وَقْتِ (الْغَصْبِ) فِي الْأَوَّلِ (أَوْ) وَقْتِ (الْإِتْلَافِ) فِي الثَّانِي (إلَى) ، وَقْتِ (الْإِعْوَازِ) لِلْمِثْلِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي لُزُومِ تَسْلِيمِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُتَقَوِّمِ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ الْعَدَمِ كَمَا لَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ تَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ.
(فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ أَنَا أَصْبِرُ) عَنْ أَخْذِ الْقِيمَةِ (إلَى وُجُودِ الْمِثْلِ أُجِيبَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (وَلَوْ تَلِفَ) الْمِثْلِيُّ (أَوْ أَتْلَفَهُ وَالْمِثْلُ مَفْقُودٌ، وَهُوَ غَاصِبٌ) فِيهِمَا (فَأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ) يَلْزَمُ (أَوْ) ، وَهُوَ (غَيْرُ غَاصِبٍ) فِي الثَّانِيَةِ (فَقِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ) تَلْزَمُ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْإِتْلَافِ فِي الْغَصْبِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ (فَلَوْ غَرِمَ) الْغَاصِبُ أَوْ الْمُتْلِفُ الْقِيمَةَ لِفَقْدِ الْمِثْلِ هُنَا، وَفِيمَا مَرَّ (ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَمْ يَرْجِعْ الْغَارِمُ إلَى دَفْعِهِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ وَلَا الْمَالِكُ إلَى أَخْذِهِ مَعَ رَدِّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ انْفَصَلَ بِالْبَدَلِ كَالْيَسَارِ بَعْدَ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ.
(فَرْعٌ) لَوْ (غَصَبَ مِثْلِيًّا) مِنْ بَلَدٍ (وَنَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ طُولِبَ بِالرَّدِّ) إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ لِيَرُدَّهُ كَمَا أَخَذَهُ (وَبِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ إنْ كَانَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بِالرَّدِّ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا قَدْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا لَمْ يَخَفْ هَرَبَ الْغَاصِبِ أَوْ تَوَارِيهِ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ (وَحِينَ يَرُدُّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (يَسْتَرِدُّهَا) أَيْ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْحَيْلُولَةِ، وَقَدْ زَالَتْ (فَإِنْ تَلِفَ) فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ (طَالَبَهُ بِمِثْلِهِ) حَيْثُ ظَفِرَ بِهِ (فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا، وَكَذَا يُطَالِبُهُ بِهِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ مِنْ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا بِهِ فِي طَرِيقِهِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ (فَإِنْ فُقِدَ) الْمِثْلُ (أَوْ وُجِدَ بِزِيَادَةٍ) عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ (غَرِمَ) لِلْمَالِكِ (قِيمَتَهُ فِي أَكْثَرِهِمَا) أَيْ الْبَلَدَيْنِ (قِيمَةً) بَلْ فِي أَكْثَرِ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ فِيهِ (وَإِنْ ظَفِرَ بِهِ) أَيْ الْغَاصِبُ (فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَنْقُلْهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (إلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّا لَا مُؤْنَةَ فِي نَقْلِهِ كَالدَّرَاهِمِ) الْيَسِيرَةِ وَالطَّرِيقُ آمِنٌ (طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ (وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (تَحْصِيلُهُ) لِوُجُودِ الضَّرَرِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا كَانَ أَوْضَحَ، وَأَخْصَرَ، وَأَنْسَبَ بِكَلَامِ أَصْلِهِ.
