للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ قِسْمَةُ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ]

(فَصْلٌ: لِلْوَرَثَةِ) إذَا مَاتَ الزَّوْجُ عَنْ مُسْتَحِقَّةِ السُّكْنَى (قِسْمَةُ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ بِلَا إتْلَافٍ) لَهُ بِنَقْضٍ أَوْ بِنَاءٍ بَلْ بِخُطُوطٍ تُرْسَمُ (لَا) الْمُعْتَدَّةِ (بِغَيْرِ الْأَشْهُرِ) أَيْ بِالْحَمْلِ أَوْ بِالْأَقْرَاءِ فَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ مَسْكَنِهَا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ، وَهَذَا مَعَ التَّقْيِيدِ بِالْأَشْهُرِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَسْكَنٍ مُسْتَأْجَرٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ وَاحْتِيجَ إلَى نَقْلِهَا لَزِمَ الْوَارِثَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهَا مِنْ التَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ إسْكَانُهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِإِسْكَانِهَا لَزِمَهَا الْإِجَابَةُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي صَوْنِ مَاءِ مُوَرِّثِهِ (قَالَ الرُّويَانِيُّ) تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ (وَغَيْرُ الْوَارِثِ كَالْوَارِثِ) فِي ذَلِكَ (حَيْثُ لَا رِيبَةَ) فِيهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ نَقَلَ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْقَسَامَةِ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِوَفَاءِ دَيْنِ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لَمْ يَلْزَمْ الدَّائِنَ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْوَارِثِ وَبِأَنَّ اللُّزُومَ فِيهِ تَحَمُّلٌ مِنْهُ مَعَ كَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ لَا غَرَضَ لَهُ صَحِيحٌ فِي صَوْنِ مَاءِ الْمَيِّتِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُلَازَمَةَ الْمُعْتَدَّةِ لِلْمَسْكَنِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا بَدَلَ لَهُ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَبُولُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُهُ، وَبِأَنَّ حِفْظَ الْأَنْسَابِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ التَّبَرُّعُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ التَّبَرُّعُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَيِّتِ. (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ (اُسْتُحِبَّ لِلسُّلْطَانِ حَيْثُ لَا تَرِكَةَ إسْكَانُهَا) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ تُتَّهَمُ بِرِيبَةٍ، وَيَلْزَمُهَا مُلَازَمَتُهُ احْتِيَاطًا لِمَنْ تَعْتَدُّ مِنْهُ، وَإِذَا لَمْ يُسْكِنْهَا أَحَدٌ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ (وَلِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ) كَنِكَاحٍ فَاسِدٍ (إسْكَانُهَا) وَتَلْزَمُهَا مُلَازَمَتُهُ كَمَا قَدَّمْته.

[فَصْلٌ ابْتِدَاءُ الْعِدَّة عَنْ طَلَاقِ الْغَائِبِ أَوْ مَوْتِهِ]

(فَصْلٌ: فِيهِ مَسَائِلُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ) عَنْ طَلَاقِ الْغَائِبِ أَوْ مَوْتِهِ (مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ لَا) مِنْ حِينِ (بُلُوغِ الْخَبَرِ) كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.

(وَإِنْ طَلَّقَهَا) زَوْجُهَا (فَأَتَتْ بِقُرْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَوَطِئَهَا) الزَّوْجُ (الثَّانِي ثُمَّ) وَطِئَهَا (الْمُطَلِّقُ بِشُبْهَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي قَبْلَ وَطْءِ الْمُطَلِّقِ (أَتَمَّتْ لِلْمُطَلِّقِ الْقُرْأَيْنِ) الْبَاقِيَيْنِ مِنْ عِدَّةِ طَلَاقِهِ (وَدَخَلَ فِيهِمَا قُرْءَانِ مِنْ) عِدَّةِ وَطْءٍ (بِشُبْهَةٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ثُمَّ) تَعْتَدُّ (بَاقِيَ عِدَّةِ) وَطْءِ (شُبْهَةِ الْمُطَلِّقِ بِقُرْءٍ) ، وَإِنَّمَا قُدِّرَتْ قَبْلَ وَطْءِ الْمُطَلِّقِ لِمَا مَرَّ أَنَّ عِدَّةَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى التَّفْرِيقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَعَطْفُهُ فَرَّقَ بِالْوَاوِ أَوْلَى مِنْ عَطْفِ أَصْلِهِ لَهُ بِثُمَّ.

(وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي حَيَاتِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْعِدَّةُ) عَنْهَا (وَلَمْ تَرِثْ) لِإِقْرَارِهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا قَيَّدَهُ الْقَفَّالُ بِالرَّجْعِيَّةِ فَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فَادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ رَجْعِيًّا، وَأَنَّهَا تَرِثُ فَالْأَشْبَهُ تَصْدِيقُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَعَدَمُ الْإِبَانَةِ.

(وَلَوْ أَسْقَطَتْ الْمُعْتَدَّةُ حَقَّ السُّكْنَى) عَنْ الزَّوْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا يَوْمًا فَيَكُونُ) ذَلِكَ (إسْقَاطًا) لِلشَّيْءِ (قَبْلَ الْوُجُوبِ) لَهُ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ (وَإِنْ وُطِئَتْ مُزَوَّجَةٌ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ) أَيْ صَارَتْ فِي الْعِدَّةِ (وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ لَمْ تَنْقَطِعْ الْعِدَّةُ إذْ لَا عِدَّةَ بِوَطْئِهِ كَالزِّنَا) .

[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي بَيَانِ الِاسْتِبْرَاءِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي مَاهِيَّة الِاسْتِبْرَاءِ]

(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي) بَيَانِ (الِاسْتِبْرَاءِ)

هُوَ التَّرَبُّصُ بِالْمَرْأَةِ مُدَّةً بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ حُدُوثًا أَوْ زَوَالًا لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِلتَّعَبُّدِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِغَيْرِ حُدُوثِ مِلْكٍ أَوْ زَوَالِهِ كَأَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتَهُ عَلَى أَنَّ حُدُوثَ مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ كَمَا سَيَأْتِي حُدُوثُ حِلِّ التَّمَتُّعِ بِهِ لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَنَحْوِهِمَا (وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي مَاهِيَّتِه) أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ (وَهُوَ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ) يَحْصُلُ (بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ لَا طُهْرٍ) ، وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَمَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ بِالْمَسْبِيَّةِ غَيْرَهَا بِجَامِعِ حُدُوثِ الْمِلْكِ.

وَأَلْحَقَ مَنْ لَا تَحِيضُ مِنْ الْأَيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِمَنْ تَحِيضُ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ غَالِبًا، وَهُوَ شَهْرٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ الِاسْتِبْرَاءُ كَالْعِدَّةِ حَتَّى يُعْتَبَرَ الطُّهْرُ لَا الْحَيْضُ فَإِنَّ الْأَقْرَاءَ فِيهَا مُتَكَرِّرَةٌ فَيُعْرَفُ بِتَحَلُّلِ الْحَيْضِ الْبَرَاءَةُ، وَلَا تَكَرُّرَ هُنَا فَيُعْتَبَرُ الْحَيْضُ الدَّالُّ عَلَيْهَا (وَتَنْتَظِرُهَا) أَيْ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْحَيْضَةَ الْكَامِلَةَ (إلَى) سِنِّ (الْيَأْسِ كَالْمُعْتَدَّةِ، وَإِذَا مَلَكَهَا) أَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا (حَائِضًا فَلَا بُدَّ) فِي حُصُولِ الِاسْتِبْرَاءِ (مِنْ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ أُخْرَى) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ يَكْتَرِي الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ مُطَلِّقٍ غَائِبٍ لَا مَسْكَنَ لَهُ مَسْكَنًا لِمُعْتَدَّتِهِ]

قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا فِيمَا يَظْهَرُ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ كَالصَّرِيحِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَالْأَشْبَهُ تَصْدِيقُهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَقَلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَدُّدٍ وَسُمِّيَتْ الْعِدَّةُ عِدَّةً لِتَعَدُّدِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ إلَخْ) أَقَلُّ مُدَّةِ إمْكَانِ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا جَرَى السَّبَبُ فِي الطُّهْرِ يَوْمٌ، وَلَيْلَةٌ وَلَحْظَتَانِ، وَفِي الْحَيْضِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَحْظَتَانِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ إلَخْ) وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>