للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطُّرُقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ وَلَا يُوَقَّرُ» كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَلَا يُصَدَّرُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ) إهَانَةً لَهُ (وَتَحْرُمُ مَوَادَّتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] الْآيَةَ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي الْوَلِيمَةِ مِنْ أَنَّهُ تُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ تَرْجِعُ إلَى الظَّاهِرِ وَالْمُوَادَّةُ إلَى الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ

(فَصْلٌ وَعَلَيْهِمْ وَلَوْ نِسَاءً) فِي دَارِنَا (لُبْسَ الْغِيَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ (وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ) كُلٌّ مِنْهُمْ (بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ) الْخِيَاطَةُ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ (عَلَى ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ لَوْنًا يُخَالِفُهُ) أَيْ يَخِيطُ عَلَيْهِ مَا يُخَالِفُ لَوْنَهُ (وَيَلْبِسُهُ) وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَخَافُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِلْقَاءُ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْأَكْهَبُ وَيُقَالُ لَهُ الرَّمَادِيُّ (وَبِالْمَجُوسِ الْأَحْمَرِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْأَسْوَدِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَوْلَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ انْتَهَى وَيُكْتَفَى عَنْ الْخِيَاطَةِ بِالْعِمَامَةِ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ (وَيَشُدُّ) كُلٌّ مِنْهُمْ (زُنَّارًا) بِضَمِّ الزَّايِ (وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ) يُشَدُّ بِهِ وَسَطَهُ (فَوْقَ الثِّيَابِ) لِمَا مَرَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الْأَلْوَانِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا (وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْغُبَارِ وَالزُّنَّارِ (أَوْلَى) مُبَالَغَةً فِي شُهْرَتِهِمْ (وَمَنْ لَبِسَ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً يُمَيِّزُهَا) عَنْ قَلَانِسِنَا (بِذُؤَابَةٍ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ عَلَامَةٍ (فِيهَا فَإِنْ دَخَلُوا حَمَّامًا بِهِ مُسْلِمُونَ أَوْ) كَانُوا فِي غَيْرِهِ (مُتَجَرِّدِينَ) عَنْ ثِيَابِهِمْ بِحَضْرَةِ مُسْلِمِينَ (تَمَيَّزُوا) عَنْهُمْ (بِجَلَاجِلَ فِي أَعْنَاقِهِمْ أَوْ خَوَاتِمَ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ) لَا ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِمَا مَرَّ (وَيَجْزُونَ نَوَاصِيَهُمْ) كَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَلَا يُرْسِلُونَ الضَّفَائِرَ) كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَشْرَافُ وَالْأَجْنَادُ (وَتَجْعَلُ الْمَرْأَةُ خُفَّيْهَا لَوْنَيْنِ) كَأَنْ تَجْعَلَ أَحَدَهُمَا أَسْوَدَ وَالْآخَرَ أَبْيَضَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّمْيِيزُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا

(وَلِلْمُسْلِمَاتِ دُخُولُ الْحَمَّامِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَيُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ) كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ مَعَ دَلِيلِهِ (وَيُمْنَعَنَّ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ (الذِّمِّيَّاتُ دُخُولَهُ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَجْنَبِيَّاتٌ فِي الدِّينِ وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ مَا لَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ

(وَلَوْ لَبِسَ الذِّمِّيُّ الْحَرِيرَ أَوْ تَعَمَّمَ أَوْ طَيْلَسَ لَمْ يُمْنَعْ) كَمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَفِيعِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ

(وَعَلَيْهِمْ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِنَا) الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَإِذَا فَعَلُوهُ أَجْرَيْنَا عَلَيْهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ كَمَا مَرَّ

(وَ) عَلَيْهِمْ (الْإِعَانَةُ) لَنَا (بِلَا تَضَرُّرٍ) مِنْهُمْ إذَا اسْتَعَنَّا بِهِمْ (وَالْكَفُّ عَنْ إظْهَارِ اعْتِقَادِهِمْ) الْمُنْكَرَ كَاعْتِقَادِهِمْ (فِي الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ) - صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا - (وَ) مِثْلُ (التَّثْلِيثِ) أَيْ قَوْلِهِمْ اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ

(وَيُمْنَعُونَ) فِي دَارِنَا (مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالنَّاقُوسِ وَالْخِنْزِيرِ وَأَعْيَادِهِمْ وَقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ (وَ) مِنْ (إظْهَارِ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ وَالنَّوْحِ) وَاللَّطْمِ (وَ) مِنْ (إسْقَاءِ مُسْلِمٍ خَمْرًا) أَوْ إطْعَامِهِ خِنْزِيرًا (وَ) مِنْ (رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَ) مِنْ (اسْتِبْذَالِهِمْ إيَّاهُمْ فِي الْمِهَنِ) أَيْ الْخِدْمَةِ (بِأُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا) سَوَاءٌ أَشُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا (فَإِنْ أَظْهَرُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عُزِّرُوا وَلَمْ يُنْتَقَضْ) بِهِ (عَهْدُهُمْ وَلَوْ شُرِطَ) عَلَيْهِمْ (نَقْضُهُ) أَيْ انْتِقَاضُهُ (بِهِ) ؛ لِأَنَّا لَا نَتَضَرَّرُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي وَحَمَلُوا الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ عَلَى تَخْوِيفِهِمْ وَذِكْرُ التَّعْزِيرِ فِي إظْهَارِ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَعَدَمُ انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ بِذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَلَا يُوَقَّرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يُصَدَّرُ إلَخْ) فَيَحْرُمُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ اُسْتُفْتِيت فِي جَوَازِ سُكْنَى نَصْرَانِيٍّ فِي رَبْعٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ فَوْقَ مُسْلِمِينَ فَأَفْتَيْت بِالْمَنْعِ وَأَلْحَقْته بِالتَّصْدِيرِ فِي الْمَجْلِسِ وَقَوْلُهُ وَأَفْتَيْت بِالْمَنْعِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ إهَانَةً لَهُ) دَخَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ أَدْنَاهُ وَعَظَّمَهُ فَأَنْشَدَهُ يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ جَنَّةٌ وَحُبُّهُ مُفْتَرِضٌ وَاجِبٌ أَنَّ الَّذِي شُرِفْت مِنْ أَجَلِهِ يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبٌ فَاشْتَدَّ غَضَبُ الْمَلِكِ وَأَمَرَ بِسَحْبِ الْيَهُودِيِّ وَصَفَعَهُ لِاسْتِحْضَارِهِ تَكْذِيبَ الْمَعْصُومِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ شَرَفِهِ وَشَرَفِ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (قَوْلُهُ وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُ) نَعَمْ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ فَيُظْهِرُ اسْتِجْلَابَهُ بِالْمَوَدَّةِ وَنَحْوِهَا مَعَ الِاقْتِصَادِ غ

[فَصْلٌ عَلَى أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَوْ نِسَاءً فِي دَارِنَا لُبْسَ الْغِيَارِ]

(قَوْلُهُ فِي دَارِنَا) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا انْفَرَدُوا بِمَحَلِّهِ فَإِنَّ لَهُمْ تَرْكُهُ (قَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ إلَخْ) تَبَعًا فِي تَفْسِيرِ الْغِيَارِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَمَا أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ بَعْضُ الثِّيَابِ الظَّاهِرَةِ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مَمْنُوعٌ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ لَبِسَ الْكُلُّ لَوْنًا وَاحِدًا جَازَ وَمَنْ تَمَيَّزَ مِنْهُمْ بِلِبَاسٍ وَأَلِفْنَاهُ لَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ لِلِاشْتِبَاهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ

(قَوْلُهُ وَيُمْنَعْنَ الذِّمِّيَّاتُ دُخُولَهُ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَنْعِهِنَّ مِنْهُ بِمَا إذَا كَشَفَتْ الْمُسْلِمَاتُ مِنْ جَسَدِهِنَّ زِيَادَةً عَلَى مَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يُبْدِينَهُ لِلْكَافِرَاتِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اهـ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ أَنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ ش وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: يَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ لَمْ يُمْنَعْ) قَالَ الْغَزِّيِّ وَغَلِطَ مَنْ فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْإِبَاحَةَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ مِنْ الْإِذْنِ

(قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ إلَخْ) ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْمَعَازِفِ وَإِظْهَارُهَا اسْتِعْمَالُهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا مَنْ لَيْسَ فِي دُورِهِمْ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَكَتَبَ أَيْضًا بِضَابِطِ التَّظَاهُرِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>