للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٢٩] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا} [النساء: ٤] الْآيَةَ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَتَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَنْقِمُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ أَيْ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ فَقَالَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً وَفِي رِوَايَةٍ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا» وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ بِعِوَضٍ جَازَ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فَالنِّكَاحُ كَالشِّرَاءِ وَالْخُلْعُ كَالْبَيْعِ وَأَيْضًا فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ غَالِبًا (هُوَ) فِي الشَّرْعِ (فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ) مَقْصُودٍ (رَاجِعٍ إلَى الزَّوْجِ) أَوْ سَيِّدِهِ عَدَلَ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ إلَى مَا قَالَهُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ وَزِدْت مَقْصُودٍ لِيَخْرُجَ الْخُلْعُ بِدَمٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ (وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ) وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَكِنْ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَيَصِحُّ فِي حَالَتَيْ الشِّقَاقِ وَالْوِفَاقِ وَذِكْرُ الْخَوْفِ فِي الْآيَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ.

(وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الشِّقَاقِ أَوْ) عِنْدَ (كَرَاهِيَتِهَا لَهُ) لِسُوءِ خُلُقِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) عِنْدَ خَوْفِ (تَقْصِيرٍ) مِنْهَا (فِي حَقِّهِ) أَوْ عِنْدَ حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مِنْ مَدْخُولٍ بِهَا عَلَى فِعْلِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ فِي خَوْفِ التَّقْصِيرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِذَلِكَ مَا لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَةً أَوْ غَيْرَهَا فَافْتَدَتْ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ انْتَهَى فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ لِتُخَالِعَهُ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إكْرَاهٌ لَهَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَيْضًا وَمَا قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِمَنْعِ الْحَقِّ صَارَ مُكْرِهًا لَهَا بَعِيدٌ (فَإِنْ كَرِهَهَا لَا لِزِنَاهَا فَأَسَاءَ عِشْرَتَهَا) بِمَنْعِ حَقِّهَا (حَتَّى اخْتَلَعَتْ كُرِهَ) الْخُلْعُ وَإِنْ كَانَ نَافِذًا (وَأَثِمَ بِفِعْلِهِ) وَيُكْرَهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ وَإِنْ كَرِهَهَا لِزِنَاهَا أَيْ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَأَسَاءَ عِشْرَتَهَا حَتَّى اخْتَلَعَتْ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ أَثِمَ بِفِعْلِهِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: ١٩] .

(وَإِنْ أَكْرَهَهَا) بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ (عَلَى الْخُلْعِ) أَيْ اخْتِلَاعِهَا فَاخْتَلَعَتْ (لَمْ يَصِحَّ) لِلْإِكْرَاهِ (وَوَقَعَ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيًّا إنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَالَ) وَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْخُلْعِ يَقْتَضِي الْمَالَ فَيَقَعُ بَائِنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِيهِ إذَا وَجَدَ طَرَفَا الْعَقْدِ وَالْمَرْأَةُ هُنَا لَمْ تَقْبَلْ قَبُولًا مُعْتَبَرًا (وَإِنْ سَمَّاهُ أَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا وَضَرَبَهَا لِتَقْبَلَ) فَقَبَلَتْ (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْبَلْ مُخْتَارَةً (وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا عَلَى الْخُلْعِ وَأَقَامَتْ) بِهِ بَيِّنَةً (وَادَّعَى الْخُلْعَ) أَيْ اعْتَرَفَ بِهِ دُونَ الْإِكْرَاهِ (رَدَّ الْمَالَ) إلَيْهَا (وَبَانَتْ) مِنْهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ بَلْ أَنْكَرَ الْمَالَ أَوْ سَكَتَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا

(وَفِي هَذَا الْكِتَابِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ) أَيْ الْخُلْعِ أَيْ مَدْلُولِهِ (وَهُوَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ) صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً (طَلَاقٌ وَكَذَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ) وَنَحْوِهِ كَالْفِدَاءِ لِوُرُودِ لَفْظِ الْقُرْآنِ بِهِ فِي الْفِدَاءِ قَالَ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَقِيسَ بِالْفِدَاءِ الْخُلْعُ فَيَنْقُصُ بِهِمَا عَدَدُ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ (لَا فَسْخَ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الْفَسْخَ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الْبَدَلِ وَإِذَا كَانَ طَلَاقًا.

(فَيَصِحُّ بِخَالَعْتُ نِصْفَك أَوْ يَدَك) أَوْ نَحْوَهُمَا بِكَذَا (أَوْ خَالَعْتكِ شَهْرًا) بِكَذَا فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ (وَلَفْظِ الْخُلْعِ وَكَذَا الْمُفَادَاةُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ) لِشُيُوعِهِمَا فِي الْعُرْفِ وَالِاسْتِعْمَالِ لِلطَّلَاقِ فَالْتَحَقَا بِالْمُتَكَرِّرِ فِي الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمُفَادَاةِ وَرَدَتْ فِيهِ كَمَا مَرَّ وَقِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ بِصَرِيحٍ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ صَرِيحٌ (إنْ ذُكِرَ الْمَالُ) لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِالْبَيْنُونَةِ (وَكَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ) كَأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ أَوْ فَادِيَتُك أَوْ افْتَدَيْتُك فَقَبِلَتْ لِأَنَّ قَبُولَهَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ) أَيْ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَذِكْرُ الْخَوْفِ فِي الْآيَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ وَهِيَ مُضْطَرَّةٌ إلَى بَذْلِ الْمَالِ فَفِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الشِّقَاقِ إلَخْ) إنَّمَا كُرِهَ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي طَلَبَ الشَّارِعُ دَوَامَهُ (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَ حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَخْ) الْحَلِفُ بِطَلْقَتَيْنِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إكْرَاهٌ لَهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ثُمَّ رَأَيْت أَنَّهُ قَائِلٌ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ بِأَنَّهُ إكْرَاهٌ أَيْضًا فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ فِيهِمَا وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمَصَادِرِ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَهَا حَقَّهَا لَمْ يُكْرِهَا عَلَى الْخُلْعِ بِخُصُوصِهِ وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ بِفِعْلِهِ) وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ

[الْبَاب الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْخُلْعِ]

(قَوْلُهُ وَهُوَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ طَلَاقٌ إلَخْ) أَلْفَاظُ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ وَالضَّابِطُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ إنْ تَكَرَّرَ حَتَّى اُشْتُهِرَ كَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَصَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بَلْ ذُكِرَ فِي الشَّرْعِ مَرَّةً وَلَمْ يَشِعْ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ كَالْمُفَادَاةِ فِي الْخُلْعِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَالْفَكُّ فِي الْعِتْقِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] وَالْإِمْسَاكُ فِي الرَّجْعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] فَوَجْهَانِ أَيْ وَالْأَصَحُّ الْتِحَاقُهُ بِالصَّرِيحِ فِي الْكُلِّ وَأَمَّا مَا لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَكِنْ شَاعَ فِي الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ شَرْعًا فِي الطَّلَاقِ وَشَاعَ الْعُرْفُ فِي إرَادَتِهِ فَوَجْهَانِ أَيْ وَالْأَصَحُّ الْتِحَاقُهُ بِالْكِنَايَةِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَمَا لَمْ يَرِدْ عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ وَشَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ حَمَلَتِهِ وَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ فَفِي كَوْنِهِ صَرِيحًا وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ صَرَاحَتُهُ كَلَفْظِ التَّمْلِيكِ فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ فَيَنْقُصُ بِهِمَا عَدَدُ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ) لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ لِإِرَادَةِ الْفِرَاقِ كَالْمُتَكَرِّرِ فِي الْقُرْآنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>