وَتَعْيِينُهُ لِلْوَرَثَةِ، نَقَلَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ.
[فَصْلٌ الْقَبُولُ فِي الْوَصِيَّة]
(فَصْلٌ: وَأَمَّا الْقَبُولُ فَيَجِبُ فِي الْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ) كَالْهِبَةِ. فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ لِلْغَزَالِيِّ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ، وَالْأَرْجَحُ فِيهَا الْبُطْلَانُ، لَكِنَّ الْقَبُولَ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا سَيَأْتِي فَهِيَ دُونَهَا وَدَخَلَ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُتَعَدِّدُ الْمَحْصُورُ كَبَنِي زَيْدٍ فَيَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمْ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ غَيْرَ آدَمِيٍّ كَمَسْجِدٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُ الْمُعَيَّنِ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ لَفْظِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ، وَيُشْبِهُ الِاكْتِفَاءَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْأَخْذُ، كَالْهَدِيَّةِ (لَا) فِي الْوَصِيَّةِ (لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ) وَالْقَبِيلَةِ كَالْهَاشِمِيَّةِ والمطلبية وَالْعَلَوِيَّةِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الْقَبُولُ لِتَعَذُّرِهِ كَمَا فِي الْوَقْفِ بَلْ تَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَسَيَأْتِي (وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْمَوْتِ) لِلْمُوصِي (قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ) لِلْوَصِيَّةِ فَلِمَنْ قَبِلَ فِي الْحَيَاةِ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْعَكْسِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ مِلْكٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَشْبَهَ إسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُقُودِ النَّاجِزَةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ الْفَوْرَ لَاشْتُرِطَ عَقِبَ الْإِيجَابِ وَيُفَارِقُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُمَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَيَبْطُلَانِ بِالتَّأْخِيرِ (وَيَصِحُّ الرَّدُّ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ لَا بَعْدَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ) الْمُوصَى لَهُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ حَصَلَ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ رَاضَى الْوَرَثَةَ فَهُوَ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ مِنْهُ لَهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ قَبْلَ الْقَبْضِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ، وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ فَصَحَّحَ الصِّحَّةَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتِمَّ، وَرَدَّ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ: وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ تَبِعَ الْبَغَوِيّ فِي التَّرْجِيحِ.
(وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ وَلِآخَرَ بِمَنْفَعَتِهَا فَرَدَّهَا) الْآخَرُ (رَجَعَتْ لِلْوَرَثَةِ لَا لِصَاحِبِ الْعَيْنِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِهَا (وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ) أَيْ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ (بَعْدَ خِدْمَةِ زَيْدٍ سَنَةً فَرَدَّهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ (لَمْ يَعْتِقْ قَبْلَ السَّنَةِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَرُدَّهَا (وَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقَبُولِ أَوْ بِالرَّدِّ) إذَا لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَإِنْ امْتَنَعَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَمَحَلُّهُ فِي الْمُتَصَرِّفِ لِنَفْسِهِ، أَمَّا لَوْ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَبُولِ لِمَحْجُورِهِ وَكَانَ الْحَظُّ لَهُ فِيهِ فَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْبَلُ وَلَا يَحْكُمُ بِالرَّدِّ (فَإِنْ مَاتَ) الْمُوصَى لَهُ (قَبْلَ) مَوْتِ (الْمُوصِي بَطَلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ مَوْتَهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ الْبُطْلَانِ (أَوْ) مَاتَ (بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبُولِ) وَالرَّدِّ (قَبِلَ وَارِثُهُ) أَوْ رَدَّ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ، لَا يُقَالُ بَلْ تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ بِغَيْرِ قَبُولٍ لِأَنَّا نَقُولُ وَارِثُ الْمُوصَى لَهُ فَرْعٌ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْأَصْلُ بِغَيْرِ قَبُولٍ فَالْفَرْعُ أَوْلَى، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ: وَقَبْلَ الْقَبُولِ مِنْ زِيَادَتِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ كَانَ وَارِثَهُ طِفْلًا فَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي الْهِبَةِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ حَظُّهُ فِي الْقَبُولِ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقَبُولُ لَهُ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْوَارِثِ الْوَارِثَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ حَتَّى لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ خَاصٍّ قَامَ الْإِمَامُ مَقَامَهُ، فَإِذَا قَبِلَ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّبِيلِيُّ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَيِّمِ الْمَسْجِدِ فِيمَا نَظُنُّهُ فس وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْمَوْتِ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ) مِنْ خَصَائِصِ الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ مُوجِبِهَا وَلَا بِجُنُونِهِ وَلَا بِإِغْمَائِهِ.
، قَالَ الْجِيلِيُّ لَا يَدْخُلُ الْمُوصَيْ بِهِ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ إلَّا بِقَوْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ أُعْتِقَ شَاءَ أَوْ أَبَى، وَإِذَا أَوْصَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ قُضِيَ عَنْهُ شَاءَ الدَّائِنُ أَوْ أَبَى، وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِفِدَاءِ أَسِيرٍ، وَإِذَا أَوْصَى بِإِبْرَاءِ زَيْدٍ مِنْ دَيْنِهِ أُبَرِّئَ مِنْهُ وَإِنْ أَبَى. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيمَا عَدَّدَهُ نَظَرٌ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ لَوْ أَوْصَى لِسَفِيهٍ أَوْ نَحْوِهِ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ لَهُ وَلِيُّهُ بِشَرْطِهِ مَثَلًا أَوْ أَبَى، وَإِذَا أَوْصَى لِعَبْدٍ بِشَيْءٍ فَقَبِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ، وَأُلْحِقَ بِهَذَا مَا نَظْفَرُ بِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ) قَضِيَّةُ كَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي تَرْكُهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ حَتَّى يَشَاءَ، وَقَدْ يَتَضَرَّرُ الْوَارِثُ بِذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ فَإِنْ أَبَى حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَقَدْ صَحِّحُوا فِي صِحَّةِ الشُّفْعَةِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ وَلَمْ يَعْفُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُلْزِمَهُ بِالْأَخْذِ أَوْ الْعَفْوِ، وَقَدْ خَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ التَّرَاخِيَ هُنَا بِمَا إذَا لَمْ تُقَسَّمْ التَّرِكَةُ وَتُنَفَّذْ الْوَصَايَا فَإِنْ.
عَلِمَ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ جَزْمًا، فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ، وَذَكَرَهُ غَيْرُ الْمَاوَرْدِيِّ أَيْضًا ع: هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلرَّشِيدِ أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَظُّ لَهُ فِي الرَّدِّ رَدَّ الْوَلِيُّ أَوْ فِي الْقَبُولِ وَفِي التَّأْخِيرِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ غَلَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ دَرٍّ أَوْ فَسَادِ الْمُوصَى بِهِ وَنَحْو ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْقَبُولِ وَلَا يَسُوغُ التَّأْخِيرُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ غ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ) لِأَنَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِبُطْلَانِ الرَّدِّ فَقَالَ: وَتَمَامُ الْمِيرَاثِ أَنْ يَمُوتَ الْمُورِثُ قَبَضَهُ الْوَارِثُ أَمْ لَمْ يَقْبِضْهُ قَبِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَتَمَامُ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَقْبَلَهَا الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا (قَوْلُهُ: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ) عِبَارَتُهَا: إذَا قَبْلَهُ فَقَدْ مَلَكَ فَإِنْ رَدَّهُ صَحَّ وَيَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.
وَلَيْسَ الرَّدُّ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّمَامِ امْتِنَاعُ الرَّدِّ فَقَدْ يُرَدُّ بِعَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ بَعْدَ التَّمَامِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ الرَّدِّ
(قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي) أَوْ مَعَهُ (قَوْلُهُ: قَبِلَ وَارِثُهُ أَوْ سَيِّدُهُ) وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَابِلِ إلَّا الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقَبُولُ لَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute