للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَنْعِ إنْ تَفَرَّدَ بِالْمُسَاقَاةِ فَإِنْ سَاقَى عَلَيْهَا تَبَعًا لِنَخْلٍ أَوْ عِنَبٍ صَحَّتْ كَالْمُزَارَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ صِحَّتِهَا فِي شَجَرِ الْمُقْلِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.

(فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ صِغَارُ النَّخْلِ وَيُسَمَّى الْفَسِيلَ (يَغْرِسُهُ فِي أَرْضِهِ وَ) تَكُونُ (الثَّمَرَةُ) أَوْ الشَّجَرَةُ - الْمَفْهُومَةُ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهَا أَصْلُهُ - (بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ) كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَهُ وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ فَضَمُّهُ إلَيْهَا كَضَمِّ غَيْرِ التِّجَارَةِ إلَى عَمَلِ الْقِرَاضِ (فَإِنْ) وَقَعَ ذَلِكَ وَعَمِلَ الْعَامِلُ وَ (كَانَتْ الثَّمَرَةُ مُتَوَقَّعَةً) فِي الْمُدَّةِ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ) أَيْ أُجْرَةُ عَمَلِهِ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِلَّا فَلَا (لَا إنْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْعَامِلِ) فَلَا أُجْرَةَ لَهُ (بَلْ يَلْزَمُهُ) لِلْمَالِكِ (أُجْرَةُ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْعَامِلِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ وَأَرْضِهِ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَحَدِ الْحَائِطَيْنِ) أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمَرْئِيِّ لَهُمَا (لَمْ يَصِحَّ) لِلْجَهْلِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ غَرَرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِوَضَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ وَهُمَا جَاهِلَانِ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ وَبِصِفَاتِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ ضَمَّ غَرَرٍ آخَرَ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالرُّؤْيَةِ وَبِالتَّعْيِينِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَرِبْحُهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ وَهَذَا لَازِمٌ وَرِبْحُهُ مِنْ عَيْنِ الْأَصْلِ فَاحْتِيطَ لَهُ.

(الرُّكْنُ الثَّالِثُ الثِّمَارُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا لَهُمَا) أَيْ اخْتِصَاصُهُمَا بِهَا شَرِكَةً مَعْلُومَةً بِالْأَجْزَاءِ كَمَا فِي الْقِرَاضِ (فَإِنْ شَرَطَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (جُزْءًا) مِنْهَا، أَوْ كُلَّهَا (لِثَالِثٍ، أَوْ قَالَ) لَهُ الْمَالِكُ سَاقَيْتُك عَلَى أَنْ يَكُونَ (لَك نِصْفُهَا، أَوْ لِي) نِصْفُهَا (أَوْ لَك) أَوْ لِي (صَاعٌ) مِنْ الثَّمَرَةِ (أَوْ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ) مِنْ نَخِيلِي، أَوْ أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا (فَكَالْقِرَاضِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

(فَصْلٌ)

لَوْ (سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ) كَصَيْحَانِيٍّ (بِالنِّصْفِ وَ) عَلَى نَوْعٍ (آخَرَ) كَعَجْوَةٍ (بِالثُّلُثِ صَحَّ) الْعَقْدُ (إنْ عَرَفَاهُمَا) أَيْ النَّوْعَيْنِ أَيْ قَدْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْأَقَلُّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا جَازَ، وَإِنْ جَهِلَا قَدْرَهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَدْرَ حَقِّهِ فِي هَذِهِ مَعْلُومٌ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَجْهُولُ النَّوْعُ وَالصِّفَةُ، وَفِي تِلْكَ الْقَدْرُ مَجْهُولٌ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِ ثَمَرَةِ النَّوْعَيْنِ فِي الْقَدْرِ فَيَكُونُ قَدْرُ مَالِهِ مِنْ ثَمَرَةِ الْكُلِّ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى تَقْدِيرِ نِصْفٍ الْأَكْثَرُ وَثُلُثٍ الْأَقَلُّ وَعَلَى تَقْدِيرٍ بِالْعَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ مِنْ الثَّانِي.

(وَإِنْ سَاقَاهُ) فِي نَوْعٍ (بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ فِي آخَرَ بِالثُّلُثِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ الْعَامِلُ عَلَى حَدِيقَتِهِ (فَسَدَ الْأَوَّلُ) لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ (وَكَذَا الثَّانِي لَوْ عَقَدَهُ جَاهِلًا) بِفَسَادِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ، أَوْ قَالَ لَهُ سَاقَيْتُك (عَلَى النِّصْفِ) إنْ سَقَى بِالدَّالِيَةِ (فَإِنْ سَقَى بِالْمَطَرِ فَبِالثُّلُثِ بَطَلَ) الْعَقْدُ لِلْجَهْلِ بِالْعَمَلِ وَالْعِوَضِ.

