للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِبُ تَعْيِينُ جِهَتِهَا كَمَا مَرَّ (وَلَوْ تَرَكَ نِيَّةَ التَّتَابُعِ) فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِكَ فَلَا تَجِبُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ الْعِبَادَةِ وَالْهَيْئَةُ لَا يَجِبُ الِاعْتِرَاضُ لَهَا فِي النِّيَّةِ (فَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ، ثُمَّ طَلَبَ الرَّقَبَةَ فَلَمْ يَجِدْهَا يُجْزِئُهُ) الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ النِّيَّةَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ عَدَمِ الْوِجْدَانِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ تَقَدَّمَتْ عَلَى وَقْتِ جَوَازِ الصَّوْمِ (وَهُوَ) أَيْ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ الْعُظْمَى (شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ) بِالنَّصِّ وَهُمَا هِلَالِيَّانِ (وَإِنْ انْكَسَرَ الْأَوَّلُ أَتَمَّهُ ثَلَاثِينَ مِنْ الثَّالِثِ) لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْهِلَالِ كَنَظَائِرِهِ.

(فَإِنْ فَسَدَ صَوْمُ يَوْمٍ) وَلَوْ الْيَوْمَ الْأَخِيرَ (بِمَا سِوَى الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجُنُونِ وَمُسْتَغْرِقِ الْإِغْمَاءِ اسْتَأْنَفَ) صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ (وَإِنْ كَانَ) الْإِفْسَادُ (بِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَرَضَاعٍ) أَمَّا إفْسَادُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَلَا يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنَافِي الصَّوْمَ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِيَارِ فِيهِ مِنْ الصَّائِمِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا (وَيَنْقَلِبُ) صَوْمُهُ السَّابِقُ عَلَى صَوْمِهِ الْفَاسِدِ (نَفْلًا) كَمَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْإِفْسَادِ بِعُذْرٍ وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَلَا يَكُونُ مَا مَضَى نَفْلًا عَلَى الْإِفْسَادِ بِلَا عُذْرٍ.

(وَنِسْيَانُ النِّيَّةِ كَتَرْكِهَا عَمْدًا) فَيُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا مِمَّنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ اللَّيْلِ (فَإِنْ وَطِئَ) الْمُظَاهِرُ مِنْهَا (لَيْلًا) قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرَيْنِ (عَصَى) بِتَقْدِيمِ الْوَطْءِ عَلَى تَمَامِ التَّكْفِيرِ (وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ فَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَالْأَكْلِ بِاللَّيْلِ وَوَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الِاسْتِئْنَافَ لَوَقَعَ صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ بَعْدَ التَّمَاسِّ وَلَوْ لَمْ نُوجِبْهُ كَانَ بَعْضُهُمَا قَبْلَ التَّمَاسِّ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ الْأَوَّلِ.

(فَإِنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ) مِنْ الصَّوْمِ (وَلَوْ مِنْ) صَوْمِ (الْيَوْمِ) الَّذِي شَكَّ فِي نِيَّتِهِ (لَمْ يَضُرَّ) إذْ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَوْمِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا أَضْيَقُ مِنْ الصَّوْمِ

(وَيَقْطَعُهُ) أَيْ التَّتَابُعَ (عِيدُ النَّحْرِ وَرَمَضَانُ وَلَوْ فِي تَحَرِّي أَسِيرٍ) أَيْ وَلَوْ فِي صَوْمِ أَسِيرٍ تَحَرَّى فِيهِ فَغَلَطَ بِظُهُورِ مَا ذَكَرَ كَمَا فِي الْإِفْطَارِ بِالْمَرَضِ وَلَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فِي الطُّهْرِ تَمْتَدُّ شَهْرَيْنِ فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ يَتَخَلَّلُهُ الْحَيْضُ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَفِي الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِنَقْلِهَا عَنْ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

(وَإِنْ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِنِيَّتِهِمَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ وَرَمَضَانَ (بَطَلَ صَوْمُهُ) لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ (وَيَأْثَمُ بِقَطْعِ) صَوْمِ (الشَّهْرَيْنِ لِيَسْتَأْنِفَ بَلْ) الْأَوْلَى إذْ (هُمَا) أَيْ صَوْمُهُمَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ (كَالْيَوْمِ) أَيْ كَصَوْمِهِ فَيَكُونُ قَطْعُهُ كَقَطْعِ فَرِيضَةٍ شَرَعَ فِيهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ

[فَصْلٌ عَجَزَ الْمُكَفِّرُ عَنْ الصِّيَام أَوْ التَّتَابُع]

(فَصْلٌ وَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَفِّرُ (عَنْ الصِّيَامِ أَوْ التَّتَابُعِ) لَهُ (لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى) زَوَالُهُ (وَكَذَا لَوْ) رُجِيَ زَوَالُهُ لَكِنَّهُ (دَامَ) أَيْ يَدُومُ (شَهْرَيْنِ غَالِبًا) بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ (أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) تَلْحَقُهُ بِالصَّوْمِ أَوْ بِتَتَابُعِهِ (مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِمَا (وَلَوْ) كَانَتْ الْمَشَقَّةُ (بِشَبَقٍ) وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةِ الْوَطْءِ (أَوْ خَوْفِ زِيَادَةٍ فِي الْمَرَضِ أَطْعَمَ) أَيْ مِلْكَ (سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ فَقِيرًا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِعُذْرِ الشَّبَقِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِيهِ لَيْلًا بِخِلَافِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِاسْتِمْرَارِ حُرْمَتِهِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ لِلصَّوْمِ كَمَا يَنْتَظِرُ الْمَالَ الْغَائِبَ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ غَابَ مَالُهُ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً وَيُقَالُ لِلْعَاجِزِ بِالْمَرَضِ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ وَلِأَنَّ حُضُورَ الْمَالِ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ زَوَالِ الْمَرَضِ وَخَرَجَ بِالْمَرَضِ السَّفَرُ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ بِهِ إلَى الْإِطْعَامِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَغْلِبُهُ الْجُوعُ تَرْكُ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ بَلْ يَشْرَعُ فَإِذَا عَجَزَ أَفْطَرَ بِخِلَافِ الشَّبَقِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ يُبَاحُ بِفَرْطِ الْجُوعِ دُونَ فَرْطِ الشَّبَقِ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ.

وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكَنِ وَالْفَقِيرِ أَنْ يَكُونَا (مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ) فَلَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَى كَافِرٍ وَلَا هَاشِمِيٍّ وَلَا مُطَّلِبِيٍّ وَلَا إلَى مَوَالِيهِمَا وَلَا إلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَا إلَى عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَاعْتَبَرُوا فِيهَا صِفَاتِ الزَّكَاةِ (سِتِّينَ مُدٍّ لِكُلِّ) وَاحِدٍ (مُدٌّ) بَدَلًا عَنْ صَوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا لِمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْفِي الدَّفْعُ، وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ (مِنْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ يَجِبُ تَبْيِيتُ نِيَّة الصَّوْمِ لِكُلِّ يَوْمٍ]

قَوْلُهُ بِمَا سِوَى الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَرْأَةِ الصَّوْمُ الْمُتَتَابِعُ لِلْكَفَّارَةِ إلَّا لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَوْ الْجِمَاعِ إذَا صَامَتْ عَنْ قَرِيبِهَا الْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ اسْتَأْنَفَ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ) لِلْإِخْلَالِ بِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ مِنْ الْمُوَالَاةِ (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَلَا يَكُونُ مَا مَضَى نَفْلًا إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا لَا وَجْهَ لِلْحَمْلِ الْمَذْكُورِ إذْ لَا وَجْهَ لِبُطْلَانِ مَا مَضَى فَالْأَقْرَبُ خِلَافُ مَا فِي الْأَنْوَارِ وَإِطْلَاقُ وُقُوعِهِ نَفْلًا (قَوْلُهُ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ) فِيهِ تَجَوُّزٌ، فَإِنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ دُخُولَ مَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ابْتِدَاءً عَنْ الْكَفَّارَةِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ رُجِيَ زَوَالُهُ لَكِنَّهُ دَامَ إلَخْ) لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ دُونَ الصَّيْفِ فَلَهُ الْعُدُولُ إلَى الْإِطْعَامِ لِعَجْزِهِ الْآنَ عَنْ الصَّوْمِ كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِعْتَاقِ الْآنَ وَعَرَفَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ قَدَرَ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصَّوْمِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ.

(قَوْلُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ) لِأَنَّهُ سَدَادُ الرَّغِيبِ وَكِفَايَةُ الْمُقْتَصِدِ وَنِهَايَةُ الزَّهِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>