للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ الْوَضْعِ فَلِي الرَّجْعَةُ فَقَالَتْ بَلْ قَبْلَهُ، وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا رَجْعَةَ لَك (فَلَهُ الرَّجْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُصَدَّقُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ (وَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِزَعْمِهَا وَفِي هَذِهِ تَفْصِيلٌ مَرَّ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ الْعِدَّةِ.

(فَصْلٌ: تَجِبُ) عَلَيْهِ (النَّفَقَةُ) الشَّامِلَةُ لِلْأُدْمِ (وَالْكِسْوَةِ لِحَامِلٍ بَائِنٍ بِطَلَاقٍ) ثَلَاثٍ (وَخُلْعٍ) لِآيَةِ {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: ٦] وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَائِهِ فَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِرَحِمِهَا فَصَارَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ إذْ النَّسْلُ مَقْصُودٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا أَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ بِهِ (لَا مَوْتٍ) أَيْ لَا بِمَوْتِهِ لِخَبَرِ «لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ حَمْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا النَّفَقَةُ بِسَبَبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَسْقُطْ فِيمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ ثُمَّ قَبْلَ الْمَوْتِ فَاغْتُفِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَ) يَجِبُ ذَلِكَ لَهَا (بِفُرْقَةٍ بِسَبَبٍ عَارِضٍ كَالرِّدَّةِ) وَالرَّضَاعِ (وَاللِّعَانِ) إنْ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ (لَا) بِسَبَبٍ (مُقَارِنٍ) لِلْعَقْدِ (كَالْعَيْبِ وَالْغُرُورِ) فَلَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِهِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ، وَقِيلَ يَجِبُ التَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَرَجَّحَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْخِيَارِ (وَهِيَ) أَيْ النَّفَقَةُ الشَّامِلَةُ لِمَا مَرَّ (لِلْحَامِلِ) بِسَبَبِ الْحَمْلِ (لَا لِلْحَمْلِ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَتَقَدَّرَتْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُعْسِرِ؛ وَلِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْقَدْرِ بِيَسَارِ الزَّوْجِ، وَإِعْسَارِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ إذَا احْتَاجَ إلَى حَاضِنَةٍ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَاضِنَةِ، وَالْحَامِلُ لَا تَتَقَاعَدُ عَنْ الْحَاضِنَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.

(فَتَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ) بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ حُرًّا أَمْ رَقِيقًا (لَا لِلْحَامِلِ مِنْ) وَطْءِ (شُبْهَةٍ) وَلَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً كَأَنْ وُطِئَتْ نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَلَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ بِهَا وَلَا عَلَى الْوَاطِئِ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ (وَتَسْقُطُ) النَّفَقَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الزَّوْجِ (لَا السُّكْنَى بِنَفْيِ الْحَمْلِ) ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْهُ وَصَارَتْ فِي حَقِّهِ كَالْحَائِلِ فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ دُونَ السُّكْنَى (فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ) بَعْدَ نَفْيِهِ (رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ، وَ) بِبَدَلِ (الْإِنْفَاقِ) عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ، وَعَلَى وَلَدِهَا (وَلَوْ كَانَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ (بَعْدَ الرَّضَاعِ) ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ ذَلِكَ بِظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا فَإِذَا بَانَ خِلَافُهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا أَدَّاهُ فَبَانَ خِلَافُهُ يَرْجِعُ بِهِ، وَكَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ بِظَنِّ إعْسَارِهِ فَبَانَ مُوسِرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ، وَاسْتُشْكِلَ رُجُوعُهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى الْوَلَدِ بِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُنَا تَعَدَّى بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا أَكَذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ.

(فَرْعٌ: نَفَقَتُهَا) أَيْ الْبَائِنُ الْحَامِلِ (كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) فِي التَّقْدِيرِ وَغَيْرِهِ (فَتَصِيرُ دَيْنًا) عَلَى الزَّوْجِ إذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا مُدَّةً فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّهَا (وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَمَّا وَجَبَ مِنْهَا) لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَجِبْ مِنْهَا كَنَظَائِرِهَا (وَلَا تُؤَخَّرُ) نَفَقَتُهَا (إلَى الْوَضْعِ) وَحِينَئِذٍ (فَتُسَلَّمُ) إلَيْهَا (يَوْمًا يَوْمًا) لِآيَةِ {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: ٦] ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أُخِّرَتْ عَنْهَا إلَى الْوَضْعِ لَتَضَرَّرَتْ (لَكِنْ) إنَّمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا (بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ) لَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْمُوجِبِ، وَكَظُهُورِهِ اعْتِرَافُ الزَّوْجِ بِهِ وَلَوْ ادَّعَتْ ظُهُورَهُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ (وَيَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ) وَلَوْ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ أَنْفَقَ بِظَنِّ الْحَمْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ) أَيْ زَوْجُ الْبَائِنِ الْحَامِلِ (قَبْلَ الْوَضْعِ لَمْ تَسْقُطْ) نَفَقَتُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَامِلِ وَالْبَائِنُ لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ بَلْ تَعْتَدُّ عَنْ فُرْقَةِ الْحَيَاةِ، وَهِيَ كَأَنَّهَا تُوجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةَ دُفْعَةً فَتَصِيرُ كَدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ.

(وَالْقَوْلُ فِي تَأَخُّرِ تَارِيخِ الْوَضْعِ قَوْلُ مُدَّعِيهِ) فَلَوْ قَالَتْ وَضَعْت الْيَوْمَ فَلِي نَفَقَةُ شَهْرٍ قَبْلَهُ، وَقَالَ بَلْ وَضَعْت مِنْ شَهْرٍ قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَضْعِ وَبَقَاءُ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حُرَّةً أَمْ أَمَةً (لَكِنْ إنْ ادَّعَتْ الْإِنْفَاقَ) عَلَى وَلَدِهَا مِنْ مَالِهَا (لَمْ تَرْجِعْ بِمَا أَنْفَقَتْهُ حَتَّى تُشْهِدَ) أَيْ تُثْبِتَ أَنَّهَا أَنْفَقَتْ أَوْ أَنَّ الْحَاكِمَ أَذِنَ لَهَا أَنْ تُنْفِقَ (لِتَرْجِعَ) عَلَيْهِ

(فَرْعٌ: لَا نَفَقَةَ لِحَامِلٍ) مِنْهُ مَمْلُوكَةٍ (لَهُ أَعْتَقَهَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَامِلِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ نَقْلًا عَنْ النَّصِّ لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ النَّفَقَةُ الشَّامِلَةُ لِلْأُدْمِ وَالْكِسْوَةِ لِحَامِلٍ بَائِنٍ بِطَلَاقٍ]

قَوْلُهُ: الشَّامِلَةُ لِلْأُدْمِ) إذْ يَجِبُ لَهَا مَا يَجِبُ لِلرَّجْعِيَّةِ فَتَجِبُ عَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ الْحَامِلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَتَقَدَّرَتْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ إلَخْ) وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَمَا لَزِمَتْ الْأَبَ إذَا مَلَكَ الْحَمْلَ مَالًا بِوَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ، وَهِيَ تَلْزَمُهُ اتِّفَاقًا، وَلَلَزِمَتْ الْجَدَّ عِنْدَ إعْسَارِ الْأَبِ، وَهِيَ لَا تَلْزَمُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى الْوَاطِئِ) بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهَا حَالَ الِاجْتِمَاعِ فَبَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَ بِظَنِّ الْحَمْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ) شَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمَدْفُوعَ نَفَقَةٌ مُعَجَّلَةٌ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى ظَنِّ الْحَمْلِ فَبَانَ أَنْ لَا حَمْلَ فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمَدْفُوعَ نَفَقَةٌ مُعَجَّلَةٌ لَمْ يَرْجِعْ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمُعْتَمَدُ رُجُوعُهُ بِهِ مُطْلَقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>