[فَرْعٌ سَاقَى شَرِيكَهُ الْمُنَاصِفَ لَهُ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَأَكْثَرَ]

(فَرْعٌ)

لَوْ (سَاقَى شَرِيكَهُ الْمُنَاصِفَ) لَهُ فِي الشَّرِكَةِ (عَلَى الثُّلُثَيْنِ) فَأَكْثَرَ (صَحَّ) وَقَدْ شَرَطَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَ ثَمَرَتِهِ فَكَأَنَّهُ سَاقَاهُ عَلَى نِصْفِهِ بِالثُّلُثِ (أَوْ) سَاقَاهُ عَلَى (النِّصْفِ فَمَا دُونَهُ فَلَا) يَصِحُّ لِخُلُوِّ الْمُسَاقَاةِ عَنْ الْعِوَضِ بَلْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا دُونَ النِّصْفِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ ثَمَرَتِهِ أَيْضًا (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) إذَا عَمِلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ (أَوْ) سَاقَاهُ (عَلَى الْكُلِّ بَطَلَ وَ) لَكِنْ (لَهُ) عَلَيْهِ (الْأُجْرَةُ) لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا، وَقَيَّدَهُ الْغَزَالِيُّ - كَإِمَامِهِ - تَفَقُّهًا بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْفَسَادَ، وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ أَجَنِيبًا.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ صِحَّتِهَا فِي شَجَرِ الْمُقْلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ إلَخْ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ. اهـ. وَالنَّصُّ الْمَنْقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقَدِيمِ ع سَبَقَهُ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ يَغْرِسُهُ فِي أَرْضِهِ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا) إذْ لَمْ نُرِدْ الْمُسَاقَاةَ عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ وَهِيَ رُخْصَةٌ فَلَا تَتَعَدَّى مَوْرِدَهَا وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْ هَذِهِ الْعُرُوضَ وَقَدْ قَارَضْتُك عَلَى أَثْمَانِهَا إذَا نَضَّتْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مُتَوَقَّعَةً فَلَهُ الْأُجْرَةُ) قَالَ فِي الْخَادِمِ أَمَّا إذَا شَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الْوَدِيِّ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِاسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْقَاقُهَا إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِمَّا يُعَلَّقُ فِيهِ غَالِبًا وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ لَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً يُحْمَلُ فِي مِثْلِهَا وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ وَجُزْءًا مِنْ الْفُسْلَانِ يَعْنِي الْوَدِيَّ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ بَعْضُ الْفَائِدَةِ لَا بَعْضُ الْأَصْلِ قَالَ وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ لَهُ وَدِيًّا مِنْ جِنْسٍ يَقْصِدُ خَشَبَةً وَلَا يُثْمِرُ شَجَرُهُ لِيَكُونَ لَهُ بَعْضُهَا إذَا كَبِرَتْ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مَعَ الزِّيَادَةِ بَعْضُ الْأَصْلِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَإِذَا عَمِلَ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِطَمَعِهِ فِي الْعِوَضِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) قَيَّدَ الْإِمَامُ عَدَمَ الْأُجْرَةِ بِمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْمُو فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ ظَنَّ إثْمَارَهُ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَطْعًا لِمَكَانِ ظَنِّهِ، وَقِيلَ يَطَّرِدُ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا لَهُمَا أَيْ اخْتِصَاصُهُمَا بِهَا) غَالِبُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الِاصْطِلَاحِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُورُ هُوَ الْمَذْكُورَ بَعْدَ الْبَاءِ بَلْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ الصَّوَابُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا) أَوْ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لَك أَوْ لِي فَسَدَ الْعَقْدُ، وَإِذَا عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَقِيلَ إنْ عَلِمَ فَسَادَ الْعَقْدِ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا

[فَصْلٌ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ كَصَيْحَانِيٍّ بِالنِّصْفِ وَعَلَى نَوْعٍ آخَرَ كَعَجْوَةٍ بِالثُّلُثِ]

(قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ سَاقَاهُ عَلَى نِصْفِهِ بِالثُّلُثِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَمَلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَاقِعًا فِي الْمُشْتَرَكِ وَبِهَذَا صَوَّرَ أَبُو الطَّيِّبِ تَبَعًا لِمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُزَنِيّ لَكِنَّ كَلَامَ غَيْرِهِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ.

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ تَفَقُّهًا بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْفَسَادَ) جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ طَمَعُهُ فِيمَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إذْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ شَرْعًا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ " شَيْءٌ " فِي التَّعْلِيلِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ.

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ أَجْنَبِيًّا إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>