فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِنْكَارِ)
أَوْ السُّكُوتِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَوْ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ) إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّمْلِيكِ مَعَ ذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَمَلَّكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ (وَلَا) يَصِحُّ (مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ) بَيْنَهُمَا فَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِهَا: صَالِحْنِي عَنْ دَارِك عَلَى كَذَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ خُصُومَةٍ (إلَّا إنْ نَوَيَا بِهِ الْبَيْعَ) فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ خُصُومَةٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ كِتَابَةٌ.
(وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ (نَوْعَانِ الْأَوَّلُ صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ بَيْعٌ) مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا (فَمَنْ خُوصِمَ فِي دَارٍ، وَأَقَرَّ بِهَا) لِلْمُدَّعِي (ثُمَّ صَالَحَ عَنْهَا بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ اشْتَرَاهَا بِهِ فَتَلْزَمُ) فِيهِ (أَحْكَامُ الْبَيْعِ كُلُّهَا مِنْ الْبُطْلَانِ بِالْغَرَرِ وَالْجَهْلِ) وَغَيْرِهِمَا، وَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ: كَالْغَرَرِ بَلْ لَوْ قَالَ: كَالْبُطْلَانِ بِالْغَرَرِ كَانَ أَوْلَى؛ إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ أَيْضًا ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَمَنْعِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ (، وَحُكْمُ الرِّبَا) أَيْ وَيَلْزَمُ فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ (وَ) بَيْعِ (الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ) نَصَّ عَلَيْهِمَا مَعَ دُخُولِهِمَا فِيمَا قَبْلَهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ دُخُولِهِمَا فِيهِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ سَائِرِ الْبُيُوعِ (فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً) وَصَالَحَ عَلَيْهَا (مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ إجَارَةٌ) فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهَا (وَإِنْ صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ) غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ (صَحَّ وَلَوْ بِدَيْنٍ) كَذَلِكَ (لَكِنْ بِشَرْطِ تَعْيِينِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (فِي الْمَجْلِسِ) لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ) فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ (إنْ اجْتَنَبَ الرِّبَا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ فِيهِ أَيْضًا.
النَّوْعُ (الثَّانِي صُلْحُ الْحَطِيطَةِ فَمَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ بِالنِّصْفِ أَوْ بِالثُّلُثِ) مَثَلًا (فَهُوَ فِي الْعَيْنِ هِبَةٌ لِلْبَعْضِ) الْبَاقِي (فَيُشْتَرَطُ) فِيهِ (الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ بِالْإِذْنِ) فِيهِ (وَفِي الدَّيْنِ إبْرَاءٌ) عَنْ الْبَاقِي فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ (وَيَصِحُّ هَذَا الْإِبْرَاءُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ) لِأَنَّ خَاصِّيَّتَهُ، وَهِيَ سَبْقُ الْخُصُومَةِ قَدْ وُجِدَتْ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الْهِبَةِ بِذَلِكَ (فَلَوْ قَالَ: صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي عَلَيْك بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ وَاشْتَرَطَ الْقَبُولَ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَقْتَضِيهِ (بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِبْرَاءِ) وَنَحْوِهِ كَالْإِسْقَاطِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ كَ أَبْرَأْتُكَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي عَلَيْكَ أَوْ حَطَطْتهَا عَنْك أَوْ أَسْقَطْتهَا عَنْك وَصَالَحْتُك بِالْبَاقِي (، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْبَاقِي) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ قَبْضُ الْبَاقِي (فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ) الْمُصَالَحُ بِهَا (مُعَيَّنَةً لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ تَعْيِينَهَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا عِوَضًا فَيَصِيرُ بَائِعًا لِأَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ كَالْإِسْنَوِيِّ الْإِمَامَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ الصِّحَّةُ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ ضَعِيفٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ عَقِبَهُ: وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَقُولَ: الصُّلْحُ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي، وَعَلَى الصِّحَّةِ جَرَى الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (وَأَمَّا) الصُّلْحُ (عَلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ حَالَيْ تَعْيِينِ الْخَمْسِمِائَةِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهَا، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا، وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلُ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَلَوْ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَأَصْلِهِ عَقْدٌ فِيمَا يَأْتِي لِلصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَصْلًا (وَلَا يَصِحُّ) الصُّلْحُ (بِأَلْفِ حَالٍّ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُكَسَّرٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنْ الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَالتَّكْسِيرِ، وَهُمَا لَا يَسْقُطَانِ (وَلَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُكَسَّرٍ عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ أَوْ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ وَالتَّكْسِيرِ وَهُمَا لَا يَلْحَقَانِ (لَكِنْ مَنْ عَجَّلَ مُؤَجَّلًا) أَوْ أَدَّى صَحِيحًا عَنْ مُكَسَّرٍ (جَازَ) لِلدَّائِنِ (قَبُولُهُ) فَيَسْقُطُ الْأَجَلُ وَالتَّكْسِيرُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ أَهْلِهِمَا نَعَمْ إنْ ظَنَّ الْمُؤَدِّي صِحَّةَ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعًا فِي بَيْعٍ وَأَتَى بِالثَّانِي عَلَى ظَنِّ الصِّحَّةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ حَرَامٌ، أَوْ صَادِقًا فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ مَالُهُ الْحَلَالُ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» (قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) وَمَا زَعَمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ مُنَافٍ لِلْمَعْنَى مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ لَا يُنَافِي الْبَيْعَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ لِفَقْدِ شَرْطِهِ بِخِلَافِ، وَهَبْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ، فَإِنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ يُنَافِي الْبَيْعَ فَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهَا فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِي قَوْلِهِ: صَالِحْنِي اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَاهُ لَكِنْ بِدُونِ شَرْطِهِ وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّأْيِ الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْهِبَةِ ذَاتِ الثَّوَابِ.
[أَنْوَاع الصُّلْح نَوْعَانِ]
[النَّوْع الْأَوَّل صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ]
(قَوْلُهُ فَمَنْ خُوصِمَ فِي دَارٍ إلَخْ) لَوْ صَالَحَ مِنْ عَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَيْعٌ، أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ مَثَلًا مَوْصُوفٍ بِصِفَةِ السَّلَمِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ سَلَمٌ وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا فَقَالَ: صَالَحَنِي مِنْهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَوَهَبَنِي خَمْسَمِائَةٍ وَلِي بَيِّنَةٌ، وَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ: فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَقَدْ يُصَالِحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ لَا يُحْكَمُ بِالْبَاقِي اهـ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَهَبَنِي كَذَا كَقَوْلِهِ: أَبْرَأَنِي (قَوْلُهُ وَحُكْمِ الرَّبَّا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْبُطْلَانِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى: أَحْكَامُ (قَوْلُهُ فَهُوَ إجَارَةٌ) فَيَصِحُّ بِلَفْظِهَا وَلَفْظِ الصُّلْحِ لَا الْبَيْعِ (قَوْلُهُ غَيْرُ دَيْنِ السَّلَمِ) أَيْ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ.
[النَّوْع الثَّانِي صُلْحُ الْحَطِيطَةِ]
(قَوْلُهُ: وَالْقَبْضُ بِالْإِذْنِ فِيهِ) أَيْ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِهِ مِنْهُ وَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ لِمُدَّعِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ كَالْإِسْقَاطِ) أَيْ وَالْهِبَةِ وَالْحَطِّ وَالتَّرْكِ وَالْإِحْلَالِ وَالتَّحْلِيلِ وَالْعَفْوِ وَالْوَضْعِ (قَوْلُهُ: وَصَالَحْتُك بِالْبَاقِي) قَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا قَالَ: وَصَالَحْتُك بِالْبَاقِي مَعَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ الْإِبْرَاءِ كَفَى؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَأْتِي فِيهِ أَحْكَامُ الصُّلْحِ كَسَبْقِ الْخُصُومَةِ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الصُّلْحِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ الصِّحَّةُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي) فَقَالَ: وَأَصَحُّهُمَا يَصِحُّ نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِيفَاءٌ لِلْبَعْضِ، وَإِسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ (قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ) وَقَدْ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالسُّقُوطِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute