للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضٍ وَإِذَا تَفَاوَتُوا فِي الْجِزْيَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ فَيَجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ عِشْرِينَ مَثَلًا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَشَرَةً وَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ فِي جِنْسِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ أَطْعِمَةً فَاخِرَةً أَجْحَفَ بِهِ الضِّيفَانُ (وَ) يُبَيِّنُ لَهُمْ (جِنْسَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرِهِمَا) بِالنِّسْبَةِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنَّا كَأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ.

وَكَذَا مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ (وَ) يُبَيِّنُ (الْعَلَفَ) أَيْ عَلَفَ الدَّوَابِّ مِنْ تِبْنٍ وَحَشِيشٍ وَقَتٍّ (لَا قَدْرَهُ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ (إلَّا الشَّعِيرُ) إنْ ذَكَرَهُ (فَيُقَدِّرُهُ) وَإِطْلَاقُ الْعَلَفِ لَا يَقْتَضِي الشَّعِيرَ فَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ دَوَابُّ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ إلَّا وَاحِدَةً نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَلَا يَلْزَمُهُ) الْأَنْسَبُ يَلْزَمُهُمْ (أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَمَّامٍ وَثَمَنُ دَوَاءٍ وَ) يُبَيِّنُ لَهُمْ (الْمَنَازِلَ) أَيْ مَنَازِلَ الضِّيفَانِ (مِنْ فُضُولِ مَنَازِلِهِمْ) وَبُيُوتِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا ضِيَافَةَ عَلَيْهِمْ (وَالْكَنَائِسَ) وَنَحْوِهَا (الدَّافِعَةَ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ) وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ تَعْلِيَةَ الْأَبْوَابِ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا كَمَا شَرَطَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ (وَلَا يُخْرَجُونَ) أَيْ أَرْبَابُ الْمَنَازِلِ (مِنْ مَنَازِلِهِمْ) ، وَإِنْ ضَاقَتْ (وَهِيَ) أَيْ الضِّيَافَةُ (زِيَادَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ) لَا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْجِزْيَةُ عَلَى التَّمْلِيكِ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْزِئُ فِيهَا التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ (تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ) مِنْهُمْ (وَإِنْ اعْتَاضَ عَنْهَا) أَيْ الضِّيَافَةِ (الْإِمَامُ دَرَاهِمَ) أَوْ دَنَانِيرَ وَبِهَا عَبَّرَ الْأَصْلُ (بِرِضَاهُمْ جَازَ وَاخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْفَيْءِ) كَالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الدِّينَارُ وَيُفَارِقُ الضِّيَافَةَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ قَدْ تَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ

(فَرْعٌ لِضَيْفِهِمْ حَمْلُ الطَّعَامِ) مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُمَةٌ وَمَا هُنَا مُعَارَضَةٌ (لَا الْمُطَالَبَةُ بِالْعِوَضِ وَ) لَا (طَعَامِ الْغَدِ وَلَا) طَعَامِ (الْأَمْسِ) الَّذِي لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ

(وَإِنْ ازْدَحَمَ الضِّيفَانُ عَلَى الْمُضِيفِ) لَهُمْ (أَوْ عَكْسُهُ خُيِّرَ الْمُزْدَحَمُ عَلَيْهِ) فَيُخَيَّرُ الْمُضِيفُ فِي الْأُولَى وَالضَّيْفُ فِي الثَّانِيَةِ (وَإِنْ كَثُرَتْ الضِّيفَانُ عَلَيْهِمْ بَدَءُوا بِالسَّابِقِ) لِسَبْقِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تُسَاوَوْا (أَقْرَعَ) بَيْنَهُمْ وَلِيَكُنْ لِلضِّيفَانِ عَرِيفٌ يُرَتِّبُ أَمْرَهُمْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ

(فَصْلٌ وَالْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ) مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ (بِرِفْقٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ) وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ الْمَذْكُورِ فِي آيَةِ الْجِزْيَةِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَمَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ الْآخِذُ وَيَقُومَ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَيَحْنِيَ ظَهْرَهُ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ فِي الْمِيزَانِ وَيَقْبِضَ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبَ لِهْزِمَتَيْهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَوْ وُجُوبِهَا أَشَدُّ خَطَأً وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا (فَلَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ فِي أَدَائِهَا وَتَضْمِينُهُ) لَهَا (وَالْحَوَالَةُ) بِهَا (عَلَيْهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهَيْئَةَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ

(فَصْلٌ) لَوْ (طَلَبَ قَوْمٌ) مِمَّنْ يُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ عَرَبٌ أَوْ عَجَمٌ (أَنْ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ) لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ (وَقَدْ عَرَفُوهَا) حُكْمًا وَشَرْطًا (وَ) أَنْ (يُضَعَّفَ) عَلَيْهِمْ (أُجِيبُوا) إلَى ذَلِكَ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَسَقَطَ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ وَاسْمُ الْجِزْيَةِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَصَارَى الْعَرَبِ لَمَّا قَالُوا لَهُ نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا تُؤَدِّيهِ الْعَجَمُ فَخُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ لِزَكَاةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فِيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَعَقَدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ هَذَا (إنْ تَيَقَّنَّا وَفَاءَهَا بِدِينَارٍ) وَإِلَّا فَلَا يُجَابُوا (وَلَوْ اقْتَضَى) إجَابَتُهُمْ (تَسْلِيمَ بَعْضٍ) مِنْهُمْ (عَنْ بَعْضٍ) مَا الْتَزَمُوهُ فَإِنَّهُمْ يُجَابُونَ وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ (فَيَقُولُ الْإِمَامُ) فِي صُورَةِ الْعَقْدِ (جَعَلْت عَلَيْكُمْ ضِعْفَ الصَّدَقَةِ أَوْ صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ) أَوْ نَحْوَهُ (وَهِيَ) أَيْ الْأَمْوَالُ الْمَأْخُوذَةُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ (جِزْيَةٌ) حَقِيقَةً، وَإِنْ بُدِّلَ اسْمُهَا (تُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ) فَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضُوا بِالْمَعْنَى (وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ) وَخُنْثَى بِخِلَافِ الْفَقِيرِ (فَإِنْ وَفَّى قَدْرَ الزَّكَاةِ) بِلَا تَضْعِيفٍ (أَوْ نِصْفَهَا) أَنَّ نِصْفَهَا (بِالدِّينَارِ يَقِينًا لَا ظَنًّا كَفَى أَخْذُهُ) فَلَوْ كَثُرُوا وَعَسُرَ عَدَدُهُمْ لِمَعْرِفَةِ الْوَفَاءِ بِالدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ أَخْذِ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ تَضْعِيفُهَا وَلَا تَنْصِيفُهَا فَيَجُوزُ تَرْبِيعُهَا وَتَخْمِيسُهَا وَنَحْوُهُمَا عَلَى مَا يَرَوْنَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ (وَلَوْ شَرَطَ الضِّعْفَ) لِلزَّكَاةِ (وَكَثُرَ) أَيْ زَادَ عَلَى دِينَارٍ (وَبَذَلُوا الدِّينَارَ) بِأَنْ سَأَلُوا إسْقَاطَ الزَّائِدِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ إلَّا الشَّعِيرَ) أَيْ أَوْ نَحْوَهُ

[فَرْعٌ ضَيْفُ أَهْلُ الْجِزْيَةِ يَحْمِلُ طَعَامَهُ]

(قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ فَهِيَ مُوَاسَاةٌ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ

(قَوْلُهُ بَدَءُوا بِالسَّابِقِ) قَالَ شَيْخُنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ

[فَصْلٌ الْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ]

(قَوْلُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آخِذُهَا ذِمِّيًّا (قَوْلُهُ وَيَقْبِضُ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ وَيَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَدِّ حَقَّ اللَّهِ) كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَالْغَزِّيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمْ فس (قَوْلُهُ مَرْدُودٌ) هَذَا خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَتَفْسِيرُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ) فَتَكُونُ حَرَامًا (قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) فَهِيَ حَرَامٌ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ إنْ تَأَذَّى بِهَا وَإِلَّا فَمَكْرُوهَةٌ

[فَصْلٌ طَلَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ]

(قَوْلُهُ وَأَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ أُجِيبُوا) شَمِلَ تَضْعِيفُ زَكَاةِ الْمَالِ التِّجَارَةَ وَالْمَعْدِنَ وَالرِّكَازَ (قَوْلُهُ كَفَى أَخْذُهُ) وَاسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ زِيَادَةَ شَيْءٍ عَلَى قَدْرِ الزَّكَاةِ كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>