«يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.
(وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْمَاءِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ الْمَاءُ» (وَإِنْ بَعَثَ بِشَيْءٍ) مَعَ غَيْرِهِ (إلَى فَقِيرٍ) لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْفَقِيرُ فَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَبْعُوثُ (وَلَمْ يَجِدْهُ اُسْتُحِبَّ) لِلْبَاعِثِ (أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ) عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ (وَإِنْ نَذَرَ صَدَقَةً لَا صَوْمًا وَصَلَاةً فِي وَقْتٍ) بِعَيْنِهِ (جَازَ تَعْجِيلُهَا) كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ (وَيُكْرَهُ) لِلْإِنْسَانِ (أَنْ يَتَمَلَّكَ) بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (صَدَقَتَهُ أَوْ زَكَاتَهُ) أَوْ كَفَّارَتَهُ أَوْ نَذْرَهُ أَوْ نَحْوَهَا (مِنْ الْفَقِيرِ) الَّذِي أَخَذَهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِي مِنْهُ فَيُحَابِيهِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ «عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ ثُمَّ وَجَدَهُ يُبَاعُ فِي السُّوقِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ» أَيْ لِأَنَّ وَلَدَ الْحَيَوَانِ جُزْءٌ مِنْهُ.
قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ الْعَيْنِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا أَيْ وَغَيْرُ جُزْئِهَا (لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا أَنْ يَمْلِكَهَا بِالْإِرْثِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «عَنْ بُرَيْدٍ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي تَصَدَّقْت عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُك وَرَدَّهَا عَلَيْك الْمِيرَاثُ» (وَالْمَنُّ) بِالصَّدَقَةِ (حَرَامٌ مُحْبِطٌ لِلْأَجْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: ٢٦٤] وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» (وَقَبُولُ الزَّكَاةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ) أَيْ قَبُولُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا (أَفْضَلُ مِنْ) قَبُولِ صَدَقَةِ (التَّطَوُّعِ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فِيهَا وَعَكَسَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْجُنَيْدُ وَالْخَوَاصُّ لِئَلَّا يَضِيقَ عَلَى الْأَصْنَافِ وَلِئَلَّا يَخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْأَخْذِ وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَقِبَ ذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ وَإِنْ قَطَعَ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ هَذَا مِنْهُ لَا يَتَصَدَّقُ فَلْيَأْخُذْهَا فَإِنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا وَلَمْ يُضَيِّقْ تَخَيَّرَ وَأَخْذُهَا أَشَدُّ فِي كَسْرِ النَّفْسِ (وَأَخْذِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَلَأِ وَتَرْكُهُ فِي الْخَلَاءِ أَفْضَلُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ النَّفْسِ.
(فُرُوعٌ) يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ الْجَنَّةِ وَأَنْ يَمْنَعَ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ لِخَبَرِ «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الْجَنَّةُ وَخَبَرِ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوَا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ كَافَأْتُمُوهُ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ عَقِبَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَمِنْهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ فِي وَطْءِ الْحَائِضِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يُعْطِيَ الصَّدَقَةَ لِلْفَقِيرِ مِنْ يَدِهِ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَتُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْفَقِيرِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَطْمَعُ الْمُتَصَدِّقُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ الْفَقِيرِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: ٩] فَإِنْ دَعَا الْفَقِيرُ لَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا لِئَلَّا يَنْقُصَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا ثُمَّ عَمِدَ إلَى ثَوْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَزَلْ فِي حِفْظِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا» وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّصَدُّقِ بِالرَّدِيءِ بَلْ مِمَّا يُحَبُّ وَهَذَا كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالْفُلُوسِ دُونَ الْفِضَّةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّاغِبِ فِي الْخَيْرِ أَنْ لَا يُخَلِّيَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا وَمَلَكَانِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ»
(كِتَابُ الصِّيَامِ)
هُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عَنْ الْكَلَامِ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ صَائِمٌ وَنِيَّةٌ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي هِبَةِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهُوَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ وَزَوْجَةٍ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ صَرْفُهُ فِيهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ عِنْدَ ضِيقِهِ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا وَهُوَ التُّرَابُ اهـ فَرَّقَهُ مِنْ جِهَةِ جَرَيَانِ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ بِالصِّحَّةِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَاءِ ذَاتِيَّةٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ مَتَى رَجَعَ النَّهْيُ لِذَاتِ الشَّيْءِ أَوْ لَازِمِهِ اقْتَضَى الْفَسَادَ وَالْحُرْمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ عَرَضِيَّةٌ فَلَمْ تَرْجِعْ لِذَاتِهَا وَلَا لَازِمِهَا فَصَحَّ التَّصَرُّفُ وَإِنْ أَثِمَ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ فِي الْفَلَسِ أَنَّ الْمَدْيُونَ الَّذِي يُحْجَرُ عَلَيْهِ إذَا أَعْتَقَ أَرِقَّاءَهُ فِرَارًا مِنْ غُرَمَائِهِ بِنُفُوذِ عِتْقِهِمْ وَإِنْ وَقَعَ فِي فَتَاوِيه هُنَا أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ نَعَمْ مَحَلُّ الْمِلْكِ مَا إذَا لَمْ يُعْطِهِ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِخِلَافِهَا وَلَوْ عَلِمَ بِحَالِهِ لَمْ يُعْطِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَدْفُوعَ.
[كِتَابُ الصِّيَامِ]
(قَوْلُهُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ إلَخْ) إمْسَاكُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ بِالنِّيَّةِ سَالِمًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ (قَوْلُهُ آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتِ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا وَقَوْلُهُ {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ رَمَضَانُ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ أَوْ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute