للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْآذِنَ لَهُ ائْتَمَنَهُ عَلَى ذَلِكَ (وَإِذَا حَلَّتْ) الْأُجْرَةُ (الْمُؤَجَّلَةُ وَقَدْ تَغَيَّرَ النَّقْدُ وَجَبَتْ مِنْ نَقْدِ يَوْمِ الْعَقْدِ لَا يَوْمِ تَمَامِ الْعَمَلِ وَلَوْ فِي الْجَعَالَةِ) كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ.

(فَرْعٌ الْأُجْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ كَالْمَبِيعِ) الْأَنْسَبُ " كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ " (فِي الشُّرُوطِ) وَفِي أَنَّهَا تُمْلَكُ فِي الْحَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ) كَالْبَيْعِ (لَا بِجِلْدِ شَاةٍ قَبْلَ سَلْخِهِ) إذْ لَا تُعْرَفُ صِفَتُهُ فِي الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ وَغَيْرِهِمَا.

(فَصْلٌ أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَلِلْأُجْرَةِ فِيهَا حُكْمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ (فَيَجِبُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ) فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا وَلَا يَسْتَبْدِلُ عَنْهَا (وَلَا يُحَالُ بِهَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَا تُؤَجَّلُ) لِئَلَّا تَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (وَلَوْ كَانَ) الْعَقْدُ وَفِي نُسْخَةٍ " كَانَتْ " أَيْ الْإِجَارَةُ (بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَمِ) كَأَنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ كَأَنْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك دَابَّةً صِفَتُهَا كَذَا لِتَحْمِلَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا لِأَنَّهُ سَلَمٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا مَرَّ.

(فَرْعٌ يَجُوزُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَنْفَعَةً فَإِنْ أَجَّرَ دَارًا بِمَنْفَعَةِ دَارَيْنِ أَوْ حُلِيَّ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ) إذْ لَا رِبَا فِي الْمَنَافِعِ (وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا وَقَالَ إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ - أَوْ رُومِيًّا - فَلَكَ دِرْهَمٌ أَوْ) خِطْتَهُ (غَدًا - أَوْ فَارِسِيًّا - فَنِصْفُ) دِرْهَمٍ أَيْ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ أَوْ غَدًا فَنِصْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ أَوْ فَارِسِيًّا فَنِصْفُ دِرْهَمٍ (لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ لِلْإِبْهَامِ (فَإِنْ خَاطَهُ كَيْفَ اتَّفَقَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) وَهَذَا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالرُّومِيُّ بِغُرْزَتَيْنِ وَالْفَارِسِيُّ بِغُرْزَةٍ.

[فَصْلٌ جَعْلُ الْأُجْرَةِ مِمَّا عَمِلَ فِيهِ الْأَجِيرُ]

(فَصْلٌ لَا يَصِحُّ جَعْلُ الْأُجْرَةِ مِمَّا عَمِلَ فِيهِ) الْأَجِيرُ (كَالطَّحْنِ) أَيْ كَاكْتِرَائِهِ لِلطَّحْنِ (وَالرَّضَاعِ بِجُزْءٍ مِنْ الدَّقِيقِ وَالرَّقِيقِ) الْمُرْتَضِعِ (بَعْدَ الْفِطَامِ) أَوْ لِسَلْخِ الشَّاةِ بِجِلْدِهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفَسَّرُوهُ بِاكْتِرَاءِ الطَّحَّانِ عَلَى طَحْنِ الْحِنْطَةِ بِبَعْضِ دَقِيقِهَا وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ فِي الْحَالِ بِالْهَيْئَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَهِيَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا وَلِلْجَهْلِ بِهَا حِينَئِذٍ وَلِاشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ طَحْنَ قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ وَلِلْأَجِيرِ إذَا عَمِلَ فِي ذَلِكَ أُجْرَةُ عَمَلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَيَصِحُّ بِجُزْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا عَمِلَ فِيهِ (فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ) فِي صُورَتِهَا (شَرِيكَةً) لِلْمُكْتَرِي فِي الرَّقِيقِ الْمُرْتَضِعِ فَلَا يَضُرُّ وُقُوعُ الْعَمَلِ فِي الْمُشْتَرَكِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَوْ سَاقَاهُ الْآخَرُ وَشَرَطَ لَهُ زِيَادَةً مِنْ الثَّمَرَةِ جَازَ وَإِنْ وَقَعَ الْعَمَلُ فِي الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا مَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ أَنْ يَقَعَ فِي خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ وَضَعَّفَهُ الْأَصْلُ وَصَحَّحَ مَا مَالَا إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ أَجِيرًا عَلَى شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ مِثْلُ: اطْحَنْ لِي هَذِهِ الْوَيْبَةَ وَلَك مِنْهَا رُبُعٌ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ أَوْ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي انْتَهَى.

وَمَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ هُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ فَيَمْتَنِعُ فِي قَوْلِهِ اكْتَرَيْتُكَ لِتَطْحَنَ لِي هَذِهِ الْوَيْبَةَ بِرُبُعِهَا وَفِي قَوْلِهِ لِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبُعِهَا لِتَطْحَنَ لِي حِصَّتِي وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ اكْتَرَيْتُكَ بِرُبُعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَهَا وَفِي قَوْلِهِ لِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبُعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَ حِصَّتِي مِنْهَا (فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى طَحْنِ الْبُرِّ بِرُبُعِهِ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِرُبُعِهِ لِيَطْحَنَ لَهُ الْبَاقِيَ كَمَا صَوَّرَ بِهِ الْأَصْلُ (صَحَّ) كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ (فَإِنْ طَحَنَ الْكُلَّ اقْتَسَمَاهُ دَقِيقًا) وَإِلَّا اقْتَسَمَاهُ بُرًّا ثُمَّ أَخَذَ الْأُجْرَةَ وَطَحَنَ الْبَاقِيَ.

(الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَنْفَعَةُ وَلَهَا.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَيُعَضِّدُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا أَجَّرَ دَارًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الدَّارُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِيمَا أَنْفَقَتْهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ إذَا كَانَ مَا أَنْفَقَهُ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا لِأَنَّ إذْنَهُ يَتَنَاوَلُ الْإِنْفَاقَ مُبْهَمًا وَإِذَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ أَمِينًا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَفِي الصَّحِيحَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْآذِنَ لَهُ ائْتَمَنَهُ عَلَى ذَلِكَ) وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ حَيْثُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّصَرُّفِ وَبَقَاءُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ: كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ) حَيْثُ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْأُجْرَةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَالِاعْتِبَارُ بِبَلَدِ إتْلَافِ الْمَنْفَعَةِ نَقْدًا وَوَزْنًا.

[فَرْعٌ الْأُجْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ كَالْمَبِيعِ]

(قَوْلُهُ: الْأَنْسَبُ كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ كَالثَّمَنِ وَالْمَنْفَعَةَ كَالْمَبِيعِ فَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً وَلَوْ كَانَ مَنْفَعَةً (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ) قَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمُ وَمَلَكَهَا الْمُكْرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ.

[فَصْلٌ إجَارَةُ الذِّمَّةِ]

(فَصْلٌ) .

(قَوْلُهُ: أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَلِلْأُجْرَةِ فِيهَا) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا حَالَّةً فَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهَا لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِي الْحَاوِي إنْ عَقَدَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ حَالًّا جَازَ تَأْجِيلُ الْأُجْرَةِ وَحُلُولُهَا وَإِنْ عَقَدَ عَلَى مُؤَجَّلٍ كَاسْتِئْجَارِ بَعِيرٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى مَكَّةَ يَرْكَبُ إلَيْهَا بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ تَأْجِيلُ الْأُجْرَةِ وَفِي وُجُوبِ الْقَبْضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَجْهَانِ وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ يُغْنِي عَنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا) فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْحَطِّ فِي التَّوْلِيَةِ حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ الْبَيْعُ وَيُقَدَّرُ كَأَنَّهُ بِلَا ثَمَنٍ كَمَا قُدِّرَتْ الْإِجَارَةُ هَاهُنَا وَإِلَّا فَيُقَدَّرُ الْإِبْرَاءُ وَالْحَطُّ كَالْقَبْضِ ضِمْنًا قُلْنَا الْجَوَابُ أَنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ غَرَرٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ حِسًّا وَلَا غَرَرَ فِي التَّوْلِيَةِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِالْقَبْضِ الْحُكْمِيِّ.

[فَرْعٌ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَنْفَعَةً]

(قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ) وَأَنَّ الْحَائِطَ الْمُشْتَرَكَ إذَا انْهَدَمَ فَأَعَادَهُ أَحَدُهُمَا بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثَا الْمِلْكِ فِي النَّقْضِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ النِّصْفُ عَنْ مِلْكِهِ وَالسُّدُسُ عَنْ عَمَلِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ هُوَ التَّحْقِيقُ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ) أَيْ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَى الْإِرْضَاعِ بِالنَّصِّ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ فَإِنَّ اللَّبَنَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَكَذَا شُرْبُ الرَّضِيعِ فَفِي غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ فِي جَوَازِهَا عَلَى غَيْرِهِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>