(وَلَا) يَلْزَمُ (الْمَالِكَ قَبُولُهُ) أَيْ الْمِثْلَ عِنْدَ الْمُؤْنَةِ أَوْ الْخَوْفِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ (بَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَةُ بَلَدِ التَّلَفِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمَالِكِ الرُّجُوعُ إلَى الْمِثْلِ فَيَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ كَالْفَقْدِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْمِثْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَكْلِيفُهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ قَالَ السُّبْكِيُّ كَالْبَغَوِيِّ وَلَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مُؤْنَةَ لَمْ يَجُزْ (ثُمَّ) إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْقِيمَةَ (لَوْ اجْتَمَعَا فِي بَلَدِ التَّلَفِ لَمْ يَرْجِعَا إلَى الْمِثْلِ) لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا لِفَقْدِ الْمِثْلِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ إلَيْهِ مَا لَوْ نَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ وَظَفِرَ بِهِ الْمَالِكُ فِي بَلَدٍ ثَالِثٍ وَحُكْمُهُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِيهِ لَكِنْ فِيمَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ. أَمَّا مَا لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ فَيَلْزَمُ فِيهِ قِيمَةُ أَكْثَرِ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ قِيمَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِقِيمَةِ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ نَقَلَهُ إلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بِمِثْلِهِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ مِنْ الْبِقَاعِ الَّتِي، وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ وُجِدَ الْمِثْلُ فَحَدَثَ) فِيهِ (غَلَاءٌ أَوْ رُخْصٌ لَمْ يُؤَثِّرْ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَالِكِ لَهُ فَلَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فِي وَقْتِ الرُّخْصِ فَلَهُ طَلَبُ الْمِثْلِ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ، وَأَتَى بِهِ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ.
(نَعَمْ إنْ خَرَجَ) الْمِثْلُ (عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمْدًا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ غَصَبَ مِثْلِيًّا مِنْ بَلَدٍ وَنَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ]
قَوْلُهُ: وَبِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا، وَهُوَ مِلْكُ قَرْضٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ، وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ) وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ (قَوْلُهُ: وَحِينَ يَرُدُّهُ يَسْتَرِدُّهَا) قَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ يَجِبُ رَدُّ الْقِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ الْآبِقَ قَبْلَ عَوْدِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةً فَمَاتَ الْمَالِكُ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ السُّبْكِيُّ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ عَنْ قِيمَةِ الْحَيْلُولَةِ جَارِيَةً، وَعَوَّضَهَا الْغَاصِبُ لَهُ جَازَ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ تَفَقُّهًا مِنْ عِنْدِهِ إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِنَظَرٍ وَلَا قُبْلَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَنْقُولًا هَلْ يَكُونُ مِلْكًا تَامًّا مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ، وَقَالَ النَّاشِرِيُّ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْقَرْضِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا هُنَا عِوَضًا لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهَا كَقَرْضِهَا وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ.
فَإِنْ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ فِيمَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْمَغْصُوبِ مَعْلُومًا إنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ الْقِيمَةَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَحَكَى فِي اسْتِقْرَارِهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَجْهَيْنِ وَقَضِيَّةُ الِاسْتِقْرَارُ حِلُّ الْوَطْءِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَمْلِكُهَا (٧) ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى حُكْمِ رَدِّ الْعَيْنِ أَيْ مِنْ زَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ (قَوْلُهُ: طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِثْلَ قِيمَةِ بَلَدِ التَّلَفِ أَوْ أَقَلَّ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَجَزَمَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الزَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ؛ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمِثْلِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَإِتْلَافُ مَالٍ لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ إلَى أَنْ قَالَ فَقَدْ تَظَافَرَتْ النُّقُولُ وَسَاعَدَهُ الْمَعْنَى لِفَقْدِ الضَّرَرِ، وَحَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ سَهْلٌ بِلَا مَانِعٍ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ صَرِيحٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ خَرَجَ الْمِثْلُ عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمْدًا إلَخْ) فَإِنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَوْ يَسِيرَةً وَجَبَ الْمِثْلُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ كُلُّ مِثْلِيٍّ تَلِفَ بِمَوْضِعٍ لَهُ قِيمَةٌ خَطِيرَةٌ وَغَرِمَ بِمَوْضِعٍ قِيمَتُهُ فِيهِ حَقِيرَةٌ فَكَالْمَالِ اهـ.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَقِيمَةٍ حَقِيرَةٍ نَعَمْ لَفْظُ الْكَافِي إذَا وَجَبَ الْمِثْلُ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا بِتَبَدُّلِ (٧) هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute