَقْرَاءِ) وَلَوْ جُلِبَ الْحَيْضُ فِيهَا بِدَوَاءٍ (وَالْأَشْهُرِ وَالْحَمْلِ) قَالَ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَقَالَ {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: ٤] إلَى قَوْلِهِ {حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَالْأَقْرَاءُ جَمْعُ قَرْءٍ بِفَتْحِ الْقَافِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَهُوَ لُغَةٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الطُّهْرُ كَمَا قَالَ (وَالْأَقْرَاءُ هِيَ الْأَطْهَارُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَيْ فِي زَمَنِهَا، وَهُوَ زَمَنُ الطُّهْرِ إذْ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ كَمَا مَرَّ وَقَدْ قُرِئَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ وَقَبْلُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْءَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ قَرَأْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْته فِيهِ فَالطُّهْرُ أَحَقُّ بِاسْمِ الْقُرْءِ؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ اجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، وَالْحَيْضُ زَمَنُ خُرُوجِهِ مِنْهُ فَيَنْصَرِفُ الْإِذْنُ إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ الَّذِي هُوَ زَمَنُ الْعِدَّةِ وَزَمَنُهَا يَعْقُبُ زَمَنَ الطَّلَاقِ.

(وَالطُّهْرُ مَا احْتَوَشَهُ دَمَانِ) أَيْ دَمَا حَيْضَيْنِ أَوْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ لَا مُجَرَّدُ الِانْتِقَالِ إلَى الْحَيْضِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرُ الْمُحْتَوَشُ بِدَمَيْنِ الطُّهْرَ بِتَمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تُحْسَبُ قُرْءًا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ هَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ الطُّهْرِ الْمُحْتَوَشِ شَيْءٌ أَمْ يَكْفِي الِانْتِقَالُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ) وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ لَحْظَةٌ أَوْ جَامَعَهَا فِيهِ (انْقَضَتْ) عِدَّتُهَا (بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ) وَلَا يَبْعُدُ تَسْمِيَةُ قُرْأَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ كَمَا يُقَالُ خَرَجْت مِنْ الْبَلَدِ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ مَعَ وُقُوعِ خُرُوجِهِ فِي الثَّالِثِ، وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَبَعْضُ ذِي الْحِجَّةِ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَعْتَدَّ بِالْبَاقِي قُرْءًا لَكَانَ أَبْلَغَ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ (أَوْ) طَلَّقَهَا (فِي الْحَيْضِ فَبِالطَّعْنِ فِي) الْحَيْضَةِ (الرَّابِعَةِ) انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي انْقِضَائِهَا فِي تِلْكَ وَهَذِهِ (مُضِيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي تِلْكَ وَالرَّابِعَةِ فِي هَذِهِ، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ وَلِئَلَّا تَزِيدَ الْعِدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ (لَكِنْ يَتَبَيَّنُ بَقَاؤُهَا بِانْقِطَاعِهِ دُونِهِمَا) إذْ لَمْ يَعُدْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (وَزَمَنُ الطَّعْنِ فِي الْحَيْضِ) الْأَخِيرِ فِي الصُّورَتَيْنِ (لَيْسَ مِنْ الْعِدَّةِ) بَلْ يَتَبَيَّنُ بِهِ انْقِضَاؤُهَا كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ.

(فَرْعٌ) لَوْ (طَلَّقَ مَنْ لَمْ تَحِضْ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ قَالَ لِمَنْ تَحِيضُ أَنْت طَالِقٌ فِي آخِرِ طُهْرِك) أَوْ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ طُهْرِك (لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ) الزَّمَنُ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ (قُرْءًا) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ مَا احْتَوَشَهُ دَمَانِ.

(فَصْلٌ: وَالْعِدَّةُ لِلْحُرَّةِ) ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَغَيْرِ الْحَامِلِ (ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَيُجْمَعُ قُرْءٌ عَلَى أَقْرُؤٍ أَيْضًا فَلَهُ ثَلَاثَةُ جُمُوعٍ كَمَا ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ جَمْعُهُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ قُرُوءٌ كَمَا فِي الْآيَةِ وَبِمَعْنَى الْحَيْضِ أَقْرَاءٌ كَمَا فِي خَبَرِ «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» وَجَرَى الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَبَّرَ بِأَقْرَاءٍ نَظَرًا لِجَمْعِ الْقِلَّةِ الْمُرَادِ هُنَا، وَإِنْ خَالَفَ نَظْمَ الْقُرْآنِ. وَالْعِدَّةُ (لِمَنْ فِيهَا رِقٌّ) وَلَوْ مُبَعَّضَةً، وَهِيَ وَذَاتُ أَقْرَاءٍ وَغَيْرُ حَامِلٍ (قُرْآنِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِقُرْأَيْنِ؛ وَلِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا كَمَّلَتْ الْقُرْءَ الثَّانِيَ لِتَعَذُّرِ تَبْعِيضِهِ كَالطَّلَاقِ إذْ لَا يَظْهَرُ نِصْفُهُ إلَّا بِظُهُورِ كُلِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِظَارِ إلَى أَنْ يَعُودَ الدَّمُ (فَإِذَا أُعْتِقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ لَا بَيْنُونَةً أَتَمَّتْ ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَنْكُوحَةِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ كَمَا أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَاقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ تَصْحِيحِ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٍ وَنَقَلَ عَنْ اخْتِيَارِ الْمُزَنِيّ وَتَصْحِيحِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمْ تَكْمِيلَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِي الْبَائِنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ فَتُنْتَقَلُ إلَيْهَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْوَطْءَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ إلَخْ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ رَاجِعٌ لِلْمُشَبَّهِ، وَهُوَ الذَّكَرُ الْأَمْثَلُ لَا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهُوَ الْمُبَانُ فَلَا تَجِبُ بِهِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] إلَخْ) «وَطَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ تِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ أَنَّ الْعِدَّةَ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) أَوْ دِمَاءِ نِفَاسٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ إلَخْ) سَكَتَ عَمَّا لَوْ لَمْ تَذْكُرْ الْمَرْأَةُ هَلْ طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ، وَقَالَ شَيْخُهُ الصَّيْمَرِيُّ: تَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إلَّا بِيَقِينٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ وَالصَّوَابُ وَقَوْلُهُ تَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ عِدَّةُ الْحُرَّةِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَغَيْرِ الْحَامِلِ]

(قَوْلُهُ: وَالْعِدَّةُ لِلْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) شَمِلَ مَا لَوْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَدْ تَعْتَدُّ الْمَرْأَةُ لِلطَّلَاقِ بِعِدَّةِ حُرَّةٍ وَلِلْوَفَاةِ بِعِدَّةِ أَمَةٍ وَذَلِكَ فِي اللَّقِيطَةِ إذَا بَلَغَتْ، وَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ فَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ حَقٌّ لِلزَّوْجِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ حَقٌّ لِلَّهِ (قَوْلُهُ: وَلِمَنْ فِيهَا رِقٌّ قُرْآنِ) شَمِلَ مَا لَوْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>