الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الرِّيبَةِ) ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ إسْكَانَهُمَا فِي مَوْضِعِ الْبَرَاءَةِ أَهْوَنُ مِنْ الْفَضِيحَةِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً.
(فَصْلٌ: الطِّفْلُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ إنْ افْتَرَقَا وَصَلَحَا) لِلْحَضَانَةِ وَيَكُونُ عِنْدَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْغُلَامَةُ كَالْغُلَامِ كَمَا فِي الِانْتِسَابِ (وَلَوْ تَفَاضَلَا) أَيْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ دِينًا أَوْ مَالًا أَوْ مَحَبَّةً لِلْوَلَدِ فَإِنَّ الطِّفْلَ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْفَاضِلُ أَمَّا إذَا صَلُحَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَلَا يُخَيَّرُ، وَالْحَضَانَةُ لَهُ فَإِنْ عَادَ صَلَاحُ الْآخَرِ أُنْشِئَ التَّخْيِيرُ (وَالْجَدُّ) ، وَإِنْ عَلَا (كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ فَيُخَيَّرُ الطِّفْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ (وَكَذَا الْأَخُ، وَالْعَمُّ) أَيْ يُخَيَّرُ بَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْأُمُّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ الْعُصُوبَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْحَوَاشِي كَالْأُصُولِ (وَمِثْلُهُمَا ابْنُ الْعَمِّ فِي حَقِّ الذَّكَرِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُ بِالْأُنْثَى) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ لَكِنْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّخْيِيرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ إطْلَاقِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأُمِّ، وَالْعَصَبَةِ فَإِنْ كَانَ الْعَصَبَةُ ابْنَ عَمٍّ لَمْ تُسَلَّمْ إلَيْهِ الْبِنْتُ، وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ بَلْ زَادَ مَا يُؤَكِّدُهُ فَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ تُسَلَّمُ إلَيْهِ الْبِنْتُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَالْمُشْتَهَاةُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ مُمَيِّزَةٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَسَيَأْتِي مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَالْجَدَّةُ كَالْأُمِّ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ عَدَمِهَا أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا.
(وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَبٍ وَأُخْتٍ أَوْ) وَ (خَالَةٍ) كَمَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ، وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الْعَزِيزِ إذَا قُدِّمَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ، وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبٍ وَأُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ إذَا قُدِّمَا عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ لَكِنَّ قَوْلَهَا الْمَذْكُورَ سَهْوٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأُخْتِ بَيْنَ الَّتِي لِلْأَبِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَيَّدَهَا بِاَلَّتِي لِغَيْرِ الْأَبِ لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ (وَإِذَا خُيِّرَ بَيْنَ الْأُمِّ وَبَيْنَهُمْ) أَيْ الْعَصَبَةِ (فَهُوَ) أَيْ التَّخْيِيرُ (بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهَا) مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ مِنْ الْإِنَاثِ (أَوْلَى) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا مُدَّةً ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرُ اُتُّبِعَ، وَإِنْ تَكَرَّرَ) ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنْ اخْتَارَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمُتَّبِعَ شَهْوَتُهُ كَمَا قَدْ يَشْتَهِي طَعَامًا فِي وَقْتٍ، وَغَيْرَهُ فِي آخَرَ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ مُرَاعَاةَ الْجَانِبَيْنِ (إلَّا إنْ ظَنَّ) بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ (عَدَمَ تَمْيِيزِهِ) فَيَبْقَى لِلْأُمِّ كَمَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَجْرِي بَيْنَ ذَكَرَيْنِ، وَلَا أُنْثَيَيْنِ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ نَقَلَهُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ جَرَيَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فَبَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْلَى.
(فَرْعٌ: لِلْأَبِ إنْ اُخْتِيرَ مَنْعُ الْأُنْثَى لَا) مَنْعُ (الذَّكَرِ مِنْ زِيَارَةِ الْأُمِّ) لِتَأَلُّفِ الصِّيَانَةِ وَعَدَمِ الْبُرُوزِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا لِسِنِّهَا وَخِبْرَتِهَا (لَا) مِنْ (عِيَادَتِهَا) لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ أَمَّا الذَّكَرُ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْلَفَ الْعُقُوقَ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ (وَلِلْأُمِّ زِيَارَتُهُمَا فِي بَيْتِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ) يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى الْعَادَةِ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الدُّخُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ يَلْزَمُ الْأَبَ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ الدُّخُولِ وَلَا يُوَلِّهُهَا عَلَى وَلَدِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفْهِمُ عَدَمَ اللُّزُومِ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ فَإِنْ بَخِلَ الْأَبُ بِدُخُولِهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهَا إلَيْهَا (وَلَا تُطِيلُ الْمُكْثَ) إذَا دَخَلَتْ بَيْتَهُ لِلزِّيَارَةِ (وَتَسْتَحِقُّ تَمْرِيضَهُمَا فِي بَيْتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَيْهِ هَذَا (إنْ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا) وَيَعُودُهُمَا (وَيَخْرُجُ عَنْهَا) مِنْ بَيْتِهِ (عِنْدَ الزِّيَارَةِ، وَالتَّمْرِيضِ) فِيهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) ثَمَّ (ثَالِثٌ) مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَلَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مِمَّنْ يُسْتَحَى مِنْهُ وَضَاقَ الْبَيْتُ احْتِرَازًا عَنْ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ (وَلَا تُمْنَعُ مِنْ حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا) فِي بَيْتِهِ (إنْ مَاتَا، وَإِنْ مَرِضَتْ) هِيَ (مَرَّضَتْهَا الْأُنْثَى إنْ أَحْسَنَتْ) تَمْرِيضَهَا بِخِلَافِ الذَّكَرِ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ تَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يُمَرِّضَهَا، وَإِنْ أَحْسَنَ.
(وَإِنْ اُخْتِيرَتْ الْأُمُّ، وَالْوَلَدُ أُنْثَى كَانَتْ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا) لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانِ فِي حَقِّهَا (وَيَزُورُهَا الْأَبُ) عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَسْكَنِ زَوْجٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَخْرَجَتْهَا إلَيْهِ لِيَرَاهَا وَيَتَفَقَّدَ حَالَهَا (وَيُلَاحِظَهَا) بِقِيَامِهِ بِتَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحَمُّلِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ الطِّفْلُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ إنْ افْتَرَقَا]
فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: الطِّفْلُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ إلَخْ) إذَا كَانَ عَارِفًا بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ، وَإِلَّا أُخِّرَ إلَى حُصُولِ ذَلِكَ وَالْأَمْرُ فِيهِ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُ بِالْأُنْثَى) أَيْ إذَا كَانَتْ مُشْتَهَاةً، وَلَيْسَ لَهُ بِنْتٌ تَصْلُحُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَيَّدَهَا إلَخْ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِثْلُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ الْعَمَّةُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْجَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ لِلْأَبِ مَنْعُ الْأُنْثَى مِنْ زِيَارَةِ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَة]
(قَوْلُهُ: وَلَا تُمْنَعُ مِنْ حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا) مِنْ الْحَوَادِثِ أَنْ تَطْلُبَ الْأُمُّ أَنْ يُدْفَنَ الْوَلَدُ فِي تُرْبَتِهَا وَيَطْلُبُ الْأَبُ أَنْ يُدْفَنَ فِي تُرْبَتِهِ مِنْ الْمُجَابِ لَا نَقْلَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجَابُ الْأَبُ أت قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute