للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ عَلَى مَا لَا سُورَ لَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَةٌ لَا سُورَ لَهَا بِأُخْرَى كَذَلِكَ كَانَتَا كَقَرْيَةٍ بِخِلَافِ اتِّصَالِ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ بِأُخْرَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ السَّفَرِ لِتَعْلِيقِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالضَّرْبِ وَيُخَالِفُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ كَالْقِنْيَةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ كَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمُكْثُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، فَالْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ مُسْتَوِيَتَانِ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ (فَرْعٌ)

لَوْ (فَارَقَ الْبُنْيَانَ) ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي شُرِطَ مُفَارَقَتُهُ لَهَا (ثُمَّ رَجَعَ) إلَيْهَا (مِنْ قَرِيبٍ) أَيْ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (لِحَاجَةٍ) كَتَطَهُّرٍ (أَوْ نَوَاهُ) أَيْ الرُّجُوعَ لَهَا، وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ وَلَوْ بِمَكَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ (فَإِنْ كَانَتْ وَطَنَهُ صَارَ مُقِيمًا) بِابْتِدَاءِ رُجُوعِهِ، أَوْ بِنِيَّتِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَى أَنْ يُفَارِقَ وَطَنَهُ تَغْلِيبًا لِلْوَطَنِ وَحَكَى فِيهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَيْسَ شَاذًّا بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ لَيْسَ شَاذًّا بَلْ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَرَاوِزَةِ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ (تَرَخَّصَ وَإِنْ دَخَلَهَا وَلَوْ كَانَ قَدْ أَقَامَ بِهَا) لِانْتِفَاءِ الْوَطَنِ فَكَانَتْ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ أَمَّا إذَا رَجَعَ، أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ مِنْ بَعِيدٍ لِحَاجَةٍ فَيَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَفَرُهُ.

(فَصْلٌ) فِيمَا يَنْتَهِي بِهِ سَفَرُ الْمُسَافِرِ وَيَنْقَطِعُ بِهِ تَرَخُّصُهُ (يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِمُجَاوَزَةِ مَبْدَإِ سَفَرِهِ أَخْذًا بِمَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَّا بِدُخُولِهِ الْعُمْرَانَ كَمَا لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ، وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِتَحْقِيقِ السَّفَرِ وَتَحَقُّقُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَالسَّفَرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ (مِنْ وَطَنِهِ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا) بِهِ (فِي سَفَرِهِ) كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ بَعِيدٍ قَاصِدًا الْمُرُورَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ (لَا بَلَدَ مَقْصِدِهِ وَلَا بَلَدَ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ) وَعَشِيرَةٌ (لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِمَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ (وَيَنْتَهِي) سَفَرُهُ أَيْضًا (بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا (صِحَاحٍ) أَيْ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْحَطَّ وَفِي الثَّانِي التَّرْحَالَ.

وَهُمَا مِنْ أَشْغَالِ السَّفَرِ (أَوْ نِيَّتِهَا) أَيْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا، أَوْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ مِنْ مُسْتَقِلٍّ مَاكِثٍ فَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِهَا إنْ كَانَ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى إقَامَةَ مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَأَصْلُ ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» وَكَانَ يُحَرِّمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةَ الْكُفَّارِ، فَالتَّرْخِيصُ فِي الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ وَمَنَعَ عُمَرُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْإِقَامَةَ فِي الْحِجَازِ، ثُمَّ أَذِنَ لِلتَّاجِرِ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ مَا فَوْقَهَا وَدُونَ الْأَرْبَعَةِ، وَأُلْحِقَ بِإِقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ نِيَّةُ إقَامَتِهَا أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ السَّفَرُ.

وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَكَذَا لَوْ نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) بِالْإِقَامَةِ (لِمَا) أَيْ لِأَمْرٍ (لَا يَتَنَجَّزُ) وَفِي نُسْخَةٍ يُنَجَّزُ (دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْأَرْبَعَةِ فَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِهَا إنْ كَانَ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ مِثْلُ مَا مَرَّ (وَإِنْ كَانَ) النَّاوِي، أَوْ الْمُقِيمُ (مَاكِثًا فِي مَفَازَةٍ) لَا تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ (أَوْ مُحَارِبًا) ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَضْطَرُّ لِلِارْتِحَالِ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مِنْ قَوْلِهِ «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَصَرَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَأَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا فَلَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعْنَا فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا بِهَا عَشْرًا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى، ثُمَّ بَاتَ بِمِنًى، ثُمَّ سَارَ إلَى عَرَفَاتٍ وَرَجَعَ فَبَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ، ثُمَّ سَارَ إلَى مِنًى فَقَضَى نُسُكَهُ، ثُمَّ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يَقْصُرُ، ثُمَّ نَفَرَ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي ثَالِثِ أَيَّامِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَأَرَادَ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَتَرَخَّصْ بِمُفَارَقَةِ السُّورِ بَلْ حَتَّى تَسِيرَ السَّفِينَةُ وَمِثْلُ السُّورِ فِيمَا لَا سُورَ لَهَا مَا قَامَ مَقَامَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ ذَلِكَ وَجَرْيِ السَّفِينَةِ، أَوْ الزَّوْرَقِ وَلَا يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا وَهَذَا مَعْنَى أَنَّ سَيْرَ الْبَحْرِ يُخَالِفُ الْبَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ) قَالَ النَّاشِرِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ السُّورَ أَنَّ الْبَلَدَ لَوْ كَانَ لَهَا سُورٌ وَرَاءَهٌ بَحْرٌ يُسَافِرُ فِيهِ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ قَبْلَ النُّزُولِ فِي الْبَحْرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ فَلَا يَتَرَخَّصُ إلَّا إذَا نَزَلَ فِي الْبَحْرِ وَصَارَ فِي الْمَرْكَبِ مَثَلًا (قَوْلُهُ فَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَخْ) أَمَّا إذَا نَوَى الرُّجُوعَ لِحَاجَةٍ وَهُوَ سَائِرٌ لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَنْتَهِي بِهِ سَفَرُ الْمُسَافِرِ وَيَنْقَطِعُ بِهِ]

(قَوْلُهُ: يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ؛ لِأَنَّ مَبْدَأَ سَفَرِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ سَفَرِهِ فَهُوَ بِبُلُوغِهِ فِي الرُّجُوعِ مُسَافِرٌ لَا مُقِيمٌ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَهُ سُورٌ خَارِجَ السُّورِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكْفِي الِانْتِهَاءُ بِبُلُوغِهِ بَلْ بِبُلُوغِ نَفْسِ السُّورِ بِأَنْ لَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُقَالَ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ وَهِيَ مُجَاوَزَةُ الْمَبْدَإِ الَّذِي حَقَّقْنَاهُ آنِفًا بِأَنْ بَلَغَ نَفْسَ السُّورِ قِسْ عَلَيْهِ مَا لَا سُورَ لَهَا وَمَا قُلْته ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا بَسَطْت فِيهِ الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ خَفِيٌّ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ فِي إنْشَاءِ السَّفَرِ اهـ.

وَاَلَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ هُوَ السُّورُ أَوْ الْعُمْرَانُ، وَلَيْسَ هُوَ مَبْدَأُ سَفَرِهِ وَإِنَّمَا مَبْدَؤُهُ وَرَاءَهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْفُونِيِّ وَهِيَ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً، وَقَدْ صَيَّرْت النُّسْخَةَ: يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ. فَلْيَصِرْ التَّمَتُّعُ هَكَذَا (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ) بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>