جَرَحَهُ وَأَصَابَتْهُ جَارِحَةٌ أُخْرَى.
(وَإِنْ جَرَحَهُ كَلْبُهُ وَغَابَا) عَنْهُ (وَهُوَ مَجْرُوحٌ) ، ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا (حَلَّ إنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ أَثَرًا آخَرَ أَوْ وَجَدَهُ وَكَانَ) الْجَرْحُ (الْأَوَّلُ مُذَفِّفًا) حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْجَرْحِ الْخَالِي عَنْ الْمُعَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَهُ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ خَبَرُ «إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» وَخَبَرُ «، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْ، وَإِنْ رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِلِّ هُوَ مَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا وَفِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ وَثَبَتَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ دُونَ التَّحْرِيمِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمَهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ بِطُرُقٍ حَسَنَةٍ فِي حَدِيثِ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا فَقَالَ: إذَا وَجَدْت فِيهِ أَثَرَ سَهْمِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرُ سَبُعٍ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْ» فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الرِّوَايَات وَدَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَيْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ.
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ (يَمْلِكُ) الشَّخْصُ (الصَّيْدَ بِمُجَرَّدِ ضَبْطِهِ بِيَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) تَمَلُّكَهُ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ (وَبِأَنْ يَرْمِيَهُ فَيُبْطِلُ عَدْوَهُ وَطَيَرَانَهُ جَمِيعًا) إنْ كَانَ مِمَّا يَمْتَنِعُ بِهِمَا، وَإِلَّا فَبِإِبْطَالِ مَا لَهُ مِنْهُمَا وَيَكْفِي لِلتَّمْلِيكِ إبْطَالُ شِدَّةِ عَدْوِهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ لِحَاقُهُ (لَا إنْ طَرَدَهُ فَوَقَفَ إعْيَاءً أَوْ جَرَحَهُ فَوَقَفَ عَطَشًا لِعَدَمِ الْمَاءِ لَا عَجْزًا) أَيْ لَا عَطَشًا لِعَجْزِهِ (عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ) فَلَا يَمْلِكُهُ بِوُقُوفِهِ لِلْأَوَّلَيْنِ (حَتَّى يَأْخُذَهُ) ؛ لِأَنَّ وُقُوفَهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا اسْتِرَاحَةٌ، وَهِيَ مُعِينَةٌ لَهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي الثَّانِي لِعَدَمِ الْمَاءِ بِخِلَافِ وُقُوفِهِ لِلْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْجِرَاحَةُ (وَبِأَنْ يَقَعَ فِي شَبَكَةٍ وَقَدْ نَصَبَهَا) لَهُ، نَعَمْ إنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ طَرَدَهُ إلَيْهَا) لِتَقَدُّمِ حَقِّ نَاصِبِهَا وَخَرَجَ بِنَصْبِهَا مَا لَوْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ وَسَيَأْتِي.
(وَيَعُودُ) الصَّيْدُ الْوَاقِعُ فِيهَا (مُبَاحًا إنْ قَطَعَهَا فَانْفَلَتَ) مِنْهَا فَيَمْلِكُهُ مَنْ صَادَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُثَبِّتْهُ بِشَبَكَتِهِ، وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَانْفَلَتَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ: هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ مُطْلَقًا وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ وَيَعُودُ مُبَاحًا إلَى آخِرِهِ، وَهَلْ يَعُودُ مُبَاحًا إنْ قَطَعَهَا فَانْفَلَتَ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ فَعَلَيْهَا لَا زِيَادَةَ (فَإِنْ ذَهَبَ بِالشَّبَكَةِ وَكَانَ عَلَى امْتِنَاعِهِ) بِأَنْ يَعْدُوَ وَيَمْتَنِعَ مَعَهَا (فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَإِلَّا) بِإِنْ كَانَ ثِقَلُهَا يُبْطِلُ امْتِنَاعَهُ بِحَيْثُ يَتَيَسَّرُ أَخْذُهُ (فَهُوَ لِصَاحِبِهَا وَبِأَنْ يُرْسِلَ كَلْبًا، وَكَذَا) بِأَنْ يُرْسِلَ (سَبُعًا) آخَرَ (لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ فَيُمْسِكُهُ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ، وَهَذَا الْقَيْدُ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَلْبِ أَيْضًا وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ تَقْيِيدِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْكَلْبَ مُخْتَصٌّ بِهِ فَإِذَا أَرْسَلَهُ غَيْرُ الْمُخْتَصِّ بِهِ كَانَ غَاصِبًا لَهُ أَوْ كَالْغَاصِبِ لَهُ فَصَارَ لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَلَوْ انْفَلَتَ عَلَى) بِمَعْنَى مِنْ (الْكَلْبِ) ، وَلَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ (لَمْ يَمْلِكْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَا أَزَالَ امْتِنَاعَهُ (وَبِأَنْ يُلْجِئَهُ إلَى مَضِيقٍ لَا يَنْفَلِتُ مِنْهُ كَالْبَيْتِ) ، وَلَوْ مَغْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي قَبْضَتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِتَعَبٍ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ بُرْجَهُ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابًا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعَبٍ (وَحَسْبُك) أَيْ كَافِيك فِي ضَبْطِ سَبَبِ مِلْكِ الصَّيْدِ (أَنَّ إبْطَالَ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَدٌّ جَامِعٌ) لَهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ.
(فَرْعٌ لَوْ سَقَى أَرْضَهُ) الْإِضَافَةُ فِيهَا لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ أَرْضًا بِيَدِهِ، وَلَوْ بِغَصْبٍ (أَوْ حَفَرَ فِيهَا) حُفْرَةٌ (لَا لِلِاصْطِيَادِ فَتَوَحَّلَ أَوْ وَقَعَ فِيهَا) أَيْ فَتَوَحَّلَ فِي الْأَرْضِ أَوْ وَقَعَ فِي الْحُفْرَةِ (صَيْدٌ أَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ) ، وَإِنْ بَاضَ وَفَرَّخَ (لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا) يَمْلِكُ (بَيْضَهُ) ، وَلَا فَرْخَهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ وَالْقَصْدُ مَرْعِيٌّ فِي التَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (لَكِنْ يَصِيرُ) بِذَلِكَ (أَحَقَّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ دُخُولُ مِلْكِهِ وَأَخْذُهُ فَإِنْ فَعَلَ مَلَكَهُ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا وَأَحْيَاهُ غَيْرُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا) وَعَلَّقَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَقْوَى وَأَقْرَبُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ إلَخْ) وَاخْتَارَهُ فِي تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ إلَخْ) لِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ: مِنْهَا إذَا مَشَّطَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَسَقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ وَشَكَّ هَلْ اُنْتُتِفَ بِالْمِشْطِ أَمْ كَانَ مُنْتَتَفًا فَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ، وَلَمْ يُحِيلُوهُ عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَمِنْهَا إذَا بَالَتْ ظَبْيَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّ الْمَذْهَبَ نَجَاسَتُهُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ يُشْكِلُ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِ الْمَنْعِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ أَصْلَ الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَعَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِهَذَا الْبَوْلِ وَالْأَصْلَ فِي اللَّحْمِ التَّحْرِيمُ فَكَمَا أَزَلْنَا طَهَارَةَ الْمَاءِ بِالْبَوْلِ كَذَلِكَ نُزِيلُ تَحْرِيمَ اللَّحْمِ بِهَذَا الْجُرْحِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ أَنَّ اللَّحْمَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ التَّحْرِيمَ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِيَقِينِ الذَّكَاةِ وَالْيَقِينُ هُنَا قَدْ عَارَضَهُ احْتِمَالٌ مُتَأَخِّرٌ وَأَسْبَابُ الْمَوْتِ تَكْثُرُ بِخِلَافِ أَسْبَابِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِمَا فِي الْمِنْهَاجِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ]
(قَوْلُهُ يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِمُجَرَّدِ ضَبْطِهِ بِيَدِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ تَمَلَّكَهُ) لَوْ كَانَ آخِذُهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَمَرَهُ غَيْرُهُ بِالْأَخْذِ (قَوْلُهُ فَيُبْطِلُ عَدْوَهُ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ شِدَّةُ عَدْوِهِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَمْتَنِعُ بِهِمَا) كَالنَّعَامَةِ وَالدُّرَّاجِ وَالْقَطَا وَالْحَجَلِ (قَوْلُهُ: وَبِأَنْ يَقَعَ فِي شَبَكَةٍ إلَخْ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا بِمِلْكٍ أَمْ إجَارَةٍ أَمْ إعَارَةٍ أَمْ غَصْبٍ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الشَّرَكَ وَالْفَخَّ وَنَحْوَهُمَا فِي مَعْنَى الشَّبَكَةِ (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا لَمْ يَمْلِكْهